الشباب وفقه الرياضة

جميل مانع البزوني

منذ أن تعلم زيد لعب كرة القدم وهو لا يكاد يفارق ملاعب الكرة حتى وصل الامر به أن ينسى واجباته الدراسية ويصبح متأخراً في نتائجه في المدرسة، وكان والده مسافراً في عمل يستغرق أشهر عدة وكان يحرص على أن يتفقد اخبار ولده عبر الهاتف حتى يعود؛ الا أن والدة زيد لم تكن تريد أن تشغل بال الأب وهو يعيش في بلد آخر.

وعندما انتهت مدة العمل الذي كان مكلفا به عاد الى بلده وهو مطمئن من خلال الاخبار التي كانت تصله من أم زيد لكنه تفاجأ بالوضع الذي عليه ابنه، ولم ينتظر كثيراً حتى قام بالاتصال بإدارة المدرسة التي يدرس فيها ابنه معترضاً على عدم تنبيهه على مستوى ابنه الذي تدهور بعد أن كان من الطلبة الجيدين في المدرسة.
وكان مدير المدرسة يعرف والد زيد فطلب منه أن يجلس ويستمع الى كلامه، وأخذ يشرح له كيف تم اخبار والدته بكل التطورات بعد أن أخذت اوضاع ابنه بالانحدار عن وضعه السابق.
قال الأب: إن ابني من المتفوقين وانا كنت قبل مدة غير بعيدة مطلعا على وضعه وكان وضعه طبيعيا.
قال المدير: كلامك صحيح، لكن اوضاعه ساءت بعد أن أدمن على ممارسة كرة القدم بشكل غير طبيعي، فكان لا يستطيع الجمع بين التفوق واللعب بهذا الشكل، ووالدته كانت على علم بهذه التفاصيل؛ لأني اتصلت عدة مرات وارسلت رسائل على هاتفك المحمول من أجل هذا الامر فإن ابنك من الطلبة المتفوقين في المدرسة.
عاد والد زيد وهو يعيش حالة الخيبة، وكان زيد غير موجود في البيت فانتهز هذه الفرصة ليكلم زوجته حول هذه المسألة، فقال لها: كيف وصل وضع ابني الى هذا المستوى وانا لا أدري؟
حاولت الام أن تبرّر القضية فقالت لزوجها: أنك كنت في مكان بعيد فقلت في نفسي لم أشغل بالك بوضعه ونحن مشغولون البال عليك فتزداد وطأة الغربة عليك وأنا عاجزة عن القيام بشيء.
قال الزوج: انت مسؤولة مثلي عن وضعه وسلوكه فكيف تدهورت الاوضاع وانت صامتة؟
قالت الزوجة: انا كنت حريصة على وضعه الاخلاقي أما مستواه الدراسي فقد انحدر بشكل مؤسف بسبب ممارسة الرياضة لأوقات طويلة.
شعر والد زيد بالراحة لكنه ما انفك يفكر في وضع ابنه الدراسي، فقال في نفسه: عندما يعود زيد سيكون لنا كلام طويل.
عندما عاد زيد كان والده ينتظره في البيت، وقال له: انت كنت طالباً متفوقاً وننتظر منك الحصول على نتائج جيدة فما هو سبب انخفاض مستواك الدراسي.
قال زيد: انا اريد ان أصبح لاعباً في كرة القدم، ولا أريد الاستمرار في الدراسة؛ لأني أحب هذه الرياضة.
قال الاب: الرياضة ليست امراً سيئا ابدا، بل هي أمر راجح لكنك تركت كل واجباتك وانشغلت بها، وهذا امر لا يمكن التغاضي عنه فان الرياضة بالنسبة للطالب كالملح إذا زاد في الطعام أفسده.
قال زيد: دعني اسالك هل كان في عملي هذا أمر محرّم؟
قال الاب: كلا لكك اكثرت من الاهتمام بقضية على حساب قضية اخرى وهذا الامر غير مقبول.
قال زيد: حسنا انا اريد أن اعقد معك اتفاقا وهو أن تسمح لي بأن ادخل كلية خاصة بالرياضة وهذه الكلية لا تحتاج الى معدل دراسي كبير؟
قال الاب: انا اريد لك الخير وعليك ان تعمل على ان تكون من المتفوقين حتى في الرياضة.
قال زيد: انا أعدك بذلك فانا سأكون لاعبا جيدا وطالبا جيدا واستاذا جيدا فانت علمتني أن العمل يجب أن يكون متقنا وانا الآن من أهم اللاعبين في الفريق الذي العب فيه وقد أصبحت مسؤول الفريق الأول كما انني علّمت عددا من الطلبة على الالتزام بالصلاة والانضباط السلوكي.
لما رأت الام الاثنين يتحدثان بود علمت أن القضية قد انتهت وأن الخوف على ابنها قد تبدد وان ابنها قد اختار عملا مناسباً له وليس من المناسب أن يجبر على شيء وهو يرغب في شيء آخر.
وبعد سنوات أصبح زيد من المتخصّصين في الرياضة وتخصّص في السلوك النفسي للرياضيين وحصل على شهادة عليا في هذا المجال وأصبح استاذا في الجامعة.

نشرت في الولاية العدد 103

مقالات ذات صله