الزَواجُ منهاج وحقوق وواجبات

مرتضى علي الحلي

إنَّ الزواجَ هو مِنهاجٌ مُؤسَّسٌ له في منظومةِ الإسلامِ, حُقوقاً وواجباتٍ, فالشريعةُ الإسلاميةُ في صراطها القيمي, قد بيّنتْ مَفهوماً وأثراً, كُلَّ حقٍّ وواجبٍ للزوجين مَعاً, بحيث يتجلى الربطُ التطبيقي بين مفهومي الحقِّ والواجبِ تأسيساً, فمالم يُطبّق الواجبُ لا نرى للحقِّ أثرا, وكذا مالم يُمنَح الحقُّ إلى صاحبه لا يُطبّق الواجبُ فِعلاً..

وتتَمثّلُ حقوقُ الزوجِ في واجباتٍ اُنيطَتْ شرعاً بالزوجةِ, وأهمها:
1 – طاعة الزوج واستجابتها إلى رغباته المشروعةِ وتجنبُ ما حُرّمَ عليها كالنشوزِ والخروجِ بغير إذن الزوج أو الخيانة (لا سَمَحَ اللهُ) وغيرها, وقد تعَرَّضَتْ الرواياتُ إلى لائحةٍ من الحقوق الممنوحةِ إلى الزوجِ ومنها:
(عن أبي جعفر الإمام الباقر, عليه السلام, قال: جاءتْ امرأةٌ إلى النبي, صلى الله عليه وآله, فقالتْ: يا رسولَ اللهِ ماحقُّ الزوجِ على المرأةِ؟ فقال لها: أنْ تطيعه ولا تعصيه ولا تَصدّق مِن بيته إلاَّ بإذنه ولا تصومُ تطوعاً إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وإنْ كانتْ على ظهرِ قتبٍ (ما يوضعُ على سنامِ البعير) ولا تخرجُ من بيتها إلاّ بإذنه وإنْ خرَجَتْ مِن بيتها بغير إذنه, لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض و ملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها فقالتْ: يا رسولَ اللهِ مَنْ أعظمِ الناسِ حقاً على الرجل؟ قال: والده, فقالتْ: يا رسولَ اللهِ مَنْ أعظم الناسِ حقاً على المرأة؟ قال: زوجها):الكافي,الكليني,ج5,ص507.
2 – حُسنِ تَبَعلِ الزوجةِ لزوجها, وهو ما يُعبّر عنه حديثاً بفن وثقافة التعايشِ الصالحِ والناضج ِوالهادفِ مع زوجها, وهو ما التَفَتَ إليه مِنهاجُ المعصومين, عليهم السلام, (إذ روي عن النبي صلى الله عليه وآله, أنه قال: جهادُ المرأةِ حُسنِ التبعل):أحكامُ النساء, الشيخ المفيد,ص39.
بمعنى أنَّ الزوجة إنما مطلوبٌ منها بذلَ الوسعِ والجهد في سبيل زوجها ذلك بحُسنِ تعايشها معه تلطفاً وتحننا وحبّا وسلوكا, وتدبيراً وتربيةً لأولاده, ومراعاةً لوضعه المالي وعدم إحراجه في طلبِ الكمالياتِ مِنْ الأشياءِ.
وربما ينفتحُ معنى حُسن تبعل الزوجةِ على أهميّة الاهتمام بنفسها وتزيّنها وتبرجها لزوجها, جذباً منها إليه وشدّاً له إليها نفسيا وسلوكيا, ورفعاً للتعلق وتوطيداً لقيمته, كلُ ذلك إذا ما توفّر في الزوجة تطبيقا, فإنَّ زوجها سيزدادُ حبّا لها وتوددا, وبهذا تستقيم سُبلُ العيشِ بينهما حياتيا.
3 – إحصانُ الزوجةِ, نفسها وشرفها وسمعتها وتجنبها كلَّ أشكال التبرجِ, خارج بيتِ الزوجية وحفظِ حجابها, إذ بخلافِ ذلك تُعدمُ الثقةُ بها, وتصبحُ حياتها عرضةً للانهيارِ, لاسيما عند الزوجِ الصالحِ.
قال تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(25,النساء.
وتتجلى حقوقُ الزوجةِ على زوجها والتي هي واجباتٌ عليه شرعاً ومنها:
1 – وجوبُ الإنفاقِ عليها, وهذا الحقُّ هو واجبٌ على الزوجِ في صورةِ عملِ الزوجةِ بوظيفتها الشرعيةِ تجاهه, مِن تمكينه مِن نفسها, متى شاءَ وعدمِ منعها إياه مِن مقاربتها إلاّ لعذرٍ شرعي, فإذا قامتْ الزوجةُ بوظيفتها استحقتْ النفقةَ شرعاً, من توفيرِ الطعامِ والمَلبسِ والمَسكنِ وكلِّ ما تحتاجه حياتياً, وهذا الواجبُ الذي بذمة الزوجِ تجاه زوجته, هو مرهونٌ في فعليته وتطبيقه شرعاً بعدمِ نشوزها عليه عملياً, ونفقةُ الزوجِ على زوجته المُطيعة له هو حقٌ مَحفوظُ لها شرعاً حتى ولو كانتْ ثريّةً.
2 – حُسنِ تبعلِ الزَوجِ لزوجته, وهذا الحقُّ يتجلى في صورةِ مقاربةِ الزوجةِ فعلاً وعدم هجرها إلاّ لضرورةِ الإصلاح, فضلاً عن حرمةِ ضربِ الزوجِ لزوجته كيفما شاءَ ومتى ما أرادَ, في وقتٍ جَعلتْ الشريعةُ ضربَ الزوجةِ خياراً شرعياً أخيرا وفي حالاتٍ ومواردٍ محدودةٍ, وممكنُ أنْ يبسطَ مَفهومُ حُسنِ تبعل الزوج لزوجته مِصداقاً على الرفقِ بها لفظياً وسلوكياً وعاطفياً, وينبغي بالزوجِ أنْ يتجنبَ عرض رجولته على زوجته الضعيفة.
وعليه أنْ يتعاملَ معها بلينٍ ويُسرٍ, ( روى سماعةُ عن أبي عبد الله, الإمام الصادق, عليه السلام, أنه قال: اتقوا اللهَ في الضعيفين – يعني بذلك اليتيم والنساء): مَنْ لا يحضره الفقيه, الصدوق,ج3,ص392.
3 – وقاية الزوجة من نار الغزو الفكري والثقافي الحديث, وهذا الحقُّ قد نَدبَ وأرشدَ إليه القرآنُ الكريمُ نصّا.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }, 6, التحريم. ومِنِ الأهلِ الزوجةُ خاصةً, وبحكمِ هذا الإرشادِ القرآني يجبُ على الزوجِ عقلا أنْ يُحصّنَ زوجته بالأدبِ والأخلاقِ والعلمِ والدينِ, ويحملها على طاعة الله تعالى في تكاليفها ووظيفتها أسريا ومجتمعيا, وإرشادَ الزوجةِ إلى الامتناعِ عن مخالطةِ النساءِ المُريبات, وتجنبَ متابعة ما يُعرضُ في وسائلِ العرضِ الحديثة مِن مُسلسلاتٍ خليعةٍ وفاضحةٍ ومنحرفةٍ قيمياً وأخلاقياً.
وإذا ما راعى كل من الزوج والزوجة هذه الحقوق ستكون الحياة أمامهم زاهرة وسعيدة.

نشرت في الولاية العدد 107

مقالات ذات صله