الإمام علي عليه السلام ينشر السـنة ويؤسس للقانون

الشيخ كاظم النصيري كلية التربية/ جامعة واسط

لقد تهيأت الظروف الموضوعية في أن يُعدّ الإمام عليه السلام إعداداً خاصاً في بيت الرسالة ورحاب القرآن، استصفاه الرسول صلى الله عليه واله لنفسه وهو طفل صغير، حيث حظي بتربية النبي صلى الله عليه واله وتوجيهه منذ نعومة أظفاره، وقد أشار عليه السلام إلى ملازمته للرسول صلى الله عليه واله بقوله: (ولقد قرن الله به من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل إثرْ أمّه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به).
كانت ولادته عليه السلام بمكة في البيت الحرام، في الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولما بُعث النبي صلى الله عليه واله بالإسلام، كان علي أول من أسلم ولما دعا قومه إلى الإسلام في بدء البعثة نص على عليّ بالوزارة والوصاية والخلافة ولم يختم النبي حياته إلا بعد أن عين عليا إماما للناس في حديث الغدير .

تدوين الحديث النبوي:
كان عهده عليه السلام عهد نشر الحديث النبوي وتدوينه، وهذا الأمر له قيمته عند أهل البلاد المفتوحة، ووسطها وبالتحديد الكوفة شرقاً، حيث أصبحت جامعة لكثرة ما استفادت من روايات وأحاديث النبي صلى الله عليه واله.
ولا يخفى أن تدوين الحديث وإحياء السنة النبوية في عهده عليه السلام من الناحية العملية جعل المسلمين يتذكرون صلاة رسول الله من خلال الإمام علي عليه السلام عندما كان يؤديها في أوقاتها، مضافة إلى ما أُثر في مصادر مدرسة الصحابة عن علي عليه السلام في الفقه ما لم يؤثر عن غيره، ولا يمكن احصاء ما أُثر عنه عليه السلام من أحاديث وأخبار، وما من كتاب يتعرض للحديث أو السيرة إلا وبين دفتيه أحاديث جمة في فضل أمير المؤمنين الذي قال الرسول صلى الله عليه واله في فضله: «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار.
وتجدر الإشارة إلى أن أول الكتب التي دونها عليه السلام هو تفسير القرآن». ثم كتاب السنن والقضايا والأحكام وقد جمع فيه أبواباً مختلفة من الفقه، وكتاب الجامعة وهي بإملاء رسول الله صلى الله عليه واله وخط عليّ عليه السلام، أمّا عهده إلى مالك الأشتر فقد ورد في مصادر مختلفة وجاء في نهج البلاغة تحت عنوان (ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.
فعهد الإمام عليّ عليه السلام لم یکن عهد فتنة وانما معاوية هو الذي كان يثير الفتنة، والجدير بالذكر أن «الزهري» الذي يعد من الرموز الفكرية في العالم السني كان يقول: «إن دهاة الناس في الفتنة معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص… » وقد أدرك الناس هذه الحقيقة في بداية عهد الإمام علي عليه السلام لما سمعوا منه في خطابه الأول قوله: «أنا متبع ولست بمبتدع». وقد طلب من الصحابة أن ينشروا كل ما يعرفون من الحقائق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله، وذلك أنه عليه السلام تبنى القانون الذي آمن به الناس تبعا لما جاء به محمد صلى الله عليه واله، الذي يقضي بمساواة الجميع أمام القانون، وان حرية الرأي ترجع إلى ما كانت عليه زمن النبي صلى الله عليه واله ولا يعاقب من يحمل رأيا مخالفا للدولة.
إن الإمام علي عليه السلام منذ اليوم الأول من عهده تحرك بشكل سليم وعلني لإحياء سيرة الرسول صلى الله عليه واله وأحاديثه وتوعية الأمة على الالتزام بالشرعية والقانون، ولكن رغم ذلك نجد أن الفاجعة التي حلت بالأمة الإسلامية كانت عظيمة لأنها شقت الصفوف وأضلت المسلمين وقد مارسها أئمة الفتنة والضلال من بني أمية للتشويش على الإمام علي عليه السلام مما أدى إلى حصول حالة من الارتياب التي أصابت الجميع، وقد جاء في شرح النهج: «عن أسماء بن حكيم الفزاري قال: كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر… إذ أقبل رجل فقال: أيكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار: أنا عمار، قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم، قال إن لي إليك حاجة… قال: فانطق، قال: إني خرجت من أهلي مستبصراً في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل، فلم أزل على ذلك مستبصراً، حتى ليلتي هذه، فإني رأيت في منامي مناديا تقدم، فأذن وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، ونادي بالصلاة، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثم أقيمت الصلاة، فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتاباً واحداً ودعونا دعوة واحدةً، فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلمها إلا الله تعالى، حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر؟ قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ماذا يقول لك عمار فاتبعه فجئتك لذلك، فقال عمار: تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي؟ فإنها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه واله ثلاث مرات، وهذه الرابعة فما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل هي شرهن وأفجرهن، أشهدت بدر وأحدا ويوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرك عنها؟ قال: لا، قال: فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإن مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه؟ والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أفترى دم عصفور حرام؟ قال: لا بل حلال، قال: فإنهم حلال كذلك، أتراني بينت لك؟ قال: قد بينت لي، قال: فاختر أي ذلك أحببت… ثم قال عمار: والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق وأنهم على باطل، فعمار بن ياسر من خلص صحابة الرسول وأنه العلامة المضيئة للتمييز بين معسكر الحق ومعسكر البغي لمواقفه المشرفة في الاصغاء لصوت الله والدفاع عن الرسالة والإمامة.
وقد أزال فضيلة الشيخ حسن فرحان المالكي الكاتب والباحث الإسلامي المعاصر الشبهات التي أثيرت حول شرعية الإمام علي عليه السلام وشرعية حكومته في كتابه (بيعة علي في ضوء الروايات الصحيحة) من خلال تقديم الروايات الصحيحة والاستدلال بحديث «عمار» وقول النبي صلى الله عليه واله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» فيقول الكاتب: هذا الحديث صحيح وقد ورد في صحيح مسلم وفي قوله صلى الله عليه واله: ((تقتل عمار الفئة الباغية)) فيه دلالة واضحة بأن عليا على الحق لان الذي قتل عماراً معاويةُ وأتباعُه من أهل الشام.
فهذا الحديث وغيره يستدل به الشيخ المالكي حول شرعية حكومة الإمام علي عليه السلام وأن بيعته عليه السلام بموازين أهل السنة كانت تامة، لأنه عليه السلام قَبِل الحكم بناءً على المبايعة له من قبل الجميع، فالوضع الذي بدأه علي (عليه السلام) هو الوضع المشروع، كما يرد الكاتب (المالكي) في كتابه على ابن حزم الذي شكك ببيعة علي (عليه السلام) بقوله: «من المعلوم عند أهل السنة أن البيعة تنعقد ببيعة (أهل الحل والعقد) أي: أن أهل الحل والعقد هم الذين يسهمون في المبايعة، ثم يضيف قائلا: (فكيف بجمهورهم وإجماعهم)؟ وهذا ما تحقق لعلي (عليه السلام) في بيعته.

النتيجة:
لقد أعاد علي عليه السلام بسيرته أيام رسول الله صلى الله عليه واله ذلك أن خطه عليه السلام مع بقية أئمة أهل البيت عليه السلام هو خط وحدة الأمة ومواصلة تبليغ الرسالة ونشر السّنة وتطبيق القانون الرسالي.
وبعد استشهاد الإمام علي عليه السلام من قبل مجموعة من الخوارج خططت لاغتياله عليه السلام وهو قائم يصلي بين يدي ربه تعالى في مسجد الكوفة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40هـ، هرعت مكة والمدنية إلى الإمام الحسن (عليه السلام) لأنه من أصحاب الكساء، أما أهل الشام ومصر فبايعوا معاوية صاحب التجربة القديمة في حرب الإسلام.
ذلك أنّه، كان يتوسل بمختلف الأساليب المنحرفة الماكرة للتسلط على رقاب المسلمين وتحقيق أهدافه الجاهلية الحاقدة لتشويه الصورة الواقعية للاسلام.

المصادر والمراجع
• القرآن الكريم
1. الغدير: العلامة عبد الحسين الاميني، بيروت، 1390ه.
2. أعيان الشيعة: محسن بن عبد الكريم الامين العاملي، بيروت، 463ه.
3. تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي الشافعي، بيروت، دار الكتب، 463ه.
4. شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد المعتزلي، تحقيق: محمد ابو الفضل، ط1، دار الكتب العربية، 1959م.
5. نهج البلاغة: الدكتور صبحي الصالح، دار الهجرة ، قم، 1412هـ.
6. الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد، ط1، 1413هـ.
7. المراجعات: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، مؤسسة النجاح، مصر، 1399هـ.
8. الذريعة الى تصانيف الشيعة: الشيخ الطهراني، ط، طهران، 1360هـ.
9. التاريخ الصغير للبخاري، محمد بن اسماعيل، بيروت، 1401هـ.
10. تاريخ الطبري: ابو جعفر محمد بن جرير الطبري، الأعلمي، بيروت، 1403هـ.
11. المعجم الوسيط: سليمان بن أحمد، تحقيق: د. محمد الطحان، الرياض، مكتبة المعارف، 1405هـ.

شرت في الولاية العدد 116

مقالات ذات صله