تساؤلات حول الثورة الحسينية..

حسن عطا الله الخلخالي

السؤال: اذا كان الامام الحسين (عليه السلام) يعلم باستشهاده فلماذا يخاطب القوم يوم عاشوراء (دعوني انصرف عنكم الى مأمني في الارض) ؟
الجواب: من الخطأ قراءة النصوص الصادرة عن الامام الحسين (عليه السلام) بصورة مُجتَزَأة، فهناك نصوص صدرت عنه (عليه السلام) يُبيّن فيها أنّه مقتولٌ لا محالة، فقد قال (عليه السلام): (خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه، فكأنَّي بأوصالي تُقطّعُها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشاً جوفا وأجربةً سُغبا، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم) وقال (عليه السلام) (فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما)(تحف العقول: 246).
هكذا اعلن الحسين (عليه السلام) ثورته المدوّية صراحةً في اجواء العالم من دون لف أو دوران، يسمعها ليس فقط أولئك الذين عاصروه وعاشوا أيامه، بل كل من كانت له أذن واعية في كل زمان ومكان، فهو لا يرى للحياة ثمناً وهو ينظر الى الظالمين المستبدين يتولون امر المسلمين ويتلاعبون بمقدراتهم.
بل على العكس من ذلك كله، كان يرى القتل والموت في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي سبيل اقامة احكام الله ونبذ احكام الكفر والطاغوت احلى من الشَهَد، وخير من الحياة التي يحياها المؤمن ذليلاً.
أما ما طرحه (عليه السلام) من خيار الانسحاب بقوله: (دعوني انصرف عنكم الى مأمني من الارض) فهو من باب القاء الحجة على اتباع يزيد، وليوضح للعالم أن يزيد يريد قتله مهما كلف الثمن، ولا يدعه على وجه الارض، إذ يرى أن وجوده(عليه السلام) يشكل خطرا كبيرا على سلطانه، فكان لابد له من التخلص منه (عليه السلام) بأي وسيلة من الوسائل، وحتى لو أن الامام الحسين (عليه السلام) بايع يزيد، لا يؤمن على نفسه من القتل، فيقتله يزيد كما قتل معاوية الامام الحسن (عليه السلام) غيلة.
السؤال: الشيعة هم الذين قتلوا الامام الحسين(ع)؟
الجواب: مصطلح الشيعة يطلق على اتباع الامام علي وأهل بيته (عليهم السلام)، والذين قاتلوا الامام الحسين (عليه السلام) اربعة طوائف كلهم من شيعة ال ابي سفيان كما وصفهم بذلك الامام الحسين(عليه السلام).
1- الخوارج: الذين كانوا يعتقدون خطأ الامام الحسين (عليه السلام) في خروجه وثورته، أمثال عمرو بن الحجاج وغيره.
2- المغرورون في الدنيا وطُلّاب الجاه والمنصب أمثال عمر بن سعد وغيره.
3- اعداء الامام الحسين(عليه السلام) والمنتقمين منه، أمثال منقذ العبدي وشمر بن ذي الجوشن.
4- الخائفون من ابن زياد وبطشه، أمثال الحصين ابن النمير وغيره .
وهؤلاء لا يمكن ان يطلق عليهم شيعة الامام الحسين (عليه السلام)، فالشيعة هم الموالون لإمامهم، والمنقادون لأمره، والسائرون تحت رايته.
السؤال: لماذا اصطحب الامام الحسين (عليه السلام) معه النساء والاطفال؟ ألم يكن الافضل تركهن في المدينة ؟
الجواب: 1 – خروج الحسين (عليه السلام) بعائلته كان استجابة للمشيئة الإلهية أولاً، فقد قال (عليه السلام) لاخيه محمد بن الحنفية (شاء الله أن يراني قتيلا وأن يراهُنَّ سبايا)(الأخلاق الحسينية: 43) ومن جانب آخر لبلورة الرأي العام بإيضاح المقاصد الرفيعة التي ثار من أجلها، فقد ادرك الامام الحسين (عليه السلام) أن الرسالة الاسلامية لا يمكن ان تنتصر إلا بفخامة ما يقدمه من التضحيات، لذلك قدّم أبناءه وأهل بيته وأصحابه، وهذه أعظم تضحية لم يقدمها أيّ مصلح اجتماعي على وجه الأرض.
2- ليمارسن دورهن في اكمال مشروع الاصلاح الحسيني، وبالفعل كان لخطاباتهنّ في الكوفة والشام أبلغ الاثر في فضح جرائم النظام الاموي، وبيان دوافع وأهداف النهضة الحسينية.
3- نقل احداث كربلاء كما هي وتضييع فرصة تحريفها وطمسها وتغييب معالمها المشرقة من قبل النظام الاموي، فلو خرج الامام الحسين(عليه السلام) هو ومن معه من الرجال من دون ان يصطحب نساءه واهل بيته فيقتلوا جميعا، ويكون مصدر المعرفة لأحداث النهضة الحسينية هو الجهاز الاموي وحده، وبطبيعة الحال يعمل الامويون على أخفاء الاحداث وطمس كل خبر يرون فيه ما يوهن سلطانهم، واختلاق الاخبار بما يناسب مصالحهم وسياستهم .
4- الخوف عليهن من أن يقعن فريسة بيد الجهاز الاموي وجعلهن وسيلة لمساومة الامام الحسين(عليه السلام)، مقابل اخذ البيعة ليزيد.
5- إظهار بشاعة الامويين، وحقدهم على عترة نبيهم وسبيهم لذريته، وهذا من شأنهِ تأجيج الرأي العام ضد يزيد وأتباعه.
السؤال: يذهب بعض الكُتّاب الى أن الامام الحسين(عليه السلام) لم يخطط لثورة لها دوافعها وأهدافها ومعالمها، بل كان يتخذ القرارات تبعاً لمستجدات الظروف كما فعل في استجابتهِ لأهل الكوفة عندما كاتبوه؟
الجواب: النصوص الصادرة عن الامام الحسين (عليه السلام) تُبَيّن بوضوح سبب خروجه واهداف ثورته، فيقول (عليه السلام): (ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه… فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما) وقال(عليه السلام): (إني لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أُمّة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فإذا كان خروج الامام الحسين(عليه السلام) من مكة تلبيةً لدعوات أهل الكوفة، ومن دون تخطيط للثورة، فلماذا يكتب من مكة الى رؤساء الاخماس في البصرة يزيد بن مسعود النهشلي والاحنف بن قيس والمنذر بن الجارود وغيرهم؟
وإذا كان الامر كذلك فلماذا لم يرجع الامام الحسين(عليه السلام) عن الكوفة حينما بَلَغَه مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) حين تيقن من تخاذل أهل الكوفة وعدم وفائهم له، وبخاصة أنه لم يلتقِ بعد بجيش الحر؟
إذاً كان الامام الحسين (عليه السلام) يفكّر في قيادة ثورة عظيمة تعيد للاسلام مكانته المرموقة، وتحافظ على الرسالة الاسلامية بعدما أوشكت على الاندراس، فهذا الامام زين العابدين(عليه السلام) يرتقي منبر مركز الخلافة ولا ينزل إلا بفضيحة آل ابي سفيان فيثير الناس ضدهم، وقد بقي أهل الشام سنين طوال يرددون قصة قتل الامام الحسين(عليه السلام) وأولاده، حتي مُحِيَ كثير مما كان يصبو اليه معاوية ويزيد في نشاطهم الاعلامي، فلم يستطيعوا بعدها بكل ما أوتوا من قوة أن يقلبوا الحقائق ويزوروا التاريخ.

نشرت في الولاية العدد 109

مقالات ذات صله