اسرار نجاح عمالقة التقنية

حيدر محمد الكعبي

الحاسوب.. الاي فون.. مايكروسوفت.. غوغل.. الرسوم ثلاثية الابعاد.. وكثير من هذه التقنيات التي احدثت ثورة في حياة البشر وصارت جزء من حياتهم.
ستيفن جوبز.. بيل غيتس.. اد كاتمول.. سيرغي براين.. لاري بيج.. واخرون انتجوا هذه الابداعات التقنية، فما السر الذي جعل هؤلاء يتميزون بتقديم هذه الانجازات الرائعة؟
تعالوا معنا لنتعرف على القواسم المشتركة التي تشكل اساس نجاح هؤلاء في عالم الابداع التقني.

لا ألقاب.. الابداع هو المهم
عند دراسة حياة كل واحد من هؤلاء المبدعين في مجال تخصصهم، نجد انهم كانوا اذكياء وسريعي البديهة وانهم كانوا متفوقين على اقرانهم في مجالات الدراسة والتحصيل العلمي وعلى الرغم من أن ذلك أهلهم لأن ينخرطوا في كبريات الجامعات للحصول على الالقاب العلمية الا ان اهتماماتم لم تكن مقتصرة اطلاقا على تحصيل الشهادات العليا وحصد الالقاب وانما كانت اهتماماتهم منصبة على استثمار ما لديهم من ذكاء لصناعة امور تغير حياتهم وحياة من حولهم.
افضل مثال على ذلك موقف كل من سيرغي براين ولاري بيج الصديقين اللذين اخترعا محرك البحث في الانترنت (غوغل) الذيبات يمثل مصدرا اساسيا من مصادر المعرفة والتواصل البشري.
كان سيرغي ولاري يدرسان في قسم علوم الحاسوب لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة ستانفورد وكان البدء بمشروعهم (غوغل) يتطلب التفرغ له وتنميته، وانطلاقا من ايمانهم باهمية ما يقومان به تركا مواصلة الدراسة في الجامعة العريقة ليتفرغا لصناع تحتاج اليها الجامعة غيرها لتطوير مهارة العاملين فيها.
ولو كان اهتمام براين وبيج بالالقاب العلمية حسب لما كان يمكن ان يتطور هذا الانجاز العظيم الذي اختصر في مجال تنظيم معلومات العالم ما كان الخبراء يقدرون الوصول اليه خلال ثلاثمائة سنة.
فهل يمكن ان يكون اللقب العلمي المجرد مقياسا لنجاح الانسان في حياته؟ الجواب لا على الاطلاق فكثيرون من الذين نال الشهادات العليا والالقاب العلمية لم يكونوا سوى ارقاما تقيد في سجلات الوظائف أما الفارق فربما يصنعه من لا لقب علمي له.

لا محسوبيات.. كفاءات فقط
ابتدأت شركة غوغل بثلاثة اشخاص فقط لمدة طويلة، والسبب في ذلك – بحسب تصريح تيري ونغراد ثالث العاملين في شركة غوغل- هو اهتمام هذه الشركة بالكفاءة العالية والشخصية المناسبة للعمل من اجل انجاح المشروع الصاعد.
واستمرت شركة غوغل على هذا المنوال اذ كان مؤسسوها يبحثون في صفات العاملين معهم ليختاروا من له روح المبادرة في مجال اختصاصه، على الرغم من ان الشركة تتلقى أكثر من مليون طلب توظيف سنويا، اذ تجري الشركة لطالب التوظيف اكثر من عشرة اختبارات للحصول على الوظيفة فيها، وبهذه الطريقة تم جمع طاقم عمل من افضل واذكى الاشخاص.
وكان ستيفن جوبز مؤسس شركة آبل للتقنيات ينتهج الطريقة ذاتها حتى انه كان لا يتهاون في استبعاد الاشخاص غير الكفوئين من العمل معه مهما كانت صلتهم به حتى انه لم يتردد بطرد احد اقرب اصدقائه العاملين معه في الشركة بعد ان وجد فعلا انه لا يمثل عنصرا فاعلا في مجال اختصاصه.
وكان جوبز يقول: يتعين عليك العثور على اشخاص غير عاديين حتى يتسنى لك انجاز اعمال جيدة لا يمكن لشخص واحد انجازها.
وفي صفات العامل الناجح يصرح جوبز: ان اسوء صفة اجدها في مرشح العمل عندي هي ان يوافقني على ما اقول ويذعن لي، فالعامل لا بد من ان يعمل باقتناع راسخ وايمان بما يفعله.
ويقول: اهم صفات المتقدم للعمل في الشركة هو الذكاء والقدرة على التعلم بسرعة، كما ان معظمها يرتبط بالاقدام والحماس والاجتهاد في العمل الذي يعو عن امور كثيرة.
هذا يعني ان المحسوبيات لا مكان لها في قائمة اعمال الناجحين وانما الكفاءة والاخلاص هو احد اهم الاسرار التي تقف وراء نجاح مشاريعهم وانتقالها للعالمية.

الاهتمام بالجمهور.. التسويق
البضاعة اذا لم يكن لها مشترون فانها تموت في مهدها.. معادلة بديهية اهتم بها عمالقة التقنية على اختلاف اختصاصاتهم، فقد كان كل منهم يهتم بالجانب التسويقي تماما كما يهتم بالجانب التقني المبدع.
وقد عرف في هذا المجال اهتمام كبرى شركات التقنية بشخصية المسؤول عن التسويق لمنتجاتها، فيقع الاختيار على الشخص الخبير ذي التجربة والنشاط وتبذل اموالا طائلة على الاعلانات والتسويق جنبا الى جنب مع هدف تقديم الفائدة العامة التي تصل الى كل احد من خلال تلك التقنيات.
ولقد كانت شركة مايكروسوف وآبل من رواد هذه الخطوة، فعلى الرغم من ان جهاز الحاسوب (الكومبيوتر) كان حكرا على الشركات الكبيرة والعلماء الباحثين حسب، حرصت هاتان الشركتان على ان يكون هذا الجهاز بين يدي جميع الناس وهي اهداف تمزج بين جني الارباح والاهداف الاخلاقية التي تمثل الاهتمام بحاجة اوسع طيف من المجتمع.

الثقة بالنفس.. عكس التيار
تمتع عمالقة التقنية جميعهم بخصلة مشتركة اخرى هي صفة الابداع والتجديد والاصرار على تحقيق المشاريع التي يرونها مناسبة حتى لو وجدوا معارضة وعدم تشجيع من محيطهم الاجتماعي
ولا مثال ادل على ذلك مثل ما واجهه بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت الشهيرة فقد آمن غيتس منذ شبابه بان هذه التقنيات سوف تكون حاكمة على حياة الناس في وقت كانت تقنية المعلومات فيه محصورة بيد العلماء ومحاطة بابحاث سرية حتى ان والده المحامي الشهير كان لا يقبل فكرة ان يضيع ولده وقته ومستقبله على تطوير تقنية ليست مضمونة النتائج وكان يصر على ان ينخرط ولده في جامعة هارفرد العريقة لينال شهادة عالية في المحاماة ولكن بيل غيتس لم يتخل عن حلمه وكان واثقا من تحقيقه وكان يتحين الفرصة تلو الاخرى ليشق طريق الابداع الذي غير وجه العالم.
هذا يعني ان من اهم اسرار نجاح هؤلاء ابتعادهم عن الكلاسيكية وان روح التجديد نشطة فيهم فكأننا لا نجد في قاموسهم عبارة (مستحيل ان انجز هذا).
الاهتمام بالعاملين.. عمل وترفيه
يمتلك عمالقة التقنية عقلية فذة في ادارة اعمالهم الى جانب ابداعهم التقني، ومما يميز ادارتهم الناجحة لموظفيهم انهم يجعلون العاملين يعشقون العمل في شركاتهم ومن امثلة ذلك ان شركة غوغل تعطي نسبة 20 % من وقت الموظف ليمارس اهتماماته الشخصية اذ يستطيع خلال هذه المدة ان يفعل في الشركة ما يحب.
وفي شركة بيكسار كبرى شركات الانتاج الفني التي امتازت في مجال الرسوم ثلاثية الابعاد، حول العاملون شركتهم الواسعة الى مدينة العاب يعيشون فيها بين الالعاب ويمارسون الرياضة اثناء اوقات العمل.
انمن اثار هذا الاسلوب المبتكر انه يجعل العاملين يحرصون على الاخلاص لهذه الشركة ويندفعون لتطوير اعمالها لانهم يرونها بيتهم الكبير الذي يجدون فيه ما ينمي ابداعاتهم ويوفر لهم حياة مختلفة بعيدة عن حياة الوظائف المملة الامر الذي ينعكس بالضرورة على طبية الانتاج المتصاعد.

التفاني في العمل.. الاخلاص
جون لاسيتر احد اقطاب شركة بيكسار كان يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل ويتقاسم مع زملائه في العمل جهاز حاسوب واحد لصناعة افلام ثلاثية الابعاد حتى انه كان ينام تحت مكتب عمله ثم يستيقظ ليتابع عمله باستمرار.
كما ان شركة بكسار بالذات بعد ان حققت نجاحها واجهت ما يعرف باعراض النجاح الاول وهو التحدي التالي الذي يشتمل على مجازفة انتاج جديد يواصل نجاح الشركة ويحقق جمهورا اكبر وفي العديد من الشركات كان فشرها في الخطوة الثانية من الانتاج لكن العاملين فيها كانوا مصرين على ان مهابة الفشل لن تثني عزيمتهم في مواصلة الطريق للبقاء في قمة النجاح فكانت بكسار بهذه الروح احدى الشركات القليلة التي لم يسجل لها اخفاق واحد لعقود.

نشرت في الولاية العدد 110

 

مقالات ذات صله