مهنة من مدينتي سوق العبايجية

أرشد رؤوف قسام

سوق العبايجية من الاسواق العامرة بالحركة و العمل وهو من الاسواق المهمة و المشهورة منذ القدم حيث يقع بالقرب من الصحن الشريف وهو من تفرعات السوق الكبير و اكبر روافده و لعله كان قبل التوسعات وفتح الشوارع كان ملتصقاً بجدار الصحن الشريف إذ أن احدى ابواب الصحن كانت تسمى بباب العقل (باب مسلم بن عقيل) حيث سوق العقل (صناع العقال العربي) الذي يرتبط مباشرة بسوق العبايجية بل يتداخل معه وعلى كل حال فأن صناعة العباءة كمهنة تعد من اقدم المهن في مدينة النجف الاشرف إذ ان للعباءة النجفية تراثا عميقا وسمعة طيبة في انحاء العراق وكذلك دول الخليج العربي وبلاد الشام و بقية الدول الاخرى التي تلبس العباءة العربية ومنذ زمن يعود الى بداية القرن التاسع عشر الميلادي.
دخلت السوق صباحا فوجدته مفعما بالحركة، والتقيت هناك الحاج نوري الشكري وهو أحد أرباب هذه المهنة الأصيلة، و بعد التحية والسلام تبادلت معه أطراف الحديث فسألته عن اشهر (العبايجية) في النجف الاشرف فاجاب قائلا: هم كثر و لا تحضرني كل أسمائهم لكن اذكر منهم: (الحاج عبد شنون و الحاج يوسف شنون و الحاج محمد الشيخ جواد الكرعاوي و الحاج محمد رضا شمس على و الحاج عبد النبي والسيد جابر عيسى المؤمن و الحاج مهدي الشكري و الحاج مجيد الشكري و الحاج ابراهيم الكعبي و الحاج عطا الله خزعل والحاج عبد علي مطرود و الحاج محسن راشد الحجار.. و من صناع العباءة القدماء الحاج عباس مشهدي و الحاج حسن و الحاج مهدي النيار و الحاج محمد باجي شنون و الحاج يوسف كعيد ابوغنيم و السيد طالب السيد كاظم و الحاج شاكر الكلابي و الحاج عزيز تركي و القائمة تطول ويعذرني من لم اذكر أسمه) قاطعته قائلاً المجال لايسمح بذكر الكثير منهم وعندي سؤال آخر كيف تصف العباءة الرجالية النجفية ؟ أجاب: (بداية انتاج العباءة بسيطة وكانت على لونين اي كل لون عبارة عن مسطرة عرضها 10سم وتسمى (السعدونية ) واستمرت حتى بداية القرن العشرين ولكنها انقرضت وبقي اثرها القديم ولكن طورت اليوم لتحل محلها العباءة (البريم) وهي لون واحد ومن الصوف الخالص ، ثم بعدها تطور العمل اكثر ليصبح السدة من السنيتم و القطن واللحمة من الصوف المحسن فسميت (المارينه) ، وفي بداية الخمسينات ظهر معمل فتاح باشا في الكاظمية واخذ يصنع الغزول الاجنبية المحسنة التي فيها نسبة كبيرة من الصوف النقي وكان انتاجها يسمى الغزل الاسترالي وبعدها استوردت الغزول الانكليزية من الوبر الانكليزي الجيد وتطورت حياكة العباءات الرجالية الشتوية وانتعشت هذه الصناعة النجفية في الفترة من الستينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي وبعدها قلت و انعدمت حياكتها بالنسبة لهذا النوع من العباءة ولكن ظهرت بدلاً عنها العباءة البهارية ( أي بين الشتوي و الصيفي ) وكانت تصنع في (جومة القمجي) ومادتها الصوف الانكليزي و الاسترالي و النيوزلندي ، و كان هناك معمل في بغداد يصنع الغزول المخلوطة جنفاص وقطن الى ان جاءت حقبة الثمانينات في القرن الماضي و دخلت المكننة الحديثة الساحة النجفية واخذت بصناعة انواع العبي المختلفة ). سألته مقاطعاً اذن كيف كانت محلات نسيج العباءة هل بالإمكان وصف محل العمل في السابق فأجاب قائلاً (في الماضي كانت المعامل بدائية وتتكون من العدة ((جوّم)) وتكون أدواتها بسيطة ويتم النسيج فيها وغالباً تكون قريبة من البيوت واصحابها يتوارثونها أباً عن جد فتراها اضافة الى محل يصنع العبي تكو ن دواوين وبرانيات توجد فيها كل متطلبات الصناعة من جلسة مريحة وشاي و قهوة و قد تكون ابعد من ذلك عندما يتبادلون احاديث ادبية ومطاردات شعرية)
هنا استوقفته لأسأله عن العباءة الصيفية فقد تركنا الحديث عنها فأجاب ((العباءة الصيفية النجفية لها سماتها ايضا في ارجاء المعمورة حيث ان جودتها بمدى رفعتها وقلة وزنها وانها من الصوف الخالص واسماؤها عندما تكون ألوان ((البشت)) واذا كانت سوداء ((خاجية)) والبشوت لها اسماء حسب الوانها فمنها الابيض و الاحمر غنم والنباتي و القهوائي و كما ان هناك اسماء اخرى ، وكذلك بالنسبة لخياطة العباءة هناك انو اع عديدة منها الكلبدون والفرنسي والياباني والعادي هنا توقف الحاج نوري الشكري عن الحديث فبادرته بالسؤال كيف ترى حال العباءة النجفية اليوم فقال ((ان دخول العباءة المستوردة وانواع الخيوط المختلفة اثر كثيرا على العباءة النجفية واليوم اصبحت العباءة النجفية نادرة وغالية الثمن كما ان المعامل جميعها او اغلبها توقفت نتيجة هذه الظروف)) بهذا شكرته مودعا على امل اللقاء به مرة اخرى.

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله