مخاض المؤسسة التربوية.. أزمة وحل

د. أحمد عبيد كاظم

يوما بعد آخر تتعمق وتزداد مسؤوليتنا اتجاه مؤسسات التنشئة الاجتماعية ( المدرسة والأسرة والاقران ووسائل الإعلام ) إذ أن المجتمع ظل فترة طويلة يرزح تحت مفاهيم وفلسفات مختلفة حولته مع مرور الزمن إلى مجتمع غير متماسك وإذا كان بعضهم يعتقد أن مشكلة العراق الآن هي إعادة بناء ما دمرته الحروب المتتالية فقط فأنه مخطئ فهذا الوطن يحتاج الى إعادة بناء المجتمع السليم والصحيح وفق فلسفة تربوية وأهداف تربوية سليمة تقوم بها المؤسسات التربوية التي تقع على عاتقها المسؤوليات الجسام .

المؤسسة التربوية والتنشئة
فالمؤسسة التربوية مسؤولة عن تنمية الشخصية وصقلها جميع النواحي الاجتماعية والنفسية والعقلية، بما يتناسب مع قيم المجتمع التي يعيش فيها الطالب، وهناك مؤسسات أخرى مثل مؤسسة الأسرة فلها دور تربوي أيضا فهي المكان الأول الذي يتعلم فيه الفرد العادات والتقاليد وأسس السلوك والآداب والتعامل مع الآخرين، وطرق التعبير عن النفس بشكل صحيح ومناسب .
كذلك لمؤسسة المدرسة دور كبير في عملية التنشئة الاجتماعية للفرد من خلال امكانية اكتساب الفرد المتعلم المعارف والمهارات والخبرات في الجانب النظري والتطبيقي عن طريق التعلم والتعليم، ومن خلال تقديم الإرشاد التربوي والمهني للطلاب في مواجهة المشكلات التربوية التي تتعلق بالتحصيل والتكيف والاستيعاب والرغبة والدافعية ..وغيرها، وعبر تقويم سلوك الطالب من خلال غرس الوازع الإنساني والوطني والأخلاقي والإيماني من خلال المناهج الدراسية والأنشطة المختلفة، مع الحرص والتأكيد على تحصيل الثقافة العامة ورعاية وتطوير المواهب الفكرية والروحية والحركية وتنمية الملكات والذائقة الإبداعية، فضلا عن مساعدة الطالب في تحمل المسؤولية من خلال وضع أهداف محددة لتطوير المهارات والمواهب من خلال الاستغلال الأمثل لأوقات الفراغ والتدريب والدورات والتجريب للأنماط الخبرات اللاصفية والمجتمعية.

التخطيط التربوي
وهنا تبرز أهمية التخطيط التربوي من خلال ترتيب الأهداف والأولويات والإمكانيات البشرية المتوفرة، اذ تبرز أهمية التخطيط التربوي من خلال التكامل بين التخطيط التربوي والتخطيط الاقتصادي للبلد، فالتخطيط التربوي هو الذي يلبي احتياجات سوق العمل، فالاقتصاد اليوم قائم على المعرفة، وبه يمكن وضع الحلول للمشكلات كافة التربوية المادية والمعنوية في جانبها الوظيفي والإبداعي وتوظيف البرامج الإثراء والتطوير التربوي للمشرفين والإداريين والملاك التعليمي .كذلك في الجانب التقني والتكنولوجي وسبل الارتقاء المعرفي، والعمل على مراجعة وتطوير وتحسين وإصلاح المناهج التعليمية بما يحقق التواصل في التحصيل المعرفي الحديث وطرق الاستفادة من المعلومات في تطوير المناهج الدراسية تلبية لحاجات العصر المتقدمة.

معوقات العملية التربوية
ولعل أهم المعوقات التي تواجه العملية التربوية في العراق هي كثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد أذ يتجاوز العدد أحياناً ( 50 ) طالباً في الصف الواحد، وقلة عدد المدارس والقاعات والصفوف الدراسية والمختبرات العلمية وافتقارها للمواد والأجهزة والحاجة الى مباني جديدة وصيانة أخرى، وكثافة المنهج الدراسي يحول دون استخدام طرائق التدريس الحديثة لذا يلجأ المعلم الى طريقة المحاضرة التقليدية لغرض أكمال المنهج الدراسي، وقلة الدورات التدريبية والتطويرية الحقيقية للملاكات التعليمة في جانب طرائق التدريس الحديثة وتوظيف الحاسب الالكتروني وشاشات العرض والبرامج العلمية الرقمية المتخصصة، مع قلة وسائل الإيضاح التعليمية الفعالة والمجسمة بل وانعدامها في الكثير من المدارس، فضلا عن معوقات تتعلق بعدم رغبة المعلم في تطوير مهاراته وكفاءته المهنية لأسباب مادية ومعنوية، وعدم التواصل مع المستجدات في الارتقاء بالمادة العلمية وغياب الثقافة العامة وعدم اطلاع المعلم على مفردات المقرر الدراسي الذي يقوم بتدريسه والأهداف العامة والخاصة المطلوب تنفيذها .

حلول لبعث الحياة
تطرقنا الى أهم المعوقات والمشاكل الميدانية التي تواجه العملية التربوية في العراق الذي يعيش ظروف عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني من فترات طويلة بالإضافة ما تركته محنة الحصار الاقتصادي من آثار سلبية في بنية العملية التربوية، ويمكننا أيجاد المقترحات والحلول لتلك المشاكل من خلال التوسع في بناء المدارس وفق خطة شاملة لتوسيع بنيات المدارس وصيانتها مع تحديد عدد طلاب الصف الواحد بمعدل لا يتجاوز ( 24 ) طالباً وإنهاء الدوام المزدوج قدر الإمكان، وتخصيص مبالغ من الأموال لكل مدرسة لتجهيز مختبراتها وقاعاتها بوسائل تعليمية حديثة تحددها هيئة الإشراف التربوي، وإعادة النظر ببعض المناهج والمقررات الدراسية المكثفة خاصة بسبب تقليص أيام الأسبوع الى خمسة أيام وعدم أيجاد بديل ناجح لتعويض يوم السبت مما كثف جدول الدروس اليومي الذي أرهق المعلم والطالب، والسعي لتكثيف الدورات التطويرية للمعلمين في مراكز المدن والاقضية كذلك تدريب الطاقات والكوادر الجديدة والشابة وتأهيلها لتحمل المسؤولية التربوية، وإبراز المواهب والمهارات التقنية والبحثية والثقافية لدى أعضاء هيئة التدريس.
ولا بد للبيئة التعليمية من أن تتيح لأصحاب المواهب أبراز قدراتهم وتنميتها وتوجيه وإرشاد الموهوبين ومساعدتهم في التكيف مع النفس والمحيط والأقران وتوفير الأنشطة والبرامج والمناهج التي تعزز وتبرز تلك المواهب والتفوق في مجالات التحصيل الدراسي المتميز او الاستعداد العلمي للابتكار التقني والميكانيكي أو في الجانب الفني التشكيلي أو في صناعة الحرف الشعبية والفلكلورية أو في مجالات القيادة الجماعية والحضور المتميز .وهنا نود التأكيد والتركيز على وسائل التعبير الثقافي في رعاية الموهوبين في مجال الأدب والشعر والخطابة .

نشرت في الولاية العدد 117

مقالات ذات صله