الشباب وخطر التواصل الاجتماعي

كانت تلك هي المرة الأولى التي يشعر فيها زيد أنّه يدخل في منطقة خطرة، حيث وجد نفسه يتكلّم في أمور لم يسبق له أن يتكلّم فيها، وكان من عادته أن يتحدّث مع والدته عن كل همومه لكنه هذه المرأة شعر بالإحراج والخجل.

ولمّا كان زيد ليس له سوى والدته بعد وفاة والده فهو يعلم أن مصيره مرتبط بها وقد أجادت في تربيته سنوات طويلة، ولم تكن تشتكي من قسوة الأيام خصوصاً وأنها تقوم بتربية اطفالها الذين أصبحوا الآن رجالاً منذ فقدان زوجها من خلال القيام بخياطة الملابس النسائية ولم يشعر أحد من أولادها يوما انه يفتقد للأب.
وكان زيد أصغر الأبناء لأن الابن الأكبر قد تزوج وخرج في بيت مستقل، وأمّا الابن الأوسط فقد دخل الجامعة منذ سنتين في محافظة أخرى وبقي زيد مع أمه لأنّه دخل الجامعة منذ أشهر قليلة.
ولمّا كانت الجامعة مكاناً جديداً عليه، تعوّد أن يقضي وقته مع أصدقائه الذين يعرفهم من زمان الدراسة الإعدادية، لأن والدته كانت تحرص على أن يكون اصدقاؤه من الأشخاص المؤمنين.
واليوم يحاول زيد أن يصارح والدته التي يحبّها كثيرا بأنه وقع في مشكلة كبيرة حيث يشعر الآن بتأنيب الضمير لأنه دخل إلى أحد مواقع التواصل الاجتماعي وحصل بينه وبين إحدى الاخوات كلام شعر أنه قد تجاوز فيه حدوده مع أنه لم يبدأ الحديث معها ولا بادر الى ذلك، لكنه أبدى رأيه في احدى القضايا وتعجب من دخول احدى البنات على صفحته وكلامها معه على الخاص معترضة على أفكاره.
واليوم كان زيد ينتظر الوقت المناسب ليفتح الموضوع مع والدته التي عوّدته على الصراحة في الكلام حتى عن خصوصياته، فقد كانت تعلّمه حتى أحكامه الشرعية بإرشاده مباشرة أو بإعطائه كتابا يتعلم منه وظيفته الشرعية وبقيت تتابع أوضاعه وحاجاته حتى أصبح الآن ناضجاً وطالباً في كلية الهندسة.
وعندما انتهت والدته من الصلاة جاء وجلس بقربها وأخذ يستجمع افكاره وبدأ بالكلام قائلاً: انني كنت انتظر الفرصة المناسبة لأتحدث اليك في امر مهم وأحتاج فيه الى الارشاد.
الام: وما الأمر الذي يشغل بالك؟
زيد: كنت أتحدّث في أحد مواقع التواصل الاجتماعي وكنت أطرح الدروس التي تعلمتها منك يا أمي في السنوات الماضية.
الام: وما المشكلة في تلك الأفكار فهي أفكار شرعية ومأخوذة من القران والسنة.
زيد: كلامك صحيح، وأنا على يقين من كل هذا ومؤمن به بكل جوارحي ولنْ أفرّط في ذلك أبداً لكن الأمر ليس مرتبطاً بي وإنّما حصل أمر غير متوقع.
الام: وماذا حدث يا ولدي لقد اقلقتني عليك ؟
زيد: عندما طرح موضوعاً اجتماعياً في هذه المواقع بدأ النقاش مع مجموعة من الاصدقاء والمعارف وفجأة دخلت إحدى الفتيات حتى سألتني عن العلاقات الاجتماعية وما حكم الشرع المقدس فيها، استمهلتها حتى آتيها بالجواب بشكل دقيق لايقبل الشك.
وفي هذه اللحظة قاطعَتْ الأم ابنها قائلة: وهل تكلمت معها في هذه الأمور أم هل أنك وقفت من البداية وطلبت المهلة؟
زيد: كنت حائراً ، كيف أتصرّف معها بخاصة بعد أن عرّفتْني بنفسها وأنها زميلتي في الجامعة وفي القسم نفسه الذي أدرس فيه؛ ولهذا طلبت منها فرصة للمراجعة حتى أستشيرك في الأمر قبل أن أجيبها عن كلامها.
الأم: خيراً فعلت، فإن السؤال مرّتين خيرٌ من الخطأ مرّة واحدة، عليك أنْ تعرف أنّ التواصل مع المرأة ليس مأموناً في هذا الزمن وبخاصة مع هذا التواصل الذي لا يطّلع عليه أحد غير الله.
زيد: وما الحل الشرعي لمثل هذا التواصل حتى يكون مأموناً ومشروعاً؟
الأم: يجب أن يكون المعلّم من جنس المتعلّم حتى يكون التعليم آمناً ومشروعاً حتى على المستوى البعيد
زيد: والحل كيف يمكنني اقناعها بكلامي إذا كان حديثي معها ليس مأمونا على المستوى البعيد؟
الأم: أنت مخيّر في هذه الحالة بين أن تجمع بيني وبينها حتى أكلّمها مباشرة او تتّصل بها وأنا أتحدث إليها من أجل إقناعها بما تريد وأما أنْ تتواصل معها مباشرة فهو امر غير مأمون الا في حالة نادرة وانت تعلم إنّ العاقل لا يعتمد على النوادر بشكل خاص مع شعوره بالخوف من تطوّر الحديث الى مستوى أكثر تفصيلاً وخطورةً.
زيد: ماذا عن علاقاتنا أثناء الدراسة؟ هل يجب أن تخضع للمقياس نفسه؟
الام: نعم الأمر نفسه يجري في كل تواصل بين الجنسين.
استمع زيد لحديث والدته بصمت، وهو يعلم أنها تريد له الخير وعقد العزم على أن يعود في اليوم التالي ليطبق ما قالته والدته حتى تنتهي حالة الحيرة وتأنيب الضمير.
وعاد الى حياته مع أمه واضحاً لا يريد شيئاً إلا وتكون معه في كلّ خطوة يخطوها، لكنّ والدته رأت أنّها فرصة لتبدأ بمشروع الزواج لزيد فتعرفت على زميلة زيد هذه وبدأت علاقة واضحة مع هذه الفتاة وزارتهم في بيتها وتعرفت على أهلها حتى تطوّرت هذه العلاقة لتقتنع أم زيد بأنّ هذه الفتاة تليق بولدها بأن تكون فتاة أحلامه وذلك لما تتمتع به من أخلاق عالية والتزام ديني واضح لايشوبه الشك أو الشبه، وبعد أن طرحت الموضوع عليه استمهلها اياماً ليراجع أفكاره لأنّ الزواج مسؤولية حسب ما يعتقد زيد وعليه أن لايتسرع باتخاذ هكذا قرار قد يندم عليه، وبعد أن استقرّ رأيه واقتنع بهذه الفتاة وذلك بعد السؤال والتفحص عن أخلاقها ودينها عاد لأمه ليخبرها بموافقته على الزواج من هذه الفتاة، بعد ذلك تمت مراسم الخطوبة ومن ثم العقد الشرعي والزواج وعاش الإثنان حياة زوجية سعيدة والفضل يعود لله ولهذه الأم الحنونة التي استطاعت أن تربي أولادها التربية الصالحة…

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله