فاطمةُ الزهرَاء أُسوةُ وقدوة

الشيخ بدري البدري

عباد مكرمون عند ربهم عَلِمَ منهم العبودية الحقَّة وإخلاص الطاعة له فخصّهم بالتطهير في كتابه الحكيم وكرَّمهُم أن جعلهم الصفوة من بين عباده فاجتبى منهم سادةً نجباءَ علماءَ مُكرمين.
خلقهم أنواراً يُهتدَى بهم في ظلمات الجهل وجعلهم شفعاءَ يَكشفُ بهم الهم والبلوى.
فأكرمُ عبدٍ وأقربُ نبيٍّ وأكملُ إنسانٍ سيدُ المرسلين محمد(صلى الله عليه وآله) إمامُ الفضائل وجامعُها وأسوةُ السالكين نحو الحق جلَّ شأنه، قال تعالى في كتابه الكريم:(لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/21 .
فكان(صلى الله عليه وآله) أعظمَ أسوةٍ يَقتدي به المقتدون في كل ماصدر عنه من فعلٍ وقول، والأسوةُ هو المثل الأعلى لكل قوم، وهو(صلى الله عليه وآله) المثل الأعلى للإنسانية كلها إذ بعث رحمة للعالمين فهو الذي يقود ركب البشرية إلى سبيل السلام.
ومنه الصفوة المطهرة من أهل بيته(عليهم الصلاة والسلام)الذين
اخذوا فضائلهم عنه واستقوا من مسيرةِ عَطائه مَعينَ الطُهرِ والكمالِ.
وأطيبُ ثَمَرَةٍ وأكرمُ نطقةٍ أنْجبَتْها النبوةُ وعاءَ الإمامةِ وأمَّ الأوصياء وسيدةَ النساء جميعاً فاطمةَ الزهراء(على أبيها وبعلها وبنيها أطيَب الصلاة والسلام).
فكانت كما شابهت أباها بمشْيَته وسمَاته شابهته بسيرته النورانية منطقاً سلوكاً وعبادةً.
فكانت العابدة لربها التي تستأنس بطول الوقوف بين يديه والسؤال من فضله، كانت تقوم للصلاة حتى تتورم قدماها من كثرة الوقوف بين يدي باريها ومحبوبها، وحتى لاتفيد غاية الإنتهاء أي كانت تصلي وتستمر في وقوف صلاتها وإن تورمت قدماها، فروحها معلقةٌ بعالمِ الملكوت وسابحةٌ في فيوضات الملكِ القدُّوسِ كيف لاتكون بهذا النعت وهي كريمة من خاطبه الرب الودود بلسان الرضا والإشفاق له من شدة عبادته واستغراق آناء ليله في تلاوة كتاب ربه والصلاة له إذ قال:(طه ـ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) طه ـ 1ـ2.
وكما ورد من سيرة نبيا(صلى الله عليه وآله) العطرة أن بدنه الشريف نحف في السنتين أو الثلاثة الأخيرة من عمره المبارك، وجاء في بعض الروايات أن سورتي هود والنبأ شيبتا النبي(صلى الله عليه وآله).
وهي قرينة الإمام المرتضى(عليه السلام) وحليلته ذاك الذي تغيب روحه وتتقلب في عوالم الملكوت حين يكون أقرب مايكون العبد من ربه، يسجد لله فيظل بدنه ساكناً لاحركة فيه كأن صاحبه فارق الحياة ومافارقها ولكن غشوةَ العاشقِ للمعبود الأحد كانت تنتابه كل حين.
كانت الزهراء عليها السلام في ليلها تدعو باريها أن يعفو عن المؤمنين ويقضي حوائجهم حتى كانت في إحدى ليالي الجمعة وقد قامت تصلي حتى تورمت قدماها يقول إمامنا المجتبى(عليه السلام): رأيت أمي فاطمة، قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها ياأماه، لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت يابني الجار قبل الدار.
فكانت في نهج عبادتها قدوة وأسوة للرجال والنساء معاً، وهي في ذلك آخذة بنهج أبيها المصطفى( صلى الله عليه والله) الذي يهتم بعامة الناس ويطلب الرحمة والخير لهم جميعاً فإنه بُعث رحمة للعالمين فقد ورد في الخبر أن قضاء حوائج المؤمنين أفضل من عامة الصلاة والصيام والدعاء لهم والقيام بشؤونهم من مصاديق قضاء الحوائج.
كانت الزهراء(عليها السلام) منقطعة إلى الله متبتلة وقد وصفها الحسن البصري بقوله: ماكان في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورّم قدماها.
وكانت مثال المرأة الصالحة وقدوة النساء رَضِيَت عن الله عطاياه فأرضاها، اطاعت ربها وأحبت زوجها الوصي ورأت بيتها المتواضع بمؤن الحياة البسيطة مملكة تعيش فيها أيام حياتها الدنيا لتنطلق منها إلى مقرها الدائم وجنتها الأبدية جوار ربها، عرفت مايجب على الزوجة تجاه زوجها وتميزت بأداء واجبها، ترى واجبها في البيت أصلاً ومحلاً لا عديلة عنه كما أن محل الرجل خارج البيت يصارع الحياة ليأتي بعيش كريم ولقمة طاهرة إلى عياله ويدير شؤون بيته ويحرسه، وهي تبني عقولاً وتصنع جيلاً طيباً وطاهراً هكذا نظرة الزهراء(عليها السلام) أن الأصل في المرأة تواجدها في البيت والرجل خارجه وهو درس من سيرتها(عليها السلام) في الحياة مابقيت.
ومن لطيف تبعلها وجميل دينها وخلقها أن أمير المؤمنين(عليه السلام) دخل الدار أحد الأيام وقال: يافاطمة عندك شيء من الطعام وهو أدرى مافي الدار وكم سائل عن أمره وهو عالم، لكنها رسالة من بيت الوصي وسلوك من سيدة النساء يريد إيصاله إلى رجال ونساء الأمة كي يروا موضع نهجهم وسيرتهم من نهج وسيرة علي والزهراء فقالت:(عليها السلام)مافي الدار طعام يطعمه بشر فقال: ألا أخبرتني؟ قالت نهانِّي أبي رسول الله(صلى الله عليه وآله)عن ذلك فقال: لاتسالي علياً مالا يقدر عليه إن أتى بشيء وإلا فلا تسأليه.
فكانت الصورة الأكمل في حسن تبعل المرأة الذي يكون سبب سعادتها وسعادة زوجها، لاتكلفه مالايطيق، إن رأته مهموماً قالت: مايهمك إن كان هم الدنيا فرج الله همك وإن كان هم الآخرة عاشت معه في همه المشترك وقالت: زادك الله هماً، إن دخل الدار استقبلته والبشر في وجهها وإن خرج شيعته وطيب الخلق يزينها، حتى إذا خرج علي (عليه السلام) من الدار كانت صورة زوجته الصالحة لاتفارقه، وهو في شوق إلى لقاءها وألم من فراقها.
وكانت فاطمة وهي الصديقة(عليها السلام) تعين أمير المؤمنين(عليه السلام) كانت تطحن بالرحى وتقوم بشؤون بيتها.
كانت راضية برزق ربها وعطاءه ومنعه معاً مسلِّمة له في كل تقديره فوهبها منحه الكريمة وجعلها مرضية عنده، وجعلها سيدة نساء العالمين وأعطاها من الكرامة والشفاعة ما تُمَدُ الأعناق لنوالها يوم ينظر فيه الناس إلى رضا الله وجنته .
ياسيدة النساء يافاطمة الزهراء مااعبدك وما أقربك من ربك، ماأجمل سيرتك وأحسن خلقك…..
يابنة المصطفى يامن رضاك رضا الله وأبيك(صلى الله عليه وآله) كيف تجرأ القوم على دارك، أم كيف أحرقوا بالنار بابك
كوني شفيعة لنا يابنة رسول الله أن نحضى بصحبتكم وجواركم يوم اللقاء.
سلام عليك سيدتي ماهب النسيم وما أشرقت الشمس أو طلع القمر.

نشرت في الولاية العدد 112

مقالات ذات صله