الجد و الجدة من مشاق الحياة ومتاعبها الى دور رعاية المسنين

رملة الخزاعي

يمثل الجدان في البيت سيرة أعباء ومسؤوليات جسيمة في حياة العائلة وتاريخها الذي أسس الى مستقبل فيه أحلام وطموحات تلك الأسرة وما تحقق عنها من نجاحات وربما خسارات، لذا فهما يحملان خلاصة الخبرة والدراية الحياتية، ومن هنا فان غالباُ ما تكون تدخلاتهما حكيمة ومشورتهما في محلها لحل المشاكل ودرئها بشكل أسرع وأمهر من باقي أفراد العائلة وفي هذه المواقف لطالما وجدنا عندهم مآثر عديدة للم الشمل وتقريب الافكار والنصح وتسهيل الأمور وازاحة العقبات، فهما الخير والبركة فوجودهما كفيلاً لأن يعم الخير على البيت واهله فمشورتهم خير ومنطقهم حكمة ورعايتهم اجر والجلوس معهم طمأنينة، وتوجيهاتهم زيادة في الخبرة….
فبعد ان كان الجد والجدة هم قادة البيت صارت الكثير من العائلات تتثاقل منهم وتعدهم عبء وترى كلامهم ثقيلا ونصائحهم تعقيدا، فالابن ينفر من أبيه امام اولاده والام تتثاقل من الجدة امام بناتها، فهناك جيل يتربى على الكره والعصيان والحمق المفضي للعقوق وعدم تقبل الآخر والتعالي على الآخرين.

فبعدما كان رأي الشيخ والشيخة الطاعنين في السن مسموعا ومطاعا ومهابا نرى اليوم مكانهم ومستقرهم دور العجزة والعزلة والإهمال، موضوع خطير جدا ينخر مجتمعنا ويمزق أوصاله، فان يقضي الكبير حياته بعيدا عن بيته واولاده واحفاده، أو أن يترك في البيت وحيدا فيعزل في غرفة عن الجميع واذا تكلم نهر او استهزئ به، فهذا عين العقوق الذي يحيق به غضب الله تعالى، كيف لا وهو من الكبائر التي لا ينظر الله الى وجه من اقترفها يوم القيامة.
فما الاسباب التي تدفع الابناء لفعل مثل هذا ؟ استعرضت مجلة الولاية في هذا العدد آراء مختلفة حول هذا الامر للوقوف على الاسباب التي تعددت لاتخاذ مثل هذا السلوك الشائن.

اهمية وجود الجد والجدة
بدأنا حديثنا مع الدكتورة زينب علي التي قالت: لقد بينت الدراسات حديثا ان وجود الجد او الجدة في البيت مهم في الجانب التربوي وهو امر لمسناه في تجاربنا، فتؤكد الدراسات الحديثة ان الطفل الذي يتربى ببيت فيه جد او جدة يكون ذا مهارات عديدة وبخاصة مهاراته في تكوين علاقات اجتماعية وله صفات نبيلة كالكرم والتسامح وحب الاخرين بل تثبت التجارب ان الاطفال الذين يتشارك في تربيتهم الاجداد مع الاباء لديه قابلية عاطفية وثقتهم بأنفسهم عالية ويعود السبب الى العاطفة التي يمنحها الاجداد للأحفاد، سابقا لم تكن هناك مشكلات سلوكية لدى الاطفال وان وجدت فهي قليلة جدا عكس اليوم كثرت المشكلات السلوكية بكثرة الاسباب التي صارت في مجتمعنا للأسف ومن الاسباب تربية الطفل على بغض الاجداد وان نتكلم بسوء عن اجدادهم امامهم وهذا ما تفعله بعض الامهات وهي لا تعلم انها اول المتضررين.
فيما ترى التربوية زهراء ايوب: ان اسباب الابتعاد عن الجد والجدة هي تشجيع العوائل لبناتهم على اعتزال اهل الزوج من بداية الزواج، بدعوى انها تريد ان تستقل بحياتها في حين هذا الامر من الاخطاء الكبيرة التي سببته قطيعة الرحم وتربية الاطفال على هذا الامر يعود بالنتائج السلبية، فعندما يكبر الاب والام، الابن لا يرى من مسؤولياته ان يهتم بهم ورابطته وعلاقته بهم منذ الصغر غير صحيحة لذا ممكن ان يتخلى عنهم الى دور العجزة بسهولة وهو لا يشعر بتأنيب الضمير.
وافقتها في الراي السيدة فاطمة نجاح (ربة بيت) قائلة: سنوات عديدة ونحن نعيش في كنف الجد والجدة وعندما تزوجنا ذهبنا الى بيت فيه جد وجدة لا انكر هناك مشاكل لكنها سرعان ما تحل وكانت الحياة جميلة والاطفال يجتمعون صباحا الى جدتهم التي تساعدهم على الافطار ثم يذهبون الى المدارس وعندما يعودون ايضا تجد ان جدتهم هي من تطعمهم وجبة الغداء، ومن طقوس العائلة المحببة ان توضع القدور بعد طبخها امام الجدة وهي تملئ الاواني للأولاد والاحفاد، وقد كان لهذه الطقوس طعم خاص فضلا عن لهم كان رأي مطاع وتستشار الجدة في الصغيرة والكبيرة وكان بيتنا يملؤه الفرح والطمأنينة.

اراء مخالفة
فيما قالت المهندسة رواء الحسيني: اختلفت طرق التربية في وقتنا الحالي والاجداد لهم طرقهم القديمة التي صارت لا تنفع في وقتنا الحاضر لذا ارجح ان ابعد اولادي عن اجدادهم لأربيهم على طريقتي الخاصة ولنا زيارات دورية لهم ليتعلم اطفالي على جدهم وجدتهم وكي لا ينقطعوا عن جدهم وجدتهم.
تقول الموظفة زينة المسلماوي: انا موظفة في دائرة حكومية ووقتي منظم وفق دوامي ووجود ام زوجي يعيق نظامي اليومي وتؤثر على نفسية ابنائي فهي غير راضية عن تصرفات بناتي وتعترض على كل شيء يقومن به فالابتعاد عن جدتهم افضل حل كي لا يتعكر صفو اسرتي.
وعلى هذا المنحى نفس تقول الصيدلانية رؤى عدنان: اختلف كل شيء عن السابق، في الزمن القديم كان الجد او الجدة هو من يتحكم في كل شيء رغم تفكيرهم الكلاسيكي وطباعهم الصعبة لكن في الوقت الحاضر اختلفت الامور فصار الابتعاد عن الجد والجدة امرا ضروريا كي يتربى الابناء وفق الرؤية العصرية.

إنصاف الاجداد
أما الدكتورة وسن الجبري فقد عبرت عن هذا الموضوع قائلة: الجد والجدة الخير والبركة في البيت فهم خير معلم وموجه بل هم من يلم شمل العائلة كونهم خبرة طويلة في تأسيس العائلة والحفاظ على الترابط الاسري فهم اصحاب المشورة والراي الصائب ولا اعلم لماذا صار الاجداد عبء على الابناء والاحفاد ربما السبب التربية السيئة او الغيرة من الاخريات فالكثير من النساء تغار من قريناتها وخاصة بشأن اعتزال كبار السن، فصار شرط البنت عندما يتقدم الشاب لخطبتها الاستقلال في بيت بمعزل عن اهله وعندما يولد الابناء بعيدين عن اجدادهم ويربون على ان جدهم وجدتهم شيء ثانوي ولا نستغرب اذا تربى الابناء على هذا النهج ان يرموا ابائهم في دور العجزة.
وفي آخر المطاف قالت الطالبة الجامعية زهراء عز الدين: ان من اسباب فشل التربية في الوقت الحاضر اجتهادات الام والاب دون استشارة في حين من يستشير الكبير صاحب الخبرة يفوز كونه عبارة عن خبرة متراكمة والجد والجدة لهم دور كبير في التربية نظرا لخبرتهم عبر عشرات السنوات وللأسف تركت هذه الخبرة في دور رعاية المسنين ليحل محلهم الموبايل والآيباد لهذا نرى غالب الاطفال لهم سلوكيات سيئة نتيجة عدم وجود رقابة او خبرة في التربية فلو استغل وجود الجدة لمراقبتهم او الجد والاستماع لهم والجلوس عندهم سيكون ايجابي من الناحية التربوية.

ختامها عبر
قال تعالى في محكم كتابه:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)(الإسراء/23ـ24)، فالعقوق ذنب يعد من الكبائر كالكفر والشرك بالله تعالى، فضلا عن ان السيرة النبوية توصي بالكبير خيرا وخاصة الوالدين هناك عشرات الاحاديث التي ملأت صفحات كتب الحديث توصي بالأب والام وكبار السن ومن اروع ما روي عن الرسول (صلى الله عليه واله) : (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) وجاء هذا الحديث عندما رأى المسلمين يفسحون المجال لرجل مسن كي يمر رعاية له، فاين مجتمعنا من وصايا رسول الله (صلى الله عليه واله) اسست دور رعاية المسنين لكثرة حالات التخلي عن كبار السن، في حين وجودهم خير وبركة واجر اضافة الى الفوائد التربوية من وجودهم داخل البيت، فهم يملكون خبرة تربوية بعدد التجارب الواقعية التي عاشوها، فهما مصدر الخبرة والعطف والحنان وحسن التعامل صحيح ان طباعهم تكون حادة لكن علينا تحملهم فهم مصدر وجودنا وقد عانوا ما عانوا في تنشئتنا، مع وجود كل التسهيلات وتوفر كل وسائل الراحة الا ان الام والاب يعانون من مصاعب في تربية ورعاية الابناء فكيف بهم وكان كل شيء صعب وابسط وسائل الراحة غير موجودة اضافة الى الوضع الاقتصادي المتعسر هذه الامور وغيرها من الامور التي تحملوها من اجلنا فهل جزائهم دور رعاية كبار السن.

نشرت في الولاية العدد 116

مقالات ذات صله