رجال مهنيون.. من سيرتهم عبرة

ارشد رؤوف قسام

استمراراً لموضوعنا (رجال مهنيون) نتواصل بالبحث عن اولئك الذين قدموا عطاءً لهذه المدينة المقدسة فصار حرياً بنا ان ندون عنهم لنكشف تلك الروح الوثابة في تلك النفوس المعطاء من ابناء هذه المدينة لنستمد من سيرتهم عبرة..
تميزت النجف الاشرف بواقعها الصناعي والحرفي.. فشهد لها بذلك القاصي والداني حتى غدت محطة وواحة لكل من ينشد الفن والسلامة.. واليوم نتكلم عن شخصية نجفية قدمت وعلى مدى خمسة وعشرين عاما من الجهد المهني في ميدان العمل الصناعي، هو الميكانيكي المعروف (فاضل الحاج ناجي جبر) والمعروف في الوسط المهني بـ( فاضل كمون)،
بدأ (فاضــــــــــــل) حياتــــــــــــه المهنية في منطقة (الجبـــــــــل) المعروفـــــــــة في النجف، وعنـــــــــد الميكانيكي(الاسطة) رســـــــــــــول تقي مع (الخلفة) شاكر دوش، واردف الميكانيكي فاضل كمون قائلاً: تعلمت المهنة جيداً، ثم انتقلت أنا وشاكر دوش الى ورشة اخرى، ومن ثم انتقلت الى الوظيفة الحكومية عندما اعلنت مصلحة نقل الركاب عن حاجتها الى ميكانيكي محركات ديزل فتعينت في الورشة الميكانيكية وعلى ملاك مصلحة نقل الركاب، فمارست العمل منذ البداية مع الميكانيكي المحترف(الفيتر) شاكر الفحام و(الفيتر) باقر الفحام و هم من أبرع الميكانيكيين في النجف وقد تعلمت منهم الشئ الكثير و بعد مضي فترة من الزمن أرسلت في بعثة فنية خارج القطر في هنكاريا وكانت تخص ورشة مكائن (هيكاروس) المجرية الصنع في بلد المنشأ هنكاريا فاجتزت الدورة بنجاح حيث استفدت منها كثيراً خصوصاً من حيث المزاوجة بين الخبرة العملية والنظرية، فنحن في النجف كنا نختص في ذات المحرك وتترك اختصاص التفرعات الى مهن أخرى مثل الحداد والكهربائي وغيرهم ولكن في الدورة الفنية تعلمت ان اجمع بين اختصاصي المحرك منفردا وميكانيكية التفرعات مثل حدادية الاكسل والكير (مغير السرع) وكنت أنا مع زملائي في الدورة مواظبين على التعلم لاكبر قدر ممكن من المعرفة في اختصاصنا لننقل اخلاق وطننا ومدينتنا حيث كان ذلك محط اعجاب الكثير وقد أنبهر بنا المدربون الاجانب والمترجمون في الدورة اضافة الى اعجابهم بقدراتنا الفنية إذ كنا نقدم لهم افكارا وملاحظات غالبا ما ينصتوا لها حيث قال لي احدهم انكم تمتلكون معلومات عن هذه المكائن بقدر ما نملكه نحن أهل البلد المصنع . وعلى كل حال انتهت الدورة ومنحنا شهادة خبرة بدرجة جيدة ثم عدنا بمعلومات اوسع وقد وظفناها في خدمة العمل فكانت الباصات من ناحية الصيانة الميكانيكية جيدة جداً في مدينة النجف الاشرف، وكنت دائماً أتردد على الورش الخاصة (لأسطوات) النجف الاشرف حيث كنت اذهب الى ورشة الخراطة الخاصة بـ (الأسطة) جاسم الكرماني الذي كان ماهراً وذكياً في مهنته وعندما اعرض عليه مشكلة معينة كان غالباً ما يرشدني لما هو صحيح ودون مقابل وفائدة مرجوه له وبالعكس كان يساعدني كثيراً في تجاوز مرحلة الخراطة التي يمكن ان يستفيد هو منها كأجور إذا ما شجع على ذلك لكن كان (الاسطة) جاسم الكرماني عنده الأمانة والإخلاص وفائدة ونجاح سمعة مدينته الفنية والميكانيكية هي بالمرتبة الاولى وكذلك ورشة عبد الزهرة والحاج مهدي قسّام وكذلك ورشة عباس حميدة وورشة سيد شهيد الحمامي وولده سيد رزاق الحمامي وكثير من الاسماء اللامعة في سماء النجف الاشرف .
واتذكر في يوم من الايام أرسلت في مفرزة تصليح باص لمصلحة نقل الركاب كان ذاهباً الى كربلاء وبعد خان النص اصابه عطل في المحرك فذهبنا على الفور الى مكان الباص ومعي مفرزة كاملة من معدات التصليح واصلحت الباص في غضون ساعة وكان هذا العمل يحتاج يومين لإنجاز مثل هذا العمل، وحصلت على كتاب شكر وتقدير لهذا الجهد ولكن بعدها حصلت لي مضايقات كثيرة جداً من قبل المسؤول الامني في المصلحة وقد اعتقلت في مديرية الامن بسبب اعدام اخي المرحوم (حسين گمون) بتهمة انتمائه الى حزب الدعوة واستمرت المضايقات والمطاردات لي بالرغم من انني لم اقصر في عملي وكنت مخلصاً لمدينتي واهلها باعتبار ان باصات المصلحة كانت تقدم خدماتها لابناء مدينة النجف الاشرف الى أن جاء يوم من الايام وارسل عليًّ مدير مصلحة نقل الركاب واخبرني بان هناك امر بنقلي الى وظيفة اخرى خارج مدينة النجف الاشرف فقلت له اذا عندي رجاء عندكم روج لي معاملة تقاعدي حتى استراح من هذا العمل فكان لي ما أريد، وعندها اكملت (27سنة ) خدمة فعلية كميكانيكي محركات وكنت اتذكر من السواق الجيدين في مصلحة نقل الركاب والذين خدموا المدينة في مجال عملهم مثل (سالم بعيوي ابو صيبع و نوري سعيد والحاج بشير ومحمد علي جدي ويحيى اللامي ) وغيرهم من العاملين في المصلحة و الذين قدموا خدمات جليلة، ولا يفوتني ان اذكر موقع مصلحة نقل الركاب كورشة ميكانيكية وادارة كان في موقع كراج الداخل قرب مجسرات ثورة العشرين حالياً ولا يمكن نسيان ذلك الموقع لما يحمله من ذكريات جميلة خصوصا كان العمل فيه أخلاص لمدينة النجف ورمزها المشرق دائماً امير المؤمنين عليه بن ابي طالب (عليه السلام) الذي نتوق يحشرنا الله واياكم معه يوم القيامة انه سميع مجيب.

نشرت في الولاية العدد 108

مقالات ذات صله