الذهب والمرأة .. ومتطلبات الحضارة

رملة الخزاعي

يعدُّ الذهب من المعادن الثمينة ويستعمل لغرض التزين، ويقبل الناس على شرائه كمهر للنساء او ما يسمى بـ (النيشان)، وفي غير هذا الغرض فهو مدعاة للتفاخر بالغنى بين الناس والوجاهة، انطلاقا من مقولة: (زينة وخزينة)، وهو عادة قديمة موروثة كانت ترى فيه منفعة، إلا ان تقلبات السوق وهبوط وصعود الأسعار وارتباطها بأجندات عالمية، أضاع كل هذا فضلا عن كونه نوع من الإكتناز الذي نبذه الأسلام وأكد على هذا النهج سيد الأوصياء حينما قال: (( فَوَ اللَّهِ ما كَنزْتُ منْ دُنْياكُمْ تبراً وَ لَا ادَّخرْتُ منْ غَنائمها وَفْراً))، كما رفضه الاقتصاديون لتجميده رأس المال دون منفعة..
للمرور على هذه الظاهرة واثرها في المجتمع استطلعنا عددا من الآراء لتبيان وجهة نظرهم حول الذهب كمعدن نادر وثمين وعلاقة الناس والمجتمع به:

آراء متعددة
في جولتنا للاطلاع على ابعاد هذا الموضوع التقينا بنساء ورجال لمعرفة آرائهم حول الإقبال على شراء الذهب: محمد فاضل (مدرّس) يقول: إن الذهب من المعادن الثمينة، سهلة التخزين، فهو لا يتلف بمرور الوقت وله ثمن وقيمة في كلِّ وقتٍ، يستطيع ان يقتنيه ميسوري الحال.
في حين يختلف معه الحاج ابو سجاد فصدر كلامه بالمقولة الآتية : يختبر الذهب بالنار وتختبر المرأة بالذهب، ثم قال: إذا اردت معرفة دين المرأة وخلقها سلط عليها الاصفر، كونه يسحر النساء، ثم قال: كانت النساء قديما تقتني الذهب لغرض التزيّن به في البيت، فحسب؛ وليس أمام الناس مراعاة لشعور البعض ممن لا يملك قوت يومه، وقد تغيّر الوضع اليوم فتوسع إطار ارتداء الذهب الى مكان العمل فتكون بمثابة العارضة أمام الأجانب، وهو أمر غير محمود بطبيعة ديننا ومجتمعنا، وذهب ابو سجاد إلى أن مَن يرى أن شراء الذهب كَثر في الوقت الحاضر إذا قورن بالسابق قد وَهِمَ فقد كانت النساء سابقا تقتنيه بكميات أكبر ولا تظهره الا وقت الحاجة.
الدكتورة زينة (أُستاذة جامعية): ترى أن الإقبال على شراء الذهب اليوم هو أكثر من السابق؛ بسبب تحسن الوضع الاقتصادي ، والذهب يضفي جمالا للمرأة، وكانت المرأة تتزين به منذ القدم، فأهميّة الذهب تنطلق من قيمته المادية، ولربما هو وسيلة للاطمئنان عند المرأة المتمكنة ماديا تحاول ان ترضي به احساسها هذا.
زينب الخاقاني (طالبة جامعية) تقول: الذهب لا يفقد قوّته مهما طال الزمن، وهذا سبب الإقبال، أما اذا قيل إنه أحدُ وسائل التجمل فهذا ليس سببا أساسيا، فإن السبب الأساسي يكمن في قيمته المالية وممكن للمرأة أن تتجمل بغيره كالمصوغات المقلدة (المصوغات البرازيلية) أو (المصوغات الفضية والكريستال) إلى غير ذلك، وتفكر بعض النساء أن الذهب سندٌ لها اذا ما تعرضت للظلم من أزواجهن، فيكون لها معينا اذا ما هجرت أو طلقت.
الحاجة أُم عبد: امرأة كبيرة في السن خبرتها السنون والأيام، كانت لنا وقفة عندها لمعرفة سبب إقبال المرأة على الذهب، قالت: إن النساء يعشقن الذهب بالإضافة الى كونه مالا يسدُّ متطلباتهن فيُعَدُّ زينةً للمرأة حتى أمهاتنا كانت تقول: ( الذهب زينة وخزينة فعليكن به).

العفاف زينة المرأة
العلوية أم سجاد: الاستاذة في الحوزة العلمية تقول: ان الذهب وبريقه من مغريات الحياة تظن بعض قصار النظر من النساء انه زينة لهن، بينما لا زينة للمرأة بقدر عفافها وطهرها وحسن خلقها بين أسرتها ومجتمعها، تنال به الحضوة والقبول والجاه، والا فما نفع الذهب حينما تفقد المرأة تلك القيم الفاضلة في مجتمعها، وللمرأة ان تتزين بما لا يضيق عليها حياتها وحياة زوجها وأطفالها، فتربية الأولاد بأحسن السبل والعلوم هو جاه ومنزلة رفيعة فضلا عن انه أقرب للتقوى، وعملا ننال به رضى الله تعالى.
العلوية أم حيدر: المنتسبة للعتبة العلوية المقدسة تطرقت الى مسألة الأمان من جراء اقتناء الذهب: قائلة : أجد من الغريب ان تعتبر بعض النساء اقتناء الذهب مدعاة للأمان والطمأنينة، وهل الأمان الا بالله تعالى، فمن يتمسك بتقوى الله ونهج محمد وآل بيته القويم يستغني عن كل سبب للأمان يدعون له، فبهذا النهج يتحقق الأمان وتسود السعادة، ونحن نشاهد في كل يوم تقلب الحياة، وكيف تصبح الاموال والكنوز أثرا بعد عين لمجرد حدث عابر، كما اني أجد ان التفاخر بغرض من أغراض الدنيا زائل أمام بعض الأخوات المتعففات وفي كل مكان أمر ينبي عن قسوة قلب ولا مبالاة وقد نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وعترتهم من الأئمة المعصومين عليهم السلام عن فعل هذا، بل ان الأمر بلغ في هذا المعنى في رمي بقايا الطعام التي لا يستطيع الجار تناولها أمام انظاره كيلا نبث في قلبه الحسرة والألم على الفاقه وعدم الاستطاعة.

الادخار خير من الاكتناز
الاستاذة رضاء الحكيم: أشارت الى مسألة اقتناء الذهب من منظور اقتصادي، قائلة: ان اكتناز الذهب والفضة على عظم الرغبة عند المرأة فيه يعد ظاهرة متخلفة من الناحية الاقتصادية فهو يؤدي الى إضعاف وعدم نمو الرأسمال القومي الذي يحدد حجم ومسار الاستثمار الوطني على عكس الإدخار، وهو ايداع الأموال بالمصارف والبنوك الوطنية مما يسهم في رفد وتعظيم حجم المدخر الوطني أي رأس المال الذي تقوم به الاستثمارات من صناعات ونشاطات اقتصادية تدفع بعجلة التنمية الى امام.

الذهب والصحة والصناعة
من الجدير بالذكر ونحن نضع الذهب المعدن النفيس محور حديثنا هنا أن نذكر ما سجله التاريخ في الحضارة المصرية والصينية القديمة حيث كانوا يستعلمون هذا المعدن لعلاج بعض الامراض، فاستعملوا الذهب النقي في كثير من التركيبات لمعالجة امراض القلب وداء المفاصل وذلك لقدرته على تنشيط الدورة الدموية ومحاربة الالتهابات، كذلك يدخل الذهب في الكثير من الصناعات بسبب صفاته الفلزية النادرة بعدم تآكله وتفاعله مع المحيط الخارجي، ولقدرته على التوصيل الكهربائي، مما يجعله عنصرا رئيسيا في الصناعات الإتصالاتية، المدنية والعسكرية، فلا يخلوا جهاز أو دائرة كهربائية منه، كالأجهزة الجوالة (الهاتف) والحاسبات الشخصية وأجهزة التلفاز وغيرها من الاستخدامات الضرورية للحياة.

نشرت في الولاية العدد 106

مقالات ذات صله