جنة البقيع

بدري البدري

مقبرة البقيع من المقابر القديمة والمعروفة في المدينة المنورة قبل الإسلام وبعده، إذ كان اليهود وغيرهم يدفنون موتاهم فيها قبل الإسلام، ومقبرة البقيع لها أسماء عديدة اهمها: بقيع الغرقد، والبقيع المكان المتسِعُ من الأرض ويُسمّى بقيعاً إذا كان فيه شجرٌ أو أصولُها كما يرى ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، والغرقد نوعٌ خاصٌ من الشجر كان يوجد في هذه المقبرة فقط.
وتسمى ايضا بقيع العمّات: وذلك لوجود قبور عمّات النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الشمال الغربي من المقبرة، وكان في هذه المقبرة جدار يفصل بين بقيع العمّات التي كان المسلمون يدفنون موتاهم فيه، وبين منطقة أخرى تسمى (حشّ كوكب) المقبرة التي كان اليهود ومَن غير المسلمين يدفنون موتاهم فيها، وفي زمن الحكم الأموي رفع هذا الجدار وأصبحت مقبرة واحدة، ثم اختصت المقبرة بالمسلمين بعد ذلك

يقع البقيع مقابل حرم ومسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) في القسم الشمالي من المدينة، في بداية مقبرة البقيع وبالتحديد في المكان الذي دفن فيه الأئمة الأطهار(عليهم السلام) وبنات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وزوجاته كانت هناك بيوت لعقيل بن أبي طالب وبقية أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله).
وقبل الدفن في البقيع كان الناس يدفنون موتاهم في بيوتهم، ولما توفي إبراهيم بن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمر(صلى الله عليه وآله) أن يدفن في البقيع مع عثمان بن مضعون، وبعد ذلك أخذ الناس يدفنون موتاهم في البقيع، وعثمان بن مضعون أول من دفن في البقيع من المسلمين بأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله).
ويُروى أنه لما توفيت فاطمة بنت أسد أمُّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) طلب عقيل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يدفنها في بيته فوافق النبيّ (صلى الله عليه وآله) على ذلك ولمَّا توفي العباس عمُّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) دفن في بيت عقيل أيضاً، وكذلك الأئمة الأطهار الأربعة (عليهم السلام) دفنوا في بيت عقيل وبُنِّيَّ على قبورهم قباب وحرم.
كان في البقيع أربع عشرة مقبرة مسقفة وعليها قباب وقد هدمت على أيدي جماعة منحرفة عن آيات الكتاب وسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) بدعوى انه بِدَعٌ في الدين سنة 1344 هـ.
ويُروى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان عندما يأتي البقيع يقف عند بيت عقيل ويدعو لأهل البقيع في الوقت الذي لم يدفن أحد في بيته، ثم صار ذلك المكان الذي وقف فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو مدفناً لأبنائه الأئمة الأربعة المعصومين (عليهم السلام) وعمِّه العباس وفاطمة بنت أسد وزوجاته وعماته.

فضائل البقيع
دفن في مقبرة البقيع الآلاف من كبار الصحابة والتابعين، وكثير من أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهمهم وأفضلهم الأئمة الأربعة الأطهار أبناء رسول الله، إذ كانت على قبورهم قِبابٌ ومنائرٌ مُشَخَصة، ومع الأسف هُدمت
ظلماً وتعدياً قبل أربعة وتسعين عاما، رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فضل مقبرة البقيع أنه قال: (يخرج يوم القيامة من هذه المقبرة نورٌ يضيء السموات والأرضين)، ورُوي أيضاً : أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقف على القبور في البقيع ويقول: (السلام عليكم يا أهل القبور من المؤمنين والمسلمين)، ورُوي عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج من البيت في الليل دائماً، فتصورت أنه يذهب إلى إحدى نسائه، وفي إحدى الليالي تبعته خفيةً فرأيته ذهب إلى زيارة البقيع، وعندما رآني قال: (إني مأمور من قبل الله عز وجل أن أستغفر لأهل البقيع) مضمون الحديث (تأريخ المدينة – 1/ 92)، ورُوي عن أمِّ قيس أنها قالت: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في زيارة قبور البقيع، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا أُمَّ قيس، سوف يبعث الله في يوم القيامة من هذه المقبرة سبعين ألف نفر يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم تشع مثل البدر) صحيح مسلم: 1/92 .

الذين دفنوا في جنة البقيع
دفن في مقبرة البقيع نحو عشرة آلاف من الصحابة وأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعدد كبير من التابعين وأتباعهم والكثير من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهم من دفن في البقيع أجساد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وهم:
1 ــ سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).
2 ــ الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام).
3 ــ الإمام محمد الباقر (عليه السلام).
4 ــ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
وأيضا دفن في جنة البقيع فاطمة بنت أسد أمُّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، والعباس بن عبد المطلب (عمِّ الرسول صلى الله عليه وآله)، وهذه القبور الستة تقع في دائرة واحدة ، في الجهة اليمنى عندما تدخل البقيع، وبالقرب من قبور أئمة البقيع (عليهم السلام) قبور بنات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وزوجاته، ودفن هؤلاء في دار عقيل بن أبي طالب وكذلك دفن فيها زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وعقيل أيضاً دفن في داره، وبنات النبيّ هُنَّ رقية وأم كلثوم وزينب، وزوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله)، أُمُّ سلمة ، وأمُّ حبيبة، وعائشة، وسودة، وجويرية، وحفصة، وصفية، وزينب، تقع في مكان واحد ، بالقرب من قبور عمّات النبيّ (صلى الله عليه وآله)، حيث كان هذا المكان في السابق دار عقيل بن أبي طالب الذي دفن فيه، وأما خديجة أولى نساء المصطفى (صلى الله عليه وآله) وأقدمهن إسلاماً وإيماناً وإيثاراً له بمالها ونفسها فقد توفيت في مكة ودفنت في مقبرة المعلّى في الحجون.
وفي أرض البقيع دُفنت عمات النبيّ (صلى الله عليه وآله) صفية وعاتكة وأُمُّ البنين فاطمة بنت حزام (زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتقع قبورهن في مكان واحد ، في الجهة اليسرى عندما تدخل البقيع.
وفي البقيع أيضاً قبورٌ أخرى، إضافة إلى قبر عقيل الذي دفن في داره، ففيه قبر عبد الله بن جعفر الطيّار(دُفن في دار عمِّه عقيل أيضاً)، ومحمد بن زيد بن علي حفيد الإمام السجاّد (عليهما السلام)، ومالك بن أنس (تلميذ الإمام الصادق عليه السلام وإمام المالكية)،وقبر نافع الفقيه الذي دفن هو ومالك بن أنس في بقعة واحدة، وسفيان بن الحارث (من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله)، دفن في دار عقيل.
وأول من دُفن في أرض البقيع من المهاجرين المسلمين الصحابيُّ الجليل عثمان بن مضعون، وقبره بالقرب من قبر إبراهيم ابن النبيّ (صلى الله عليه وآله).
وفي المقبرة أيضاً جثامين شهداء أحد الذين جرحوا في المعركة ونقلوا إلى المدينة ثمَّ دفنوا في البقيع، وقبور شهداء الحرَّة الذين استشهدوا سنة 63 من الهجرة عندما هجم مسلم بن عقبة بأمر من يزيد بن معاوية على المدينة المنورة وقتل حوالي سبعة آلاف نفر من أهلها وانتهك حرمة النساء واحرق الحرث والنسل بأمر من يزيد الأموي.
وفي المقبرة أيضاً قبر حليمة السعدية مرضعة الرسول(صلى الله عليه وآله) وقبر أسعد بن زرارة أول من دفن في البقيع من الأنصار، وعبد الله بن مسعود: الصحابي الجليل الفقيه وقارئ القرآن، دفن بالقرب من قبر عثمان بن مضعون، وفيه دُفن أيضاً الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري، وأما عثمان بن عفان: فقد دُفن في القسم الثاني من البقيع، ويقع وسط المقبرة، حيث كان هناك جدار يدفن اليهود موتاهم عنده، وبعد ذلك رفع الجدار وأصبحت مقبرة واحدة.
وفي البقيع أيضاً قبر إسماعيل بن جعفر الصادق(عليه السلام): كان قبره سابقاً خارج البقيع، وأخيراً فتحوا قبره وضموه إلى البقيع، لأن جسده كان سالماً ولم يتأثر بشيء وقبره بالقرب من قبور شهداء الحرَّة.
ولمّا توفي إبراهيم ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان عمره حوالي سنة وأربعة أشهر، دُفن بالقرب من قبر عثمان بن مضعون، ورُوي أنه لمّا دفنه رسول الله(صلى الله عليه وآله) رشّ على قبره الماء، وكان أول قبر يُرَشُ عليه الماء، ومن الذين دُفنوا في بقعة إبراهيم بن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أسعد بن زرارة وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم.
ودُفن في البقيع أيضاً السيد علي بن جعفر العريضي بن الإمام الصادق(عليه السلام) وأخو الإمام الكاظم(عليه السلام) وهو من العلماء الكبار والسادة الأجلاء، كان قبره خارج البقيع في منطقة كانت زراعية تسمى(العريض) تقع على شارع المطار، وفي سنة 1423هـ وبعد خراب قبره حفروا القبر الشريف فوجدوا جسد ابن الإمام سالماً لم يتأثر على مدى القرون المتطاولة وكأنه قد دُفن تواً، فأخرجوه وحملوه إلى البقيع ودُفن بالقرب من الجوار المطل على قبور الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، وفي جنة البقيع دُفن آلاف من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته من العلماء والصُلحاء، منهم، سعد بن معاذ وجابر بن عبد الله الأنصاري والمقداد بن الأسود وخالد بن سعيد وزيد بن حارثة وأبو دجانة وسعد بن عبادة الخزرجي وابنه قيس بن سعد، وفي البقيع قبور سكينة وفاطمة (بنتا الإمام الحسين عليه السلام) وأبناء الإمام السجاد والباقر (عليهما السلام) وأمُّ الإمام السجاد (عليهما السلام).

نشرت في الولاية العدد 107

مقالات ذات صله