مسلسل يوسف الصديق وتأثير الدراما الدينية


هشام أموري ناجي

لم تستطع الدراما الدينية التلفزيونية خلال عقود طويلة من ان تنتج عملا يحوز شهرة عالمية حتى ظهور مسلسل (يوسف الصديق) فعلى الرغم من أن هذا المسلسل قد تم إنتاجه في بيئة غير عربية، الى انه استطاع ان يجذب المشاهدين العرب وغيرهم بمختلف اطيافهم. وهذا العمل بشكله العام يمكن ان يكون خطوة مشجعة لمنتجي الدراما الدينية فضلا ينافسوا الدراما ذات الطابع الغربي، وبخاصة بعد ان تراجع معدل الاهتمام بها مؤخرا بدعوى عدم القدرة على منافسة المنتوج الاجنبي.

بلغ عدد حلقات مسلسل يوسف الصديق 45 حلقة، واستغرق تصويره ثلاث سنوات تقريبا ، منذ 2005م إلى 2008م وبتكلفة وصلت إلى 200 مليون دولار ، وأسهم في كتابة السيناريو 20 كاتبا استعانوا بـالقرآن الكريم وكتب التفسير والتاريخ والحديث من مصادر إسلامية متعددة.
لاقى هذا المسلسل بعد دبلجته الى العربية رواجا غير متوقع بين المشاهدين العرب وصار حديث الساعة، كما أشاع العديد من الانتقادات في الوقت ذاته، وقد بث المسلسل في بعض القنوات العربية.

إبداع الدراما الحديثة
لا شك ان مسلسل يوسف الصديق قد اثار الانتباه بشكل ملفت للنظر وخلق ارتباطا وثيقا بين المتلقي ولقطات العرض المشوقة، وكان أهم عناصر النجاح في المسلسل تكمن في طبيعة مكان العمل السينمائي، اذ كان يتمثل بأجواء مشابهة لأجواء مصر القديمة، وتميز بضخامة الأبنية والمدن الأثرية، كما ان الملابس والاكسسوارات والماكياج المستخدمة في المسلسل استطاعت ان تنقل المشاهد إلى اجواء وروحية ذلك العصر، فضلاً عن ان الشخصيات برعت في خلق مناخ يعيد الذاكرة الى 1160 سنة قبل الميلاد حول تاريخ بني اسرائيل والاهرامات.
هذا وقد لعبت حبكة الاحداث بين كهنة المعابد ويوسف الصديق ودينه الجديد دورا في النجاح، فالتفاصيل الدرامية حفزت روح البحث لدى المشاهدين وابداء الآراء حول الأحداث التاريخية، وصارت اسماء ابطال المسلسل (يوزر سيف – بيناروس – زليخة – نفرتيتي – امن حوتب – بوتيفار) اسماء متداولة بكثرة على السن الناس، ومما زاد من شهرة المسلسل حجم العرض في عدد كبير من القنوات في اوقات مختلفة، بحيث تعطي للمشاهد وقتا كافيا للتعرض للمسلسل ومتابعته.

وقفة عند الانتقادات
واجه مسلسل يوسف الصديق انتقادات، ولكن الغريب ان جلها كان مصدرها مصريا، وربما حدث ذلك لأن المسلسل يحاكي الواقع التاريخي لمصر القديمة. فعلى مستوى رجال الدين المصريين، ابدى الدكتورعبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر اعتراضه على تفاصيل المسلسل، مؤكدا رايه في ان القضايا العامة التي تمس الأمة كلها ينبغي ألا يكون الرأي فيها فرديا وإنما لهيئة من العلماء الكبار من الاتحاد العالمي العاملي للعلماء أو لأي هيأة من الهيئات الدينية العالمية المسؤولة والمسألة في غاية الخطورة ولابد من أن تعرض على جماعة من العلماء الكبار ليقولوا فيها القول الحق سواء بالمنع أو بالاباحة وعلينا اتباع ما قاله أهل الحكمة بأن رأي الجماعة لا تشقى به البلاد برغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها.
من جانبه وّجه الباحث الصري (محمد الملط) نقدا من وجهة تاريخية، منها ان كاتب المسلسل قد وقع أسير لكلمة (فرعون) التي ترددت كثيرًا مع قصة يوسف عليه السلام في التوراة، فأحاطت به، فحاد عن الحقائق التاريخية التي أكد صحتها القرآن الكريم، فملوك الرعاة (الهكسوس) لم يكن أحد منهم يحمل لقب (فرعون)، الذى يعنى (الباب العالي)، فقد كان مقصورًا على ملوك مصر من أبنائها المخلصين، ولم يخلعه المصريون على أي ملك أجنبي ومنهم (الهكسوس).
والقرآن الكريم يؤكد لنا هذه المعلومة، فعندما قص علينا قصة يوسف عليه السلام، ذكر أن الحاكم بمصر كان (ملكًا) وكرر لفظ (الملك) ست مرات، ولم يعطه ولو لمرة واحدة لقب (فرعون)، لأنه إنما كان من ملوك الرعاة (الهكسوس)، بينما في واحدة، ذلك أنه كان في هذا الزمان يحكم مصر أحد أبنائها، فالتفرقة بين اللقبين لحاكم مصر التي أوردها القرآن الكريم هي حق اليقين، وهى الإثبات على أن دخول يوسف عليه السلام إلى مصر كان في عصر الهكسوس (ملوك الرعاة). وبناء على ما سبق، فإن المؤلف قد أخطأ عند إقحامه الفرعون (أمنمحتب) فى هذا المسلسل، والصحيح أن الملك والوزير وزليخة وجميع الأفراد والمنشآت والحوادث كان لا بد من أن تنسب إلى الهكسوس وليس إلى المصريين، وبهذا يخرج آمون وكهنة المعبد من المسلسل.
ويضيف الباحث التاريخي: للحقيقة أيضا فعند دخول يوسف عليه السلام إلى مصر لم يكن الحصان والعربة قد استخدما بعد، فأول ظهور للحصان بمصر كان بعد المناوشات بين المصريين والهكسوس عند بدء حروب الاستقلال أواخر القرن السابع عشر قبل الميلاد… وإذا أحسنا الظن بأصحاب المسلسل، وأنهم لم يقصدوا الإساءة إلى مصر عامة وإلى نسائها بوجه خاص جاز لنا أن نقول إن مسلسل (يوسف الصديق عليه السلام) الإيراني هو تعبير عن رؤية المؤلف والمخرج لأحداث مشهورة وليست تسجيلا تاريخيا لها.
اما ما يتعلق بعملية تجسيد الأدوار التاريخية، فقد سجلت مجموعة من الملاحظات التي تتعلق بالشخصيات الرئيسة للمسلسل، ومنها تجسيد شخصية النبي يعقوب ويوسف عليهما السلام، إذ افتقد الدوران لروح الكمال اللائق بشخصيتين عظيمتين تجسدان اثنين من أنبياء الله العظام، وبخاصة ما يتعلق بشخصية النبي يعقوب(عليه السلام) إذ يشير بعض المختصين إلى أن مخرج العمل لم يكن موفقا في اختيار الشخصية اذ انها لم تمتلك المرونة للحركة مع واقع نبي مرسل مع فقدان المناورة العاطفية التي تضفي الهيمنة على روحية المتلقي.

نهاية المطاف:
بعد هذه الجولة السريعة في اروقة مسلسل يوسف الصديق يحق لنا ان نتساءل هل بإمكان القنوات العربية والاسلامية ان تبحر في طاقاتها الشابة والاسماء اللامعة ومدنها الاعلامية ومنتجيها من اصحاب الاموال الطائلة التي تعادل ميزانيات دول لتخرج الينا عملا فنيا عملاقا يحكي وجودنا الانساني والتاريخي ويدفع عن ابنائنا ونسائنا وارضنا وديننا كيد الارهاب الاعلامي الذي استبدل ذلك بهلوسات بعض المسلسلات الهابطة التي لا تستحق العرض ولا تحمل اي معانٍ انسانية وتاريخية هادفة.
هل بالامكان ان ننتج اعمالا فنية تكون موضوعية وصادقة تنقذها من التبعية للكثافة الاعلامية الزاحفة من الغرب التي ما لبثت تنشر ثقافتها الغريبة عنا وتبث في نفوس ابنائها انقطاعهم عن ثقافتهم وتراثهم الخاص.

نشرت في الولاية العدد 103

مقالات ذات صله