أعظم مظلوم وأعظم منهج

الشيخ الحسين أحمد كريمو

يروى عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) هذه الرواية الشريفة وهي واحدة من الآلاف التي جاءت عن الحبيب المصطفى (صلى اله عليه واله) بحق ابن عمه وأخيه وصهره ووزيره الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وهي رواية يجب أن تستوقفنا طويلاً لنستلهم منها الدروس والعبر، وهي ما روي عن إبراهيم بن أبي حمود عن الإمام الرضا(عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يا علي؛ أنت المظلوم من بعدي فويل لمن ظلمك واعتدى عليك، وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك.

يا علي؛ أنت المقاتل بعدي فويل لمن قاتلك وطوبى لمن قاتل معك.. يا علي؛ أنت الذي تنطق بكلامي وتتكلم بلساني بعدي، فويل لمن ردَّ عليك وطوبى لمَن قبل كلامك.. يا علي؛ أنت سيد هذه الامة بعدي، وأنت إمامها وخليفتي عليها، مَن فارقك فارقني يوم القيامة، ومَن كان معك كان معي يوم القيامة.. يا علي؛ أنت أول مَن آمن بي وصدقني، وأنت أول من أعانني على أمري وجاهد معي عدوي، وأنت أول من صلى معي والناس يومئذ في غفلة الجهالة..
يا علي؛ أنت أول من تنشق عنه الارض معي وأنت أول من يبعث معي وأنت أول من يجوز الصراط معي، وإن ربي عز وجل أقسم بعزته (وجلاله) أنه لا يجوز عقبة الصراط إلا مَن معه براءة بولايتك وولاية الائمة من ولدك، وأنت أول مَن يرد حوضي تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك، وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود، ونشفع لمحبينا فنشفّع فيهم، وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي، وهو لواء الحمد، وهو سبعون شقة، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر، وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنة، أصلها في دارك وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك..)
نعم؛ الإمام علي (عليه السلام) هو المظلوم الحقيقي والمظلوم الواقعي وهو الذي يستحق اسم(المظلوم) وهو أعظم مظلوم في التاريخ البشري لأنه أعظم شخصية بعد رسول الله(ص).. فظلامة أمير المؤمنين (عليه السلام) لو تأملنا فيها جيداً لأخذنا العجب العجاب من فداحة الظلم الذي وقع على ذاك العملاق في كل شيء، فكم كان يشكو من ظلم قريش له -روحي فداه- كقوله مكرراً: (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي، وَ قَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ وَ لاَ مُسَاعِدٌ إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَنِيَّةِ فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى وَ جَرِعْتُ رِيقِي عَلَى اَلشَّجَا وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ اَلْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ اَلْعَلْقَمِ وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ اَلشِّفَارِ) (الخطبة 170، 306) و(الخطبة 215، 413)
وقال ابن أبي الحديد: اعلم أنه قد تواترت الأخبار عنه (عليه السلام) بنحو من هذا القول، نحو قوله: ما زلت مظلوما منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا.
وقوله: اللهم أخز قريشا فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري.
وقوله: فجزى قريشا عني الجوازي، فإنهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن امي. (يعنى رسول اللّه «صلى الله عليه وآله») (الخطبة 275، 494)
وفي المناقب لابن شهر آشوب عن حريث: إنّ عليّاً لم يقُم مرّة على المنبر إلّا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، نعم ظلم الأمير كثيراً ولذا قال الإمام عليّ(عليه السلام): لقد ظُلمت عدد الحجر والمدر، وفي شرح نهج البلاغة عن المسيّب بن نجبة: بينا عليّ يخطب إذ قام أعرابيّ فصاح: وامظلمتاه! فاستدناه عليّ(عليه السلام)، فلمّا دنا قال له: إنّما لك مظلمة واحدة، وأنا قد ظُلمت عدد المدر والوبر.
وفي رواية عبّاد بن يعقوب: إنّه دعاه فقال له: ويحك، وأنا واللَّه مظلوم أيضاً، هاتِ فلندعُ على مَن ظلمنا، وفي الخرائج والجرائح: إنّ أعرابيّاً أتى أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو في المسجد، فقال: مظلوم! قال: ادنُ منّي. فدنا فقال: يا أمير المؤمنين مظلوم! قال: ادُن. فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه، قال: ما ظلامتك؟ فشكا ظلامته. فقال: يا أعرابيّ أنا أعظم ظلامةً منك؛ ظلمني المدر والوبر، ولم يبقَ بيت من العرب إلّا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوماً حتى قعدت مقعدي هذا)، ظلم أعظم إنسان هو أعظم ظلامة في تاريخ الإنسانية، والعجيب الغريب أنه ما زال مظلوماً من كل طوائف هذه الأمة الإسلامية ومن شيعته وأتباعه – أو ممن ينتسبون إليه- ومن أعدائه والناصبين له العداء .. يظلمه شيعته بالإهمال وأعداؤه بالقتال.. فهذه الحرب التي نعيش مآسيها ليلا ونهارا في بلادنا التي فيها من شيعته وأتباعه حيث نعب بها الغراب وصاح في مساكنها البوم، وأذن بالدمار والخراب بشكل ليس له شبيه في التاريخ، إنها حرب شرسة وظالمة ومظلمة وقد يعجز الإنسان عن وصفها إلا أنها واقع نراها ونصطلي بنارها التي أحرقت الأخضر واليابس.. والحقيقة هي أنها حرب على علي بن ابي طالب (عليه السلام) مهما حاولنا تجاهل هذه الحقيقة الناصعة وذلك لعدم جرنا إلى حرب طائفية شعواء مظلمة (شيعية / سنية) إلا أننا يجب أن نوضح للعالم ونوحد جهودنا جميعا(شيعة وسنة ومتصوفة) وكل المذاهب الاسلامية لان هذه الحرب عليهم جميعا وإن ألبست ثوب السنة ظلما ومكرا وخديعة من مشعليها لذر الرماد في العيون وهي من خدع الأبالسة المجرمين من ساسة الصهيونية ورؤوس الوهابية.
فالحرب هذه هي (وهابية/ إسلامية، أو صهيونية/ إسلامية) وليست حربا طائفية إسلامية وهذا ما جعلنا نضحي بكل هذه التضحيات ونصبر هذا الصبر المقدس بقيادة المرجعية الرشيدة لكشف هذه الحقيقة الملتبسة على الناس وفضح هذا المخطط الوهابي الاجرامي لتدمير البلاد الإسلامية وتشويه الدين الإسلامي الحنيف في عصر الحضارة الرقمية.. صحيح صبرنا ولكن ظفرنا بحمد الله تعالى.. فها هي الأمة الإسلامية بكل مذاهبها تعلن البراءة من الوهابية وقطعانها وها هي وجوه وساسة الوهابية تكشف عن وجهها القبيح وحقيقتها اليهودية بكل صلافة ووقاحة.
فهي تمنع الأمة من الحج الى بيت الله الحرام ويذهبون ليحجوا في القدس.. وتمنعها من زيارة رسول الله (صلى الله عليه واله) في مدينته ويقولون أن عصاهم خير منه -نستجير بالله- ويذهبون لزيارة تل أبيب لإثبات دينهم وتثبيت ولائهم للصهيونية الأخت والماسونية الأم لهما جميعا.
فالحرب المفروضة علينا اليوم هي التي تشنها قطعان الصهيووهابية ولسنا في معركة داخلية وطائفية في الأمة الإسلامية وهذا ما بدأنا نراه في العالم الإسلامي وما كان ليحدث لولا الوعي الرسالي والديني في النخب المثقفة والناس المتديّنة في الامة كلها.. فالوهابية وبتوجيه من الصهيونية وتسليح ودعم لا متناهي من دول الاستكبار العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة التي امتصت كل ما لدى الدول العربية من مال ومدخرات ونفط وغاز بشكل ليس له مثيل خلال هذه السنوات العجاف.. عادت امبراطورية عملاقة وعادت الدول العربية والخليجية بالخصوص دول فقيرة تستجدي من البنك الدولي وبقية المؤسسات الدولية المعونات المالية.. فالحرب بيننا وبين طائفتين هي امتداد لحربين خاضهما أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) منذ قرون وهي ما زالت مستمرة ومستعرة وان اختلفت الوجوه والأشخاص والزمان إلا أن الأهداف والتوجهات والمناهج والأفكار هي واحدة.. أما الحرب القديمة فقد كانت متولدة وناتجة عن حرب سابقة عليها إلا أن اليوم فاننا نواجه كلا الحربين ولم يتحدا إلا في الحرب علينا في هذه الأيام والحرب القديمة المتجددة هي:
1- صفين بقيادة أموية ووريثتها الآن تركيا العثمانية الاخوانية.
2- النهروان بقيادة خارجية ووريثتها الآن الوهابية المجرمة.
وقديما قالوا: الناس ناس والزمان زمان والتاريخ يعيد نفسه، فالتاريخ يقول أن كلا الحربين كانتا في مواجهة الإمام علي (عليه السلام) والحاضر أيضا يقول: أن كل هذه الحرب المستعرة اليوم هي على الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بكل صراحة وصلافة، وهنا تتجلى مظلومية الإمام علي (عليه السلام) من أعدائه بالقتال؛ وهذا واضح جدا لأنهم حاربوه حروبا ثلاثة وما كانوا ليحاربوا أي انسان استلم الحكم في الدولة الإسلامية إلا علي (عليه السلام).. كما أن هنالك مظلومية للإمام علي(عليه السلام) من شيعته بالإهمال والتجاهل وما أشبه ذلك وهذا ما يؤسفني في هذا العصر فعلا، بحيث ان هؤلاء الأعداء يحاربونا باسم عليا (عليه السلام) ونحن لا نرجع ولا نعود إلى التاريخ لنعرف كيف قاتل علي (عليه السلام) هؤلاء في حروبه الثلاثة.
علما أن الإمام علي (عليه السلام) كان هو المنتصر في حروبه كلها لولا مكيدة عمرو بن العاص في صفين لكانت نتائج النصر مضمونة وواضحته أيضا فلماذا لا نرجع إلى الإمام علي (عليه السلام) وحروبه ودراستها لنعرف كيف انتصر فنتبين مواطن القوة فيها ومنهج الإمام علي (عليه السلام) فيها فنسير على خطاه فننتصر على هؤلاء الأعداء.
ألا نكون ظالمين لأمير المؤمنين (عليه السلام) بترك نهجه في الحرب والقتال؟
بل ألا نكون ظالمين لأنفسنا وأمتنا بتركنا الأخذ بأسباب النصر ومنهجه الذي أعطانا إياه أمير المؤمنين(عليه السلام) بحروبه المحقة كلها؟
وندائي الذي أوجهه إلى إخوتي وأحبتي في ميادين القتال ولا سيما قادة الحرب والقتال أن ارجعوا إلى حروب الإمام علي (عليه السلام) وادرسوها وتدبروا فيها جيدا إذا أردتم النصر على هؤلاء الخوارج الجدد.. فنصر شيعة علي بمنهج الإمام علي (عليه السلام) ولا نصر حقيقي ومشرف إلا بمنهجه القويم وسيفه الصليم.. ولا نصر لنا إلا بشجاعة وحكمة وحنكة وبطولة الإمام علي(عليه السلام).. هلا عدنا إلى إمامنا علي لننتصر؟

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله