التعليم وأزمة المناهج الجديدة

هشام أموري

ادى تحديث المناهج الدراسية في المراحل المختلفة في الآونة الاخيرة الى ارباك الكادر التدريسي والعوائل والتلاميذ وذلك لاتخام المضامين ما ادى الى صعوبة فهما من قبل المتلقي، في الوقت الذي تسعى المؤسسة التربوية لتغيير المناهج وتطويرها وفق الرؤية العالمية لمواكبة الامم فيما يخص التربية والتعليم الحديث، وحسب متخصصين كان الاولى معالجة اسباب اخرى تسهم في تطوير الواقع التربوي الذي يشهد تراجعاً غير مسبوق في تاريخ العراق منها تطوير الابنية المدرسية المتهالكة والطينية وسد نقصها بالأثاث والرحلات ومعالجة دمج الدوام وكثرة الطلاب في الصف الواحد فضلا عن تهيئة بنية تعليمية تتلائم مع التطور المنشود، وغيرها من المشاكل التي يبدوا انها تعاني مرضا مزمنا…

وفي هذا الصدد حاورنا بعض المختصين في المجال التربوي وانتقينا عينات من الكوادر التدريسية المتفرقة للوقوف عن كثب على المشاكل التي تواجههم اثناء التدريس فيما يخص المناهج الجديدة او مشاكل اخرى تعرقل سير الرحلة التربوية لأجيال المستقبل.

مناهج.. تجاوزت ذهن التلاميذ
بدأنا الحوار في تحقيقنا مع (ام ليث) معلمة ابتدائية مارست المهنة لأكثر من عشرين عاماً اذ قالت: من المشاكل التي تواجهنا نحن ككادر تدريس في المراحل الاولية هي عدم وجود استقرارية في المناهج، ومنها على سبيل المثال دمج ثلاثة دروس كـ(الجغرافية والتاريخ والوطنية) تحت عنوان واحد الاجتماعيات، وتحويل الارقام في مادة الرياضيات من العربية الى الانكليزية مما ادى الى صعوبة المادة لدى المتلقي الذي تفاجأ بين ليلة وضحاها بتغير المنهج .
ويضيف فراس شاكر (معلم ابتدائي) قائلاً: من النقاط السلبية التي تسجل على المناهج الجديدة ان الوقت الحالي غير مناسب لها وهي انتقالة بعيدة جدا عن واقع المناهج القديمة وليس هناك متسع في ذهن التلميذ لفهمها.
كما اني قد لاحظت شيئا في مناهج الوزارة انها تنقل حالة معينة من بعض البلدان التي قد يتأثر التلميذ بها دون مراعاة الظروف المتاحة في تلك البلدان عما موجود في العراق من فارق في الاستقرار فضلا عن الاختلاف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي…
ويختم شاكر قوله ان النقاط الايجابية في المناهج هي مواضيع غير روتينية متنوعة ومشوقة رغم انها فوق مستوى التلميذ.

المدرسة والمعلم والاسرة لم تتهيأ بعد
كما ابدى ماجد الغزالي معلم تربوي راياً اخر بهذا الخصوص قائلاً: من وجهة نظري كتربوي ووفق ممارستي لتدريس بعض المناهج الجديدة لاحظت أهم المزايا فيها مثل التدريس بأكثر من طريقة وتتميز هذه المناهج بعرض المعلومات من السهل إلى الصعب والمفاهيم الموجودة تتناسب مع القدرات العقلية والاستيعابية عند الطلاب وركزت المناهج الجديدة أيضا على الاهداف العامة وأهداف الدرس ومست مواضيع الكتاب حياة وواقع التلميذ والطالب، ومعوقات المنهج ليست بالمنهج بحد ذاته كما يتصورها البعض، المنهج الجديد برئ.
ويضيف الغزالي :ان المشكلة تكمن في المعلم الذي لم يُهيأ بعد كما أن الأسرة أيضا لم تستوعب هذا التغير وهنالك سبب اخر قد جعل المنهج صعباً جدا هو عدم تجهيز المدارس بالوسائل التعليمية والإيضاحية لأن المنهج الجديد يتضمن بعض المواضيع الغريبة على المعلم والتلميذ، وعلى الرغم من وجود بعض العيوب فهي تعتبر أكثر جودة ودقة وتنظيما من المناهج القديمة التي تحتوي على معلومات ومفاهيم لا فائدة منها وكانت تدرس بأسلوب المحاضرة والتلقين والحفظ.

شروط وفق المعايير.. ولكن
وفي حديث مطول مع المشرفة التربوية السيدة هناء صادق العلوي أفادت فيه عن الشروط الواجب توفرها في المؤسسة التربوية وما تحتويه من متعلمين ومعلمين وفق ما يقدمه العالم المتطور من خطط ودراسات لنجاح مهمة التدريس والتعليم في مؤسساتهم، حين تحدثت قائلة: تعاني المدارس العراقية بشكل عام من اكتظاظ المتعلمين في صفوفها الدراسية الى جانب قلة الابنية المدرسية ووجود الدوام الثلاثي والمزدوج فيها مما يؤثر سلباً في عملية التعليم، فكيف يطبق المعلّم الاهداف التعليمية وفقاً للمعايير العالمية ؟ وما هو مطلوب منه وكيف يتفاعل المتعلمون فيما بينهم في مجاميع صغيرة لمناقشة موضوع ما للوصول الى التعلم الذاتي الفعلي بالدوام الثلاثي والمزدوج ؟ وقد تسبب ذلك الى مشكلات كبيرة تواجه المعلّم والمتعلم على حدّ سواء، فكيف يتابع المعلم ما يقوم به المتعلم داخل الفصل الدراسي ويصحح وينبه ويوجه المتعلمين اذا كان عدد التلاميذ مثلاً 40او 50 او60 في كل صف دراسي، وكان زمن الدرس هو 30 دقيقة للدوام الثلاثي او 40 دقيقة للدوام المزدوج او 45 دقيقة للدوام الاحادي ؟، فعند التهيئة للدرس تذهب خمسة دقائق في الدرس والمقدمة تأخذ خمسة دقائق اخرى، فماذا يتبقى من الدرس؟ وعند كتاب الملخص السبوري يقوم المتعلمون بنقله في دفاترهم إذ ينتهي الدرس ويبقى المتعلم ينقل ما موجود من ملخص سبوري إلى دفتره حتى انه يُحرم من اخذ فسحة الدرس وهي خمسة دقائق لغرض اكمال نقل الملخص، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى هي عدم الاستعانة بالوسائل التعليمية اثناء عرض الدرس من قبل المعلم بسبب ضيق الوقت فيلجأ المعلم الى إعطاء الدرس بصورة سريعة غير مراعٍ للظروف الفردية للمتعلمين فهو بالرغم من انه يدرس المنهج الجديد الذي يحتوي على المعايير العالمية المتطورة الا انه وبسبب ضيق الوقت لا يعطي المتعلمين سوى المعلومات والمعارف الذي يحتويها المحتوى الدراسي.

الجانب الاقتصادي .. غريم التعليم
وتضيف السيدة هناء صادق العلوي: النقطة الاخرى التي يجب ان نسلط الضوء عليها وهي الحرمان الاقتصادي لأغلب العوائل العراقية، فتقول: إن حديثنا الحالي الذي يتناول الشريحة الأكثرية لعوائل المجتمع العراقي فلو تفحصنا الحالة الاقتصادية لديهم لوجدناها بشكل عام من المستوى المتوسط والضعيف إذ يفتقر اغلب المتعلمين الى الغذاء الصحي الذي يعين على فهم ومواصلة الدرس والاستيعاب المطلوب، فلو عملنا استفتاءً عن عدد المتعلمين العراقيين الذين يتناولون الحليب في افطارهم الصباحي لوجدناها نسبة ضئيلة لا تتجاوز 20% بحسب البحوث الوصفية التي تناولت هذا الجانب..
ان عدم اهتمام المؤسسات التربوية لجانب تغذية المتعلمين ولاسيما المرحلة الابتدائية داخل المدرسة قد يوثر على تحصيلهم الدراسي واستيعابهم وادراكهم وتفهمهم للمواد الدراسية وهي من ضمن الاهداف والمعايير الحديثة للمتعلمين.

عزوف عن الدراسة
تختم المشرفة التربوية كلامها بالسؤال الذي يبدو من اهم الاسئلة التي تطرح في المؤسسات التعليمية الذي يتضمن عزوف المتعلمين عن مواصلة الدراسة وهي ان المناهج سبب رئيسي في هذه الظروف… لنأخذ نظرة عامّة في شوارع بغداد العامة مثلاً (ماهي الاعمار التي نراها تتسول في شوارعها؟) لو تفحصنا الموقف لوجدناها اعمار المرحلة الابتدائية … ولو سألت عددا من هؤلاء المتسولين: لماذا تركت المدرسة ؟ لكانت اجاباتهم بأن الكتب صعبة والدراسة صعبة واسلوب المعلم قاسٍ علينا وعائلتي بحاجة الى المال لنعيش ووو…ماذا نستنتج من هذا كله، نستخلص من ذلك بأن المناهج الدراسية لا تراعي الفوارق الفردية لدى المتعلمين ولا تأخذ بنظر الاعتبار الجوانب الاقتصادية والبيئية التعليمية التي يعيشها المتعلمون في المدارس العراقية .
* على الرغم من وجود بعض العيوب في المناهج الجديدة الا انها تعتبر أكثر جودة ودقة وتنظيماً من القديمة التي تحتوي على معلومات ومفاهيم لا فائدة منها
* إن المناهج الدراسية العراقية لا تراعي الفوارق الفردية لدى المتعلمين ولا تأخذ بنظر الاعتبار الجوانب الاقتصادية والبيئية التعليمية

نشرت في الولاية العدد 113

مقالات ذات صله