أسلوب الاستفهام وأثره في تفسير القرآن الكريم

م.م. علي محمد عبد الحسين أبو شبع

الاستفهام في العربية أسلوب يظهر في أدوات منطوقة أو مفهومة، يراد به طلب الفهم من شخص آخر, وفي القرآن الكريم يخرج عن معناه الحقيقي إلى معانٍ مجازية، منها: الإنكار، والتعجب، والتوبيخ، والتحذير، وغيرها وهو جزء من فنون القول، الذي يعبر عنه إعجاز القرآن الكريم؛ لأنه يتجاوز الأساليب العربية إلى أبعاد معنوية عميقة في استعمال الأدوات .

الاستفهام أسلوب من أساليب اللغة يُستعمل للإنشاء الذي يقابل أسلوب الخبر، ويعرف الخبر بأنه: الكلام التام غير الإنشائي [الذي يحتمل] الصدق أو الكذب.
الاستفهام لغةً: مشتق من الفعل الثلاثي فَهِم الشيءَ بالكسر فَهْمًا وفَهَامةً، أي عَلِمَهُ. وفلان (فَهِمٌ).
أما المعنى الاصطلاحي للاستفهام، فهو: أنشاء طلبي وهو أسلوب من أساليب العربية، يُطلب به العلم بشيء ليس معروفاً لدى السائل.
التي أعتاد الدارسون العرب أن يفهموها بحسب التقسيم الثلاثي القديم للكلام: (اسم وفعل وحرف), وينقسم على قسمين: أولهما: حرفان هما: (الهمزة وهل), وثانيهما: أسماء وهي أحد عشر اسمًا، هي: (مَنْ، ما، ماذا، من ذا, متى, أيان, أين, كيف, أنى, كم, أي). وأما أنواع الاستفهام هي:
1-الاستفهام الحقيقي: وهو السؤال الذي يطلب جواباً, وينقسم الاستفهام الحقيقي من جهة وظيفته على قسمين: استفهام التصور، واستفهام التصديق.
أ‌-استفهام التصور: إذا كان المطلوب معرفة أحد مفردات الجملة من مسند أو مسند إليه أو مفعول به أو غيرها، نحو قوله تعالى: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾( البقرة/ 68)، والجواب ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ﴾.
ب‌-استفهام التصديق: هو اثبات النسبة بين الشيئين، أو نفيهما ويجاب عنه بـ (نعم) أو (لا) أو (إي) كقولك نحو: أجاء زيد؟ الجواب مثلا (نعم) أو (لا), ونحو قوله تعالى: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾( الأعراف/ 44), الجواب ﴿قَالُوا نَعَمْ﴾,
2-يليه دراسة الإستفهام المجازي: وهو السؤال الذي لا يحتاج إلى جواب؛ لأنَّ الجواب مفهوم من سياق السؤال، نحو قوله تعالى:﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(البقرة/ 28).
الاستفهام هنا يراد به اللوم والتقريع يعني المعنى المجازي، اللوم والإنكار.
وبهذا يخرج الإستفهام عن معانيه الأصلية إلى معانٍ مجازية كثيرة، منها ما يأتي: استفهام النفي, والتعجب, والتمنّي, والتحقير, الاستبعاد, إلى غير ذلك؛ لأنَّ الأغراض البلاغية للاستفهام أكثر من مئة غرض استفهامي، وقد اختلف المؤلفون القدماء والمعاصرون في تعدادها، منهم من ذكر خمسة وثلاثين غرضاً، ومنهم أقلَّ ومنهم أكثر.
استقراء أدوات الاستفهام: وجود عدد (كثير)من أدوات الاستفهام في القرآن الكريم, فكل اداة كشفنا عن عدد وجودها في القرآن الكريم. على النحو الآتي: (الهمزة»507»مرة), (أم»59»مرة), (هل»84»مرة), (ما»123»مرة), (من»79»مرة), (من ذا»5»مرات), (ماذا»24»مرة), (متى»9»مرات), (أيان»5»مرات), (كيف»68»مرة), (كم»4»مرات), (أين»10»مرات), (أنى»26»مرة), (أي»15»مرة).
أسلوب الاستفهام في سياق حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة: إن أول من بدأ بالحوار في اطار القرآن الكريم هم الملائكة (عليهم السلام)، وبدأ هذا الحوار في اللحظة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، فأراد أن يخلق الإنسان لكي يُناط به هذه المهمة الصعبة, فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(البقرة: 33), هذا الاستفهام الذي حكاه القرآن عن الملائكة: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ …﴾، ثم قرن هذا الاستفهام بأمر الخلافة، وكان في القرآن المكي، (السجود) مقرونا بأمر (الخلق)، ثم اختفاء دور (إبليس) هنا، وكان له وجود ظاهر في العهد المكي هذا الاستفهام يبدو في الظاهر أنه استفهام اعتراض من الملائكة على شيء أراده الله، والإعتراض ضرب من ضروب المعصية، والمعصية من الملائكة معدومة؛ لان الله أخبر عنهم وخبره محض صدق، نحو قوله تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾(التحريم/ 6), كما قال: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾(الأنبياء/ 27), لهذا كان لهذا الاستفهام مزيد عناية من الدارسين, اختلف المفسرون في نوع غرض هذه الآية ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾:
أشار الزمخشري (ت538هـ ) في (الكشاف) أن الاستفهام هو تعجب, وكذلك أبو السعود (ت982هـ) في (إرشاد العقل)، أيضاً يوافق الزمخشري، وأشار إلى التعجب, والرازي (ت606هـ) في (التفسير الكبير)، أيضاً أشار إلى التعجب, وكلام المفسرين طويل، وهم أشاروا إلى التعجب في عصمة الملائكة، مهّدوا به للقول بأن الاستفهام كان للتعجب من كمال علم الله سبحانه وتعالى، وأحاطت حكمته بما خفي على كل العقلاء, ويُشير محمد رشيد رضا (ت1935م) في (تفسير المنار)، إلى أن المراد من الاستفهام في إيجاز فقال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بادروا إلى السؤال هو استفهام الإستغراب و ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾، فيغفل بذلك عن تسبيحك وتقديسك, وذكر الآلوسي (ت127هـ) في (روح المعاني)، وهو القول الأرجح: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ إستكشاف عن الحكمة الخفية، وعما يزيل الشبهة، وليس استفهاماً عن النفي الجعل والإستخلاف؛ لأنهم علموه قبل. فالمسؤول عنه هو الجعل، لكن لا باعتبار ذاته، بل باعتبار حكمته ومزيل شبهته، أو تعجب من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يفسد فيها أو يستخلف مكان أهل الفساد يعني الشياطين مثلهم يعني آدم وبنيه …، وقيل الاستفهام محض أي حقيقي حُذف فيه المعادل، أي ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ أم تجعل من لا يفسد, ونحا القرطبي (ت617هـ) في (الجامع لأحكام القرآن) منحى الآلوسي، فجوّز أن يكون الإستفهام حقيقياً على حذف المعادل الذي حكاه الآلوسي ولكن بعبارة مختلفة، وزاد عليه إرادة الإستعظام والإكبار، فقال: جاء قولهم ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ على جهة الاستفهام المحض: أهذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا؟ …، وأما أن يكون للإعظام والإكبار للفعلين جميعا: الإستخلاف والعصيان.
الخلاصة:
الاستفهام في هذه الآية حقيقي؛ لسببين, السبب الأول أن الملائكة طلبوا الفهم أي تصور لسؤالهم ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ وتكملة الآية بمعنى الجواب ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. وذكرنا سابقاً تعريف الاستفهام الحقيقي هو السؤال الذي يطلب جواباً, السبب الثاني, لو رجحنا بأن الاستفهام تعجب كما قال الزمخشري وأبي السعود, أو رجحنا استغراب كما قال محمد رشيد رضا, تكون معصية للملائكة لله سبحانه وتعالى والملائكة معصومين من الخطأ؛ لأن كل من يتعجب أو يستغرب من افعال ألله سبحانه وتعالى يعصي الله, ولا نجد في كثير من التفاسير أن الملائكة في هذه الآية عاصين الله سبحانه وتعالى, فالاستفهام هنا حقيقي كما قال الآلوسي والقرطبي, الملائكة يستفهمون من الله سبحانه وتعالى لماذا الله سبحانه وتعالى يجعل في الأرض خليفة…
النتيجة: إن مفهوم الاستفهام هو طلب الفهم عن شيء مجهول وقد يرد لمعنى الأخبار وخاصة في القرآن الكريم, وورود المعاني البلاغية بكثرة في القرآن الكريم وخاصة الإنكار والتعظيم والتفخيم, وأما مجالات كثرة الاستفهام كانت في الجانب القصصي في القرآن الكريم, وإن إستقراء حروف الاستفهام وكناياته، هذا قد أثبت لنا تكرارها في القرآن الكريم، نحو: الهمزة (507) مرة في القرآن الكريم, ومن بعدها (ما) (123) مرة، وأما أقل أداة استفهامية فهي(كم) إذ وردت (4) مرات فقط.

نشرت في الولاية العدد 117

مقالات ذات صله