لماذا نحتفل بمولد الامام الحسين عليه السلام؟

هاشم محمد الباججي

تتعثر الكلمات .. وأقف حائرا .. وينحني قلمي .. في ذكرى مولده الشريف … فهو مولد للإباء والشموخ .. والعزة والكرامة .. وللدين والفكر والعقيدة .. بعد ان حاول طمس معالمه الجاهلون..
ان ذكرى مولد سبط رسول الله صلوات الله عليهم .. لهي فرصة سانحة لكل مسلم يشغف قلبه بحب محمد وال محمد صلوات الله عليهم ، ان يستحضر تفاصيل سيرته المباركة ويعيش في هذه الظلال الوارفة للسيرة العطرة، المحفزة لإيقاظ الهمم والتمسك بأهداب الإسلام الحنيف، والاستقامة على هديه وسيرته ، ونشر قيم التسامح، والمحبة، والتعامل الإنساني الراقي، للتأسي بحياته الكريمة … تلك الحياة الجميلة الرائعة التي سادتها روح المحبة والود والأخلاق العالية والتضحية والإباء…
والاحتفال بالمولد الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه واله وذريته الاطهار .. فبهم هدانا الله .. وعم نورهم في السماوات والارض ، ذلك النور الذي هو مشتق من نور الله ، لانهم الدليل الى الله في الليل الاليل، وفيض الرحمة المطلقة لله … وقد قال تعالى في جميل خطابه (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ…)، فالفرح به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وبأهل بيته عليهم السلام أمر مطلوب بالقرآن ، والله جل جلاله أمرنا أن نفرح بالرحمة الالهية المتمثلة برسول الله واهل بيته صلوات الله عليهم فهم أعظم مصداق للرحمة الالهية ، لقوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)
فالإمام الحسين عليه السلام ، كجده صلى الله عليه واله .. وابيه واخيه عليهم السلام دعاة الى الله بالقول الحق والعمل الصالح والقدوة الحسنة، لانهم رحمة الله للعالمين .. وايمان واسلام تجسّد على الارض بالعلم والتقوى والعمل الصالح …
نحتفي بهم .. لنستمد من هذه السيرة الثرية الغنية بالرفق واللين، في جميع تعاملاتنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا مع كل من حولنا من بني البشر الصلحاء، ونطبق ذلك والأخذ بلب دين الإسلام السمح، هذا الدين الخاتم الذي أرسى قواعده رسول الرحمة محمد صلى الله عليه واله ومن بعده ذريته الكرام ، فعلينا كمسلمين أن نجعل من ذكرى مولد الإمام الحسين عليه السلام ، عِبْرَةٌ في الاقتداء بمنهجه القويم، والسير على جادة الصواب التي رسمها بسيرته الزكية، وختمها بتضحيته عليهم السلام.
نحتفي بذكرى الولادة الشريفة لسيد شباب أهل الجنة ، صلاة ودعاءا وتسليما لرسول الله صلى الله عليه واله وقد حثّ الله بذلك فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، وما كان يحث على المطلوب شرعا فهو مطلوب شرعا، فكم للصلاة على النبي وآله من فوائد وإمدادات حسية ومعنوية يَمُس القلم لُغوب في تعداد آثارها ومظاهر أنوارها قلبيا وعقليا وسلوكيا ، ففي ذكرى الاحتفال المبارك تذكر صفات و شمائل ومعجزات النبي الاكرم واهل بيته الكرام صلوات الله عليهم ، ومعرفة ذلك مما يستدعي كمال الإيمان بهم ، وزيادة المحبة والشوق إليهم إذ الإنسان مطبوع على حب الجميل خَلقا وخُلقا عِلما وعَملا حالا واعتقادا ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل من ذكر أخلاقهم وشمائلهم وصفاتهم.
نحتفي بذكرى مولد الحسين عليه السلام مودة ومحبة بذوي قربى النبي صلى الله عليه واله ، وقد أكد القران الكريم على هذه المودة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) تكريما لرسول الله صلى الله عليه واله وجهوده وما بذله من اجل اعلاء كلمة لا اله الا الله ودين الله الحنيف ، لأنَّ مَن استجلب محبة النبي واله الاطهار فقد استجلب محبة الله تبارك وتعالى، وإذا تعلق قلب العبد بالله جل وعلا أحب كل ما يقربه إلى الله ويزيده، ويبقى أشد حبا لله، فلا حب يوازي ذلك الحب، وإنما يحب بحب الله وله، فإذا أحببت الشخص لله كان اللهُ هو المحبوبَ لذاته، فكلما تصورته في قلبك تصورت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبك لله، لان ذكر النبي صلى الله عليه واله واهل بيته الكرام وتصورهم في القلب، يجذب القلب إلى محبة الله المنعِم عليهم وبهم إذا كنت تحبهم لله ، فالمحبوب لله يجذِب إلى محبة الله، والمحب لله إذا أحب شخصا لله فإن الله هو محبوبه، فهو يحب أن يجذبه إلى الله تعالى، وكل من المحب لله والمحبوب لله يجذب إلى الله … فحب الحسين هو حب لرسول الله وحب لله و من الله وفي الله …
وستبقى هذه الذكرى هي ذكرى غالية عزيزة نفرح بقدومها، ومحطة للتأمل نستلهم منها الدروس والعبر، لتعزز فينا الحب المتين للآل الأطهار، والتعلق بنهج نبي هذه الأمة وسيرته ومنهاجه، والاقتداء به ذلكم الرسول المفتدى والنبي المجتبى محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله)، فسلام عليك سيدي يا أبا عبد الله الحسين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.

نشرت في الولاية العدد 116

مقالات ذات صله