الغزو الثقافي مرض يستشري في المجتمعات الشرقية

دعاء الربيعي

الغزو الثقافي أو الغزو الفكري أو الحرب الناعمة كلها ألفاظ متعددة تشير الى معنى واحد وهو عبارة عن جهود وممارسات تبذلها امة من الامم بهدف زعزعة القناعات وتشوية الموروثات الحضارية لامة أخرى ، ويعد الغزو الثقافي أكثر خطورة من الغزو العسكري كونه ينتشر بشكل سريع وبسرية تامة ولا يمكن السيطرة عليه بسهولة بل يتطلب الامر جهودا مضاعفة ، ولذلك يشبهه بعضهم بالمرض الخبيث الذي ينتشر في جسد الانسان ولا يمكن كشفه الاِّ بعد حين ، وما يهمنا في هذا المقام التعرف على أهم اهداف الغزو الثقافي على مجتمعاتنا الإسلامية إذ أضحت الأخيرة مع بالغ الاسف بعيدة عما يجري لها وما يُحاك ضدها حتى باتت لا ترى ولا تتحسس ما يجري لها لأن الغزو الثقافي أخذ يتمدد و يأخذ صوراً وأشكالاً متعددة مرة يأتي بلباسٍ أكاديمي ومرة أخرى بلباس ديني ومرة أخرى بلباس المدنية وأخرى بلباس المظلومية وهكذا حتى تبدأ المعركة الكبرى وهي معركة زرع الشبهات والشكوك حول مبادئ الاسلام و ثوابته ليوجهوا بذلك بعض أفكار المسلمين ضعيفي العقيدة إلى جهة تخدم مصالحهم وأهدافهم لإيقاع أكبر عدد ممكن بين المسلمين وأشغالهم بالنعرات الطائفية والعرقية وغيرها .

ولا يكتفي بذلك حتى يقوم بإطلاق العنان إلى النفس والدعوة إلى التحرر من خلال ممارسة الرذائل والملذات وأباحتها في المجتمع وعدم تقييد الفرد بالدين الذي يحث على ضبط النفس دائما، وأخيراً يسعى الغزو للاستيلاء على عقول الشباب وترسيخ المفاهيم الغربية فيهم واقناعهم بأن الحياة الغربية هي الحياة المثلى ، لكن يبقى هنالك سؤال محيرٌ ربما يشغل أذهان الكثيرين وهو معرفة هل حقق الغزو الثقافي اهدافه المنشودة في مجتمعات العربية والإسلامية، فقد طرحت هذا السؤال على شريحة هم الأكثر تماساً واحتكاكاً في المجتمع الإسلامي كي نتعرف على إجاباتهم وآرائهم حول الموضوع فكانت الإجابة كالآتي:
أوضح الدكتور عمار الحسيني تدريسي في جامعة المصطفى العالمية وباحث في جامعة طهران: ان الغزو الثقافي قد اجتاح مجتمعاتنا العربية، ويبدو ان الثقافة العربية محتلة منذ امد بعيد، فالعقل العربي يسيطر عليه الاستكبار العالمي ، او كما يسمى ( استعمار العقول colnixed-mind) فالعقل العربي يقبل بالمرتبة الدنيا، فهو يقبل بالعلم والتكنلوجيا، لكنه لا يستغلها، بل يهدرها في لهواته ، وخير مثال على ذلك هو الانترنت، وكذلك يقبل بالنظريات المعرفية (ابستمولوجيا) لكن فكره هزيل، فتجد المجتمع العربي منهمكا بالأنترنت ليلا نهارا، ويمكن القول ان الثقافة العربية اصبحت مضمحلة بسبب الغزو الثقافي، والغريب ان الذي يصدر لنا الفكر الثقافي الهالك نراه يرتقي كل يوم نحو العلى في ميادين العلم والثقافة، واما اذا اردنا الحديث عن الغزو الثقافي في العقيدة، فيبدو لي انه استطاع ان يصل الى هدفه المنشود من التشكيك ، وتسقيط وهجران للدين وللأخلاق ليس من طبعي التشاؤم ولكن لست متفائلا بالثقافة العربية كونها قد ابتعدت كثيرا عن الثوابت
وقالت الدكتورة تغريد حيدر من لبنان اخصائية علم نفس واستاذة جامعية: نعدُّ أن الغزو الثقافي حقق جزءً من اهدافه على المستوى الفكري والمتمثل بالسيطرة على العقول في المجتمع الشرقي، وتظهر مؤشراته من خلال استقبال شعوبنا العربية لمفاهيم (غربية) غريبة عنهم والدفاع عنها بشكل غير واع، والانجراف خلف البرامج الترفيهية المعلبة، والدفاع المغلوط عن حرية المرأة، وضياع القدوة والتقليل من قيمة الهوية العربية الشرقية العامة والاسلامية خاصة
بينما أوضحت طالبه الماجستير الحان الشمري / كلية الفقه جامعة الكوفة: أن الغزو الفكري او الثقافي او ما يعرف بالحرب الناعمة ما هو الا طرق واساليب عصرية للاستعمار، بدل الطرق التي كانت تتبع من قبل الدول المستعمرة التي تحلق بالبلد المستعمر الدمار والقتل والخراب والتشريد وهذا النوع من الغزو بات لا يجدي نفعا لان الدول المستعمرة تدعي التطور والرقي وان لديها قوانين تراعي حقوق الحيوان فضلا عن الانسان وبسبب ذلك التجأت هذه الدول الى طرق استعمار جديدة تتناسب مع ما تدعيه وتأثيرها يكون اكبر على البلد المستعمر، ومع الاسف ان سذاجة عقول بعضهم تأثرت بهذا الغزو، لكن لا يصل الى حد انه حقق اهدافه المنشودة بل يمكن القول انهم حققوا جزء من اهدافهم فقط، ويعود السبب الى وعي المجتمع الاسلامي بموضوعة الغزو الثقافي واهدافه وغاياته الهدامة التي اريد الصاقها بالمجتمعات العربية بشكل عام والاسلامية بشكل خاص.
بينما اشار استاذ الرياضيات فاضل عبد الله/ متوسطة بلال ابن رباح الى ان: نعم لقد حقق الغزو الثقافي جزء من اهدافه على المجتمع العربي والدليل على ذلك هو غلبة التغريب في البرامج والمواد الثقافية والترفيهية التي تقدمها وسائل الاعلام العربية سواء كان على مستوى الاسلوب او على مستوى المضمون فالمشاهد اليوم يرى ان البرامج التي تبث على الشاشات العربية اغلبها تحمل افكارا غربية مستورده بعيدة كل البعد عن القيم الاسلامية والعربية .ومع علمهم بذلك الا انهم متابعين لها ومتأثرين بها ايما تأثر خصوصا الفئة الشابة من المجتمع إذ نراها اكثر تأثرا بالقيم والمبادئ الغربية ويسعون دائما الى تقليد الغرب بالمأكل والملبس والسلوك، وهذا الامر خطير جدا ويودي بهم الى الهاوية.
الطريق الى النجاة
كانت هذه جملة من اراء الاخوة والاخوات ذوي الاختصاصات المختلفة حيث أكدوا أن الغزو الثقافي حقق ويحقق اهدافه واحدا تلو الاخر، وبما أن الغزو الثقافي يقف وراءه دول قوية هدفها فكر الفرد المسلم، وقد جندت لهذا الغزو جنودا مخفيين مهمتهم وضع خطط مدروسة وطويلة المدى ليحققوا اهدافهم المنشودة في ارساء قواعدهم الضالة والمضي بها قدما، لذلك حري بنا كمثقفين وككتاب ان تتظافر جهودنا وتتكاتف ايدينا وتلتحم افكارنا لتوقف هذا المد الذي يستشري في المجتمعات العربية ويدخل الى عمق بيوتنا الآمنة ويحاول زعزعة الكيان الاجتماعي ويودي بحياة اجيالنا اليافعة الى التهلكة، ويمكن محاربة الغزو الثقافي بأداة الثقافة نفسها كما يقول الشاعر : وداويها بالتي كانت هي الداءُ، إذ يتوجب علينا أن نزرع الفكر السليم والعقيدة الحقة والثقافة الصحيحة في نفوس ابناء المجتمع حتى يتسنى لهم معرفة الافكار الأصيلة من الافكار الدخيلة.

نشرت في الولاية العدد 114

مقالات ذات صله