الأخلاق من وحي السيرة المحمدية

محمد رضا الدجيلي

عندما نريد الحديث عن الأخلاق يتبادر إلى الذهن وبدون تردد، مثالنا الأسمى رسول الله (صلى الله عليه واله) لما تحمله هذه المعجزة الكونية من حسن سلوك وكرم وتدبّر وفِعال حسنة، بل كان خير خلق الله في أرضه، بما حمل من الصفات التي كانت مقدمة لحمل الرسالة الإلهية، فكان الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله) ومن المقصودين في حل النزاعات والمشاحنات، أضف إلى ذلك ما تحمله شخصيته من تواضع وخفض جناح، وحلم وسِعة صدر، وغيرها من الصفات التي يجتمع بها مع الأئمة عليهم السلام

وبتلك الاخلاق قد انفرد صلى الله عليه وآله بالمراتب العليا عن باقي الخلق أجمعين مهما حاولوا الإقتداء به، فكان بهذه الصفات إناء وظرفاً حاوياً للرسالة السماوية، وقد وصفه الله تعالى بأعظم وصفٍ حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم آية 4)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (إن الله تبارك وتعالى خصّ رسوله (صلى الله عليه واله) بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا الله وارغبوا إليه في الزيادة منها، وهي اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروءة)(من لا يحضره الفقيه للصدوق ج 3 ص 554)، فكان مدرسة للخُلق والتقوى والالتزام، وأكد الإسلام على التحلي بالُخلق والكرم والضيافة ومساعدة الآخرين، وإن فقدانها فقدان لذات الشخص كما قال الشاعر أحمد شوقي:

وَإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت              فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

والخُلق هو الصورة الباطنية للإنسان التي يمكن أن تظهر للآخرين بأشكال مختلفة على جوارحه الظاهرة، فهو الطبع والسجيّة والدين، فالأخلاق صلاح للقلب والحواس، ونؤكد بأن الأخلاق الإسلامية هي مجموعة الأقوال والأفعال القائمة على فضائل وآداب مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعقيدة والشريعة، من خلال القرآن الكريم وسنة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، إذاً الأخلاق ليست جزءاً من الدين بل هي جوهره وروحه، وكفى بحسن الخُلق أنه يستميل النفوس ويورث المحبة ويزيد المودة ويهدي إلى الفعل الحسن، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق)(بحار الأنوار ج68 ص373)، يا لعظمة حسن الخلق فهو باب من أبواب دخول الجنة غايتنا السامية، وهو كمال للإيمان أيضا، كما في حديث رسول الله (صلى الله عليه واله): (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً)(الكافي للكليني ج2 ص99)، ويروى أن رسول الله (صلى الله عليه واله) لمّا بعث عليّاً (عليه السلام) على رأس مئة وخمسين رجلا من الأنصار لهدم الفُلْس (صنم طي) والغارة عليهم، فلما هدموا الفلس وأحرقوه وساقوا النِعم والسبايا، كان في السبي أخت عدي بن حاتم الطائي واسمها (سَفّانة)، فعندما عُرضت السبايا على رسول الله (صلى الله عليه واله) فإذا بجارية تمتدح حسبها ونسبها وتنتسب الى سيد قومها… الى أن قالت أنا ابنة حاتم طيّ فقال (صلى الله عليه واله):
(خلّوا عنها، فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق)، ـ فلِمكارم أخلاق أبيها أطلق رسول الله (صلى الله عليه واله) سبيلها ـ فقام أبو بردة فقال: يا رسول الله.. الله يحب مكارم الأخلاق، قال: (يا أبا بردة لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق)(مستدرك الوسائل للطبرسي ج11 ص194).

نشرت في الولاية العدد 103

مقالات ذات صله