تدني القطاع الصناعي.. الاسباب والحلول

تحقيق علي الوائلي

لايزال قطاع الصناعة في العراق ينتظر من ينعشه وينهض به ليواكب التقدم الهائل في مجال الصناعات في العالم حيث يشهد العالم اليوم تنافسا واضحا وكبيرا في الصناعة فيما يتراجع العراق يراوح عن بحبوحة مكانة متواضعة في هذا المجال الحيوي والمهم، فالصناعة العراقية تحتضر، ولهذا عدة اسباب لعل أبرزها غياب الخطط القادرة على بث الروح في هذا القطاع وتعطيل دور القطاع الخاص، عدم وجود قوانين وسياسات لحماية المنتج المحلي والتي تمنع اغراق الاسواق، ورفع اسعار الوقود ما عطل جميع المصانع والورش الصناعية الصغيرة فضلا عن القطاع الزراعي الذي ذهب هو أيضا في ادراج الريح بسبب هذا القرار الذي أجرم بحق الاقتصاد العراقي والمواطن.

التمويل الذاتي
تشير الاكاديمية والتدريسية الدكتورة سحر الحسني بان جميع دول وبلدان العالم تفتخر بصناعتها الوطنية حيث تفتخر بريطانيا بانها مفجرة الثورة الصناعية في العالم وتفتخر اليابان بان جميع بلدان العالم تستخدم منتجاتها ولا يختلف اثنان على ان منتجات الصين هي الجيش الذي غزى العالم دون حرب، وذلك لرخص ثمن بضاعته وجمالها وتنوعها، ولقد شاهدنا ايران كيف استطاعت ان تقف بوجه الحصار وتكسره باعتمادها على المنتوج الوطني في الصناعة والزراعة والتسليح وغيرها بينما لازال العراق يعاني في قطاع الصناعة منذ عام 2003 واقعا مترديا في جميع مفاصله وشللا شبه تام لجميع المنشات الصناعية والمصانع الكبيرة والصغيرة للقطاعين الحكومي والخاص بعد ان كانت صناعتنا الوطنية مزدهرة ومواكبة لآخر التطورات التكنلوجية على الرغم من الحروب الطويلة وسنوات الحصار الطويلة والسياسات الخاطئة والمتهورة التي ادخلها فيها النظام البائد.
لذلك يجب ان نبحث عن اجابة عن سؤالنا وهو (لماذا اصبحت السوق العراقية وجميع قطاعاتها مستهلكة غير منتجة) وشكلت عالة على الاقتصاد العراقي وعلى الموازنة واصبح الاف العمال في الصناعة يأخذون رواتبهم بشكل سلف من وزارة المالية بعد ان كانوا مكتفين ذاتيا وهذا يقودنا الى ان نعرف اهم اسباب تدهور الصناعة الوطنية.

توفر مقومات النجاح والتفوق
ويوضح الصحفي جواد ابو غنيم بان اسباب تدني مستوى القطاع الصناعي متعددة حيث ان العراق بلد غني بما يملك من امكانيات ومقومات اقتصادية متميزة ومن ثروات طبيعية ومعدنية وموارد زراعية وبشرية ومن الاحتياطيات النفطية الهائلة وبعد العام 2003 وسقوط النظام افرزت اثار سلبية على البنية التحتية الاقتصادية وتوقفت معظم المصانع الانتاجية حيث بلغ اجمالي توقفها ما يتجاوز الـ 80 % وتوقف العمل في الشركات والمعامل الحكومية والنسبة الباقية تعمل باقل من طاقاتها وعدم قدرتها على المنافسة بسبب ارتفاع كلف الانتاج وتقادم المكائن والمعدات وبدلا عن دعم الصناعة وتشجيع المنتوجات الوطنية اعتمدت الدولة على الاستيراد وشمل ذلك كل شيء حتى وصل الامر الى استيراد المواد الغذائية والخضروات والفواكه وعزف المزارع والفلاح عن الزراعة.

الاحتلال والتدمير الممنهج
وتضيف الحسني اسبابا اخرى لعل البعض منها تشترك مع ما طرحه ابو غنيم ومنها اولا: اسباب خارجية تتعلق بالاحتلال الامريكي الذي عمل منذ ان دخل العراق على تدمير البنية التحتية للاقتصاد العراقي عامة وقطاع الصناعة بصورة خاصة وذلك بتدمير المنشات الصناعية ومراكز الابحاث ومستلزمات الانتاج التي تعرضت في غالبيتها للنهب والسلب والتخريب المبرمج واستهداف الكفاءات والخبرات العلمية العراقية من العلماء والباحثين ورجال الاعمال الوطنيين والمستثمرين بالقتل والتهديد والتهجير والاقصاء كذلك الاعتداءات المتكررة من قبل دول الجوار بما فيها تركيا والسعودية والكويت مستغلة الظروف الامنية التي يمر بها البلد لتعتدي على الثروات العراقية وخاصة النفط والغاز والمياه.

التخلف والاندثار وتراجع عجلة التكنلوجيا
والسبب الثاني: اسباب داخلية والتي تتعلق بوصول فئة من القيادات غير الكفوءة وغير المتخصصة وتحكمها بمراكز صنع القرار الاقتصادي والصناعي وافتقادها للخط الاستراتيجية الطموحة البعيدة المدى والمبنية على اسس علمية لإعادة تفعيل هذا القطاع بمختلف مفاصله وتطوير الصناعة الوطنية العراقية الى جنب الاسباب المتفرقة الاخرى كتردي الوضع الامني والاقتصادي في بعض مناطق البلاد وانتشار ما يدعى بالمناطق الساخنة اعاق هذا العمل الكثير من عمليات اعادة الاعمار لهذه المصانع وعدم رفدها ماديا, وكذلك قدم واندثار الاجهزة والمعدات المستخدمة في الصناعة وعدم وجود قطع الغيار التي يمكن من خلالها تأهيل العاطل ومواكبة الانتاج, وايضا خضوع الصناعة الى المنافسة الخارجية الشديدة لاسيما حتى في مجال الاسعار اذ ان كلفة تصنيع مادة في العراق تعادل اضعاف البضاعة المستوردة نفسها وذلك بسبب التضخم وتدني القوة الشرائية للعملة العراقية, واخر الاسباب التي طرحتها الحسني هو عدم الاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية في مجال الصناعة عن طريق ارسال وفود وبعثات واقامة الدورات التخصصية لرفع مستوى الخبرة والمهارة للعاملين.

الحرب ضد الارهاب
ويبدو ان الاستاذ خالد الشبلي وهو مراقب للشأن السياسي ومتتبع لما الت اليه الصناعة يتفق مع بعض ما ذكرته الحسني من اسباب لتدني الصناعة الوطنية ويذكر منها دخول العراق في معارك ضد الارهاب مع هيكلة معظم المصانع الى جنب السوق المفتوحة والتنافس مع السلع الاجنبية بالاضافة الى قلة الانتاج الوطني الزراعي وما يتبعه من اثر على المواد الغذائية الاساسية التي تدخل في الصناعة وكذلك عدم الجدية بوضع خطط للنهوض بالواقع الصناعي ودخول البضائع الى السوق العراقي من عدة منافذ ولا ننسى الخراب في البنى التحتية والنهب الذي تعرضت له المصانع مع هجرة معظم العقول العراقية والكفاءات الى الدول العربية والغربية بلا شك كانت من الاسباب او العوامل التي دعت الى تدهور الصناعة في البلاد.

الحصار وقوانين الحماية
اما الاستاذ الحقوقي محمد الخزاعي فيرجع الى ما قبل عام 2003 وتحديدا في العام 1991 في عوامل تدهور الصناعة الوطنية في العراق ليربطها في الحاضر حيث يقول ان اول الاسباب واهمها يعود الى ما بعد عام 1991 والحصار الاقتصادي الذي تعرض له العراق حيث القى ذلك بضلاله الثقيلة على شتى مناحي الحياة وابرزها الصناعة العراقية التي كانت قد حققت قفزات كبيرة وملموسة قبل هذا التاريخ فاغلقت الكثير من المصانع ابوابها نظرا لعدم توفر الادوات الاحتياطية وانكفاء الدولة على توفير الدعم المطلوب لعدم قدرتها على ذلك وخير مثال الشركة العامة لصناعة السيارات التي توقف انتاجها بشكل شبه كامل في ذلك الوقت ولم تتغير الصورة بعد عام 2003 حيث اصبح العراق بلدا مستوردا لكل السلع وغابت قوانين الحماية التجارية التي نحن احوج ما نكون اليها وتحولت مصانعنا الى مجرد مستودعات لتخزين البضائع المستوردة، لذا ان الدولة تتحمل جانب كبير من المسؤولية في تدني مستوى الصناعة الوطنية.
الكاتب والاعلامي احمد الطالقاني يبين بان الحكومة العراقية اخفقت وخاصة البرلمان العراقي بايجاد قوانين تدعم الصناعة الوطنية ومنها قانون حماية المنتج الوطني وكذلك عدم تفعيل قانون التعريفة الكمركية بالاضافة الى انفتاح التجار مع استيراد البضائع من مناشئ مختلفة ادى الى تدهور الصناعة الوطنية لأنها لا تخضع الى نظام التقييس والسيطرة النوعية وبالتالي تباع بأسعار زهيدة.

سبل النهوض بالقطاع الصناعي
واذا ما أردنا ان ننهض بالقطاع الصناعي بصورة جدية واكثر فاعلية مع مواكبة التطور الهائل في عصرنا في هذا القطاع فيجب ان تاخذ الدولة بعين الاعتبار القيمة الحقيقية للمنتج المحلي ودور الصناعة في تسيير حركة البلاد نحو الامام من خلال وضع الخطط الكفيلة لهذا الغرض وكذلك من خلال تظافر الجهود المخلصة لمختلف ابناء الشعب العراقي وخاصة اصحاب المهارات والكفاءات والاكاديميين والباحثين والمشرعين والقانونيين لصياغة مشروع وطني ووضع خطط تنمية مستدامة تهدف لاحياء هذا القطاع الحيوي والاقتصادي.

الفساد الاداري والمالي
قدمت الدكتورة سحر الحسني جملة من الحلول لانتشال واقع الصناعة مما هي عليه ومنها انشاء نظام عالمي موحد ونقابات مهنية مهمتها الدفاع عن قضايا العمال وحقوقهم, ووضع اطر قانونية للعمل الصناعي وسن التشريعات الكفيلة بدعمه ابتداء من العامل وحتى المخرجات النهائية وتوفير البنى التحتية ومستلزمات الانتاج الحديثة وتذليل الصعوبات, بالاضافة الى العمل على اعادة اعمار مؤسسات البحث العلمي والصناعي ومراكز التدريب الفني والمهني ورفدها بالخبرات والمهارات اللازمة واحدث وسائل البحث العلمي الحديثة, وتوفير الامن والاستقرار وفرض القانون والنظام لما له من دور في جذب الاستثمارات وبناء المشاريع الصناعية الجديدة وتطويرها, وايجاد حلول مصرفية لتامين التمويل اللازم للمشاريع الصناعية من خلال القروض الميسرة وصناديق التامين ضد مخاطر الحوادث والازمات والكوارث, مع تطوير ودعم القطاعات الاقتصادية الرديفة للصناعة (زراعة, تجارة, سياحة) عبر استراتيجية شاملة, ومما قدمته الحسني من مقترحات ايضا هو العمل على محاربة الفساد الاداري والمالي الذي استشرى في دوائر الدولة كافة ومنها الصناعة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين واحالتهم للقضاء.
ويرجع هنا الخزاعي ليضيف مجموعة من المقترحات التي تسهم في انقاذ الصناعة وهي ان تعتمد الدولة على سن القوانين التي تحمي المنتوج الوطني من منافسة المنتوج المستورد وتوفير عوامل تشجيعية منها الاعفاء من الرسوم الضريبية او تخفيضها وتوجيه وزارات الدولة ومؤسساتها بوجوب التعامل من البضاعة الوطنية دون المستوردة وفوق ذلك توفر الارادة الوطنية الحكومية لدعم الصناعة الوطنية.

المنظور الستراتيجي في التخطيط
ويؤكد الصحفي جواد ابو غنيم الذي يتفق تماما مع ما طرح حول ايجاد الخطط الكفيلة لانعاش الصناعة بانه يترتب على الحكومة بالعمل الجاد والمدروس ووضع الخطط الكفيلة بانعاش الصناعة والزراعة والتجارة من خلال تهيئة الارضية لفسح المجال امام الاستثمار لاعادة تأهيل المصانع والمعامل وتحديثها بتكنلوجيات حديثة ومتطورة ومن ابرزها مصانع الفوسفات والاسمنت والكبريت والزجاج والبتروكيمياويات ومصانع المنتوجات الصوفية والجلدية والتعليب وصولا الى الصناعات الثقيلة وهذا يحتاج الى وضع خطة استراتيجية مدروسة للنهوض بواقعنا الاقتصادي والصناعي.
اما الطالقاني فيؤكد ايضا انه لو اعتمدت الطرق الصحيحة وشرعت قوانين حماية المنتج فسنشهد تطورا ملموسا في قطاع الصناعة كما هو الحال في باقي الدول الصناعية التي تعتمد عليها كمورد رئيسي للبلد. وان تضع الدولة قوانين خاصة تدعم بها الصناعة الوطنية ومنع استيراد المواد او المستلزمات التي تحتاجها الوزارات وان يكون التعاقد مباشرة مع وزارة الصناعة والمعادن.

اهمية تطور الصناعة في العراق
لتوسع وتطور الصناعة عدة فوائد تصب على المجتمع العراقي حاله كحال المجتمعات الاخرى التي تنتعش باقتصادها واعتماده على ما يقدمه من صناعة محلية و هناك من يعمل على تصدير صناعاته الى الدول الاخرى مما شكل موردا اخرا الى وارداته والامثلة والشواهد متعددة وكثيرة.
الباحث والتربوي الاستاذ امجد الموسوي اشار بان تطوير الصناعة المحلية له مردود اقتصادي كبير للبلد فهي تعمل على عدم خروج اموال العراقيين الى الخارج وبالتالي يتحقق الاكتفاء الذاتي وتصبح قيمة العملة العراقية اكبر فضلا عن الاحتفاظ بها داخل السوق المحلية كمدخر وطني يساهم في الاستثمار وتطوير الانتاج ودفع عجلته للتقدم بالاضافة الى انتعاش الواقع الاقتصادي للبلاد بصورة عامة.
اما الاستاذ محمد كريم فيبين بان فتح المصانع والعمل على استعادة القطاع الصناعي من جديد في البلاد لايسهم بزيادة موارد البلد فحسب وانما سيمكنه من التطور والمنافسة للصناعات في الدول الصناعية المتقدمة الى جنب ان انعاش الصناعة ستسهم في تشغيل الكثير من الايدي العاملة التي يعول عليها البلد في عملية البناء والتقدم والتطور, وبلا شك فان الكثير من الخريجين وايضا من العاطلين عن العمل سيجدون مصدر رزق لهم ولعوائلهم وبالتالي استثمار الايدي العاملة والاستفادة من الطاقات الشبابية.
اما حسن محسن وهو شاب يطمح للتغيير في البلاد نحو الافضل والازدهار في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة فانه يشير الى ان دعم هذا القطاع سيعمل على ان يكون البلد منتجا بعد ان كان مستهلكا وان يعتمد على منتجاته بعد ان كان مستوردا مبينا ان العراق له القدرة على منافسة البضائع والصناعات العالمية لما يمتلكه هذا البلد من ارض خصبة وطاقات وكفاءات وخبرات.
واذا ما أرادت البلدان ان تتقدم وان تتطور فعليها الاستفادة من التجارب والخبرات لدى غيرها وحري بالعراق ان يستفاد من الطاقات الشبابية لابنائه وزج الكفاءات والخبرات في مصانعه وان يستفاد من تلك التجارب في اعتماد الدول الصناعية على صادراتها كمورد اساسي لها بوضعه الخطط الصحيحة ودفع ماكنة الصناعة نحو الامام ومنافسة الصناعات الاخرى.

نشرت في الولاية العدد 115

مقالات ذات صله