العطّار في مدينة النجف الأشرف

مهنة العطار مهنة قديمة في النجف الاشرف وقد يعود تاريخها الى تاريخ المدينة نفسها فيكون ظهورها تبعا لحاجة ساكنيها والزائرين لها، وقد مارس العطار في النجف قديما دور الحكيم (الطبيب) حيث كان يشخص الداء ويصف الدواء والشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى، وكلما تطور الزمن تقدمت المهنة واخذت بالتوسع شكلا ومضمونا، ومن اجل الوقوف على بعض جوانب هذه المهنة دخلت الى احدى اقدم هذه المحلات وهو محل المرحوم السيد حميد العطار وكان لي الحديث التالي مع صاحب المحل:

بعد ان سلمت عليه ورحب بي عرفني بنفسه قال أنا السيد حسن ابن السيد حميد ابن السيد جواد ال عطيه الموسوي فوالدي معروف بالسيد حميد العطار، وهو من أقدم عشّابي مدينة النجف، ويشهد له العديد من المهنيين بحرفيته وذكائه، والسيد حميد من مواليد مدينة النجف الاشرف عام 1912، وقد عملت مع والدي منذ كان عمري عشرة سنوات حيث بدأ والدي عمله على شكل (بسطية) تضم كمية من الاعشاب البسيطة مثل الحرمل والجفت وبذور السفرجل وورد لسان الثور (ورد ماوي) وغيرها الى ان فتح له محلا في فضوة المشراق (سوق المشراق) وقد الهمه الله المعرفة بالاعشاب وطرق التدواي بها، وقد ذاع صيته بين الناس كعطار ناجح حيث جعل الله على يديه شفاء الكثير من الامراض بموهبة ربانية وبعدها انتقل محل سيد حميد الى الزقاق المعروف عند أهل المدينة بـ (عكد الحمير) المتفرع من شارع الصادق ثم بعدها بسنوات تقدم قليلا وأفتتح له محلا للعطارة على واجهة شارع الصادق ولا يزال لحد هذا اليوم يعرف بمحل سيد حميد حيث يشغله الآن أحد أحفاده..
بعدها شكرت السيد حسن ورحت اتجول في شارع الصادق وازقته وانا استعرض واجهات المحال وأصحاب بعض المهن التراثية، ومن حسن الصدف ان التقيت شابا في مقتبل العمر يتوسط محلا لبيع الأعشاب والعطارات ويمسك بكتاب(التداوي بالاعشاب) كان يقرأ فيه، فبادرته بالسؤال حدثني عن مهنة العطارة وطب الاعشاب فقال بلهجة مرحة أنا علي مطر شلاش وهنا محل العم (الحاج طاهر شلاش) وكان ابي رحمه الله يعمل معه ايضا وعندما انتقل الى رحمة الله صرت انا اعمل هنا مع الحاج (طاهر شلاش) المشهور بـابي حبيب وهو من بين أقدم العطارين في مدينة النجف الأشرف أيضا، نحن اليوم نبيع البهارات بجميع انواعها ولا زلنا نخلط اجود انواعها، اضافة الى الخلطات العشبية لمختلف الحالات والامراض فمثلا وصفة مرض السكر هي عبارة عن خلطة من (البستج + بذور نومي بصرة + دارسين) ولكن بأوزان محسوبة وهناك خلطة لتساقط الشعر وهي عبارة عن مجموعة من الزيوت (زيت اللوز الحلو والمر+ زيت الخروع+ زيت الجرجير) وهي ايضا بمواصفات محددة من الاوزان وهناك وصفة للمفاصل عبارة عن (زيت الزيتون مع زنجبيل مع كركم مع سنام البعير) وكذلك خلطة اخرى من (الرشاد والحليب) وكلها بأوزان محددة ومحسوبة وحسب الحالة كما ان هناك خلطات شائعة للأمراض الصدرية مثل الكحة والبلغم ومنها الازهار الصدرية والبابونج ومنها تخلط (تيهان مع بذور السفرجل والنارهنج) وهناك خلطة اخرى مثل (قدومه مع صمغ عربي مع يانسون) وكلها تحضر بأوزان وقياسات محددة لكل عارض وحالة من المرض.
كما ان هناك وصفات مطلوبة دائمة وخصوصا من النساء الا وهي (خلطات التنحيف) وكذلك الخلطات الخاصة بالبشرة وتسريح الشعر ومن العشبات المهمة هو ما يسمى بالروزماري (اكليل الجبل) وكذلك مادة العسل الطبيعي تعدّ مهمة جدا وكذلك الزعفران الاصلي تعد من المواد المهمة الواجب توفيرها في محل العطارة.

نشرت في الولاية العدد 103

مقالات ذات صله