مكتبات من بلادي

محمد حسن

في اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وبالتحديد في سنة 1900 تأسس سوق العمارة الكبير الذي يقع في مركز المدينة ، كما يقول الاستاذ حيدر حسن داوود صاحب اقدم مكتبة في هذه المدينة ، ويضيف قائلا : فقد روى لنا بعض العاملين فيه مثل اسطة فليح البياتي والمرحوم محسن ليلو والمرحوم عصملي ان هذا السوق بني في زمن الدولة العثمانية ، وفتحت فيه المحلات والمتاجر ، وكانت من اهم معالم السوق التاريخية هي هذه المكتبة (المكتبة العصرية) التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي وبالتحديد قبل سنة 1929 ، اسسها المرحوم الحاج عبد الرحيم الرحماني بالمشاركة مع المرحوم عبد المطلب الهاشمي ، وبعد سنين فضت هذه الشراكة .

وبعد دخول المجلات العربية والمصرية الى العراق، أراد أصحاب دور النشر والمكتبات العربية المصدرة وكلاء لهم في المحافظات العراقية، فبدأ الحاج عبد الرحيم يستورد من مصر هذه المجلات، وقد اشترط عليه حينها الاستاذ محمود حلمي صاحب المكتبة العصرية في مصر ان يسمي مكتبته الاسم نفسه لكي يمنحه وكالة واجازة بيع المجلات والصحف المصرية، فوافق الاستاذ عبد الرحيم الرحماني على ذلك، وسمّى مكتبته بالمكتبة العصرية واستمر هذا الاسم الى يومنا هذا، واخرج اجازة رسمية بذلك، واستمرت المكتبة ببيع الصحف والمجلات منذ عام 1929 والى الان، وكانت تبيع ايضا القراءة الخلدونية والكتب المدرسية عندما كان التعليم غير مجاني في العراق، وفي سنة 1954 عمل الحاج الرحماني لتطوير المكتبة، واضاف الى مكتبته مطبعة لطباعة الكارتات وبطاقات الدعوات الخاصة وغيرها، وفي تلك الفترة بدأت بالعمل في المطبعة، وفي الستينات من القرن الماضي وبعد كبر الحاج عبد الرحيم الرحماني ومغادرته الى بغداد تحولت ملكية المكتبة لي باتفاق خاص، واصبحت تحت اشرافي وادارتي من تلك الفترة.
حاولنا معرفة واقع الحركة الادبية والعلمية في محافظة ميسان (العمارة) بصفته قد عايش هذا الواقع قديما وحديثا، فتحدث الاستاذ حيدر قائلا:
كانت الحركة الادبية في هذه المدينة تعتمد على الكتاب والمجلات والصحف وكنا نبيع بكميات كبيرة قديما، وكانت الحوادث السياسية والاجتماعية هي التي تحدد نوع الطلب على الكتب، ولكن يبقى الكتاب الادبي والتاريخي والديني هو الاكثر شيوعا وطلبا، أما اليوم فتوجد حركة ثقافية ولكن باتجاه حداثوي، وكان الكثير من الادباء والمثقفين يزورون المكتبة يوميا ليتزودا بالكتب والمجلات، وكان من رواد المكتبة المرحوم خليل رشيد بالرغم من انه كان حلاقا الا ان محله كان منتدى ادبيا ولقاءا ثقافيا بين المثقفين، وهذه المكتبة كانت مجلساً ادبياً لاجتماع الادباء والمفكرين والمثقفين، وهناك مجالس ادبية اخرى، أتذكر منها مجلس أدبي كان يعقد في ديوانية الحاج محسن الرمضان، وديوانية الشيخ عبد الغفار الانصاري والد الشيخ محمد حسن الانصاري وكيل السيد السيستاني، وكان مجلس الشيخ الانصاري مجلسا عامرا.
وكان لزائروا مدينة العمارة من الشخصيات الثقافية والادبية والسياسية لابد لهم من زيارة هذه المكتبة، مثل الاستاذ حقي الشبلي عندما كان ياتي للعمارة بجولة تفتيشية لابد ان يزور المكتبة العصرية، وكذلك الاستاذ عبد الرزاق الحسني وعبد القادر الحسيني فكانوا ينتهزوا الفرصة عند زيارتهم للمدينة ويمروا بالمكتبة ويأخذوا الصحف والمجلات والكتب، ومن الذكريات عن الشاعر محمد مهدي الجواهري انه عندما ابعد الى العمارة في سنة 1957، وسكن في مدينة علي الغربي واعطي قطعة زراعية فيها ، فكان يأتي الى مدينة العمارة باستمرار ويشتري منّا الصحف والمجلات، وبعد الثورة عام 1958 غادر العمارة.
وعن ابرز المؤلفين والكتاب في هذه المدينة قال الاستاذ حيدر:
أتذكر منهم المرحوم خليل رشيد مؤلف كتاب عن الصادق وقصص خمر غيد وغيرها، والشاعر احمد الخليل ، والشاعر عبد الكريم الندواني، والحاضر جبار الجويبراوي الذي الف كتاب عشائر ميسان، وسلاما ايتها الاهوار ومعتقل العمارة، والمرحوم الدكتور كريم علكم المختص في القضايا الشعرية
أما أبرز اصدارات المكتبة، التي حدّثنا عنها الاستاذ حيدر صاحب المكتبة العصرية قائلا:
بدأنا بتطوير عمل المكتبة من خلال عملنا كدار نشر، فكانت باكورة أعمالنا كتاب سلاما ايتها الاهوار، وكتاب تاريخ وعشائر العمارة، و كتاب الشيخ جعفر النقدي عن السيدة زينب الذي طبع في الاربعينات من القرن الماضي واليوم نعيد طبعه
واردف قائلا عن الواقع الثقافي في الوقت الحاضر: الحاضر ليس كالسابق فالطلب على الكتب والمجلات قليل ، ولا ارى احد من الشباب يأتي الى المكتبة ليشتري كتابا و مجلة الا النادر منهم ، والطلب على الكتب او المجلات محصور فقط بكبار السن الذين يشترون الكتب والمجلات.
وعن أبرز المكتبات القديمة في مدينة العمارة التي عاصرها قال:
مكتبة الغد للسيد شاكر الهاشمي، ومكتبة النجاح للشيخ ميرزا الانصاري الذي اختص بالكتب الدينية، والان توجد بعض المكبات الحديثة، وقد اختصت مكتبتنا على الدوريات من الكتب والمجلات وبعض الكتب وقد افتتحت مكتبة اخرى
وعن مطالعاته وقراءته الخاصة حدثنا الاستاذ حيدر: قرات كتب التراث وروايات نجيب محفوظ وكتب التاريخ وغيرها الكثير .

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله