المرقد العلوي في نظر الرحالة والمستشرقين

رسول كاظم عبد السادة

فرايا ستارك (سنة 1937م)
السائحة الصحفية والمؤرخة الانكليزية فريا ستارك واحدة من بين اشهر الرحالات الغربيات اللاتي جبن الشرق العربي خلال الربع الاول من القرن الشعرين، عراق الثلاثينات في العهد الملكي، كانت سائحة صحفية مؤرخة بالصور خاصة، زارت العراق وولعت به، كانت تتعاون مع الادارة البريطانية، وتمكنت من خلال عملها في جمعية انكليزية من التعاون مع اوساط الشرقيين، كانت هواية فريا ستارك التجول في العراق بعد ان زارت عمان ودمشق، واقامة علاقات طيبة مع العراقيين واحداث تغيير في الشعور الجماهيري لديهم، كان من الضروري التقرب الى طبقات المجتمع ولهذا تقول فريا ستارك (شكلنا جهازا سياسيا استشاريا بهدف محاربة اعلام العدو وخلق صداقة مع القادة وبصورة عامة لإبقاء النفوذ البريطاني في العراق).
استطاع الضباط البريطانيون الموجودون في العراق ان يعملوا الى جانب موظفي العلاقات العامة وقدموا الدعاية لمصلحة بريطانيا، كانت منظمة (اخوان الحرية brother of freedom) التي اسستها فريا ستارك قد ساعدت على خلق علاقات مع الناس ليس في بغداد فقط بل في الالوية الاخرى.
تمكنت فريا ستارك بشكل سريع من توثيق صلاتها بالمجتمع، لكنها عندما انتهت حاجة بريطانيا من خدماتها في المؤسسة التي انشأتها.. حلّتها.
ولعل من بين مقومات استحداث هذه المنظمات: الدعم الكبير الذي حظيت به من الساسة العراقيين الذين تولوا الحكم في العراق كنوري السعيد وغيره، غادرت فريا ستارك العراق لكنها استمرت على علاقتها مع بعض القادة العراقيين ومنهم الامير عبد الاله الذي التقاها مرة او اكثر في اوربا، والواقع ان (منظمة اخوان الحرية) تحولت الى منظمة (الماسونيين السرية) الانكليزية التي كان كثير من الوزراء والنواب في البرلمان العراقي اعضاء فيها ثم انتهت بعد زوال الملكية.

زيارتها للنجف:
وفي 1937 زارت النجف الكاتبة الانكليزية القديرة والموظفة في الاستخبارات البريطانية المس (فريا ستارك) وبقيت فيها اسبوعا واحدا ضيفا على القائمقام الذي انزلها في جناح الضيافة الموجود في نادي الموظفين، وقد كتبت فصلا خاصا عن النجف ضمنته ملاحظاتها عنها في كتابها.
وتبدأ ملاحظاتها بما شاهدته في الكوفة ثم تنتقل الى النجف فتقول: قد كان الامام علي هنا يعمل الخير ويتمسك بالأمور المثلى -على حد تعبيرها- فأفنى نفسه وهو مريض الفؤاد ما بين اهل الكوفة المتلوّنين، وعلى مسافة غير بعيدة من هذه البقعة جعجع ابنه الحسين الى جهة البادية وظل يتجول حتى نزل في كربلاء، فقتل قتلة فظيعة مع اهل بيته بعد ان منع عنهم الماء.
وقصة قتله هذه من القصص القليلة التي تقول (فرايا ستارك) انها لا تستطيع قراءتها من دون ان ينتابها البكاء، وتقول ايضا ان التاريخ توقف في كربلاء والنجف منذ يوم مقتله، ذلك لأن الناس اخذوا يعيشون فيهما على ذكرى الكراهية لأعداء الحسين.
وقد اخذت النجف محل الكوفة، على ما ترى ومع ان سكناها قد استقروا وتمدنوا فإنها لا تزال تعد من مدن البادية، المحاطة بسور خاص ترتفع هي في داخله فوق هضبة واطئة من الارض كأنها تاج يعلوه ذهب القبة المتلألئ وما زال بدو عنزة وشمر يقصدونها من رمال النفوذ البعيدة للتزود منها، بينما تسلك السيارات الطريق الممتدة منها الى مكة، وهي طريق الحج المسماة باسم زبيدة.. وقد تجولت ما بين القبور في بعض الامسيات كذلك، وامضت امسية واحدة من التفرج على ما يجري عند الباب الكبير المؤدي الى الصحن فكانت من اجمل الامسيات التي قضتها في حياتها كلها، وكان ذلك من غرفة تعود للشرطة وتطل شبابيكها على باب الصحن وقسم من السوق، وبعد ان تصف ما شاهدته هناك وفي الداخل تقول انها خرجت تقطع السوق التي امتلأ بالأضوية، وهي تشعر بحبها للعالم بأجمعه، وبينها هي كذلك لاحظت في دكان بائع أحذية رجلا كان يرمقها بنظرات شزراء ممتلئة بالحقد والكراهية، فتأثرت اشد التأثر لأنه يحز في نفسها ان يكرهها احد من دون سبب وهي تقول: ان ذلك الرجل لو كان بوسعه ن يخترق جسمها الانكليزي بنظره الى اعماق قلبها لوجد ان ما كان يمتلئ به هو الاحترام الودي لعتبته المقدسة بالذات التي تعلو أرواح الناس كما تعلو قبة النجف المذهبة فوق افق البادية، فتجذبهم اليها من بعيد.
تنهي الفصل بوصف جماعة من فقراء الافغان كانوا يعيشون على الكفاف، ويحصلون على قوتهم من حياكة بيوت الشعر، ثم ينتزع كل منهم فلسا واحدا من وارده الشحيح بين حين وآخر فيعطيه للانفاق على العتبة، وتعلق على ذلك بكل اكبار واجلال قائلة: من نكون نحن لننتقد عقيدة تعطي مثل هذا المقدار يا ترى.

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله