كيف تنمي أخلاقك


هشام اموري
عندما تتمرض الأجساد وتسقم وتبدو عليها علامات المرض من صفرة وشحوب ونحول ووهن، كذلك الحال عينه في خلق المرء فصاحب الأخلاق المريضة (السيئة) تبدو عليه اعراض المرض ومضاعفاته في اشكال متعددة من الضعف الخلقي وتختلف من شخص لآخر من الناحية المرضية ودرجات المرض وكما يسارع المريض للخروج من ازمته المرضية ويبذل الأموال لاسترجاعها بطرق شتى ، كذلك الحال من يجد في نفسه انه معلول خلقيا يمكنه ان يساهم ويبادر للارتقاء الى مراتب العليا والفضيلة.
كالذي ممن تمسك بأخلاق النبوة وتهذب بسيرهم بعد ان كان مراتب الجهل والانحلال الأخلاقي قد اكتسحت اجسادهم فغدوا يروضوا انفسهم شيئا فشيئا الى ان خرجوا من عالم السوء والرذيلة الى عالم الإنسانية.

الاخلاق لغة:
الاخلاق جمع خلق بضم الخاء وبضم اللام وسكونها.
والخلق في اللغة يطلق على معان، قال الزبيدي في تاج العروس: (والخلق) بالضم وبضمتين السجية وهو ما خلق عليه من الطبع، وقال ابن الاعرابي الخلق: المروءة، والخلق: الدين.. وقد ميزوا بين الخَلق بالفتح والخُلق بالضم وان كانا في الأصل واحد كالشراب والشرب ـ ولكن (خص الخلق بالهيئات والاشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة) (المفردات: 158).
إن الخَلق والخُلق عبارتان مستعملتان معا، يقال فلان حسن الخَلق والخُلق، اي حسن الظاهر والباطن، فيراد بالخلق الصورة الظاهرة ويراد بالخلق الصورة الباطنة وذلك لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر، ومن روح ونفس مدرك بالبصيرة، ولكن واحد منهما هيئة وصورة اما قبيحة وما جميلة فالنفس المدركة بالبصيرة اعظم قدرا من الجسد المدرك بالبصر.

تعريف علم الأخلاق:
عبر الطباطبائي في تفسيره عن علم الأخلاق هو الفن الباحث عن الملكات الإنسانية المتعلقة بقواه النباتية والحيوانية والإنسانية وتميز الفضائل منها من الرذائل ليستكمل الإنسان التحلي والاتصاف بها سعادته العلمية فيصدر عنه من الأفعال ما يجلب الحمد العام والثناء الجميل من المجتمع الإنساني.
وقد اشار قدس سره ان ملكات الإنسان الأساسية تتعلق بقوى ثلاث موجودة فيه هي النباتية والحيوانية والإنسانية وان مهمة علم الأخلاق هي التميز بين الصالح والطالح من هذه الملكات ليستكمل الإنسان بالصالح منها سعادته العلمية والعملية.

اهمية مكارم الأخلاق:
ان مكارم الأخلاق هي السبيل الوحيد لكسب ود الناس وحبهم كـ(العفو، التواضع، الزهد ..) وهكذا سائر الصفات الأخلاقية الحميدة التي تعد شرطا مهما لبناء العلاقات الاجتماعية بين الذات والمجتمع فالمرء الذي يمتلك الأخلاقيات الإنسانية الفاضلة يكون عزيزا ومحبوبا في مجتمعه ويكون قادرا على التكييف مع الناس والتآلف معهم على العكس ممن اجتمعت فيه الصفات الذميمة واخلاق السوء فيغدو بها منبوذا من قبل اناس ولا يستطيع تكييف نفسه مع مجتمعه ويظل عاجزا على احراز شخصية مناسبة لنفسه وهذا ما أكده الإمام علي عليه السلام في قوله: (سوء الخلق يوحش القريب وينفر البعيد) (ميزان الحكمة: 1/806) على عكس الأخلاق الحسنة فانها تورث العزة والمفخرة بين الناس كما في قول الإمام علي عليه السلام: (رب عزيز اذله خلقه وذليل اعزه خلقه).
وهناك احاديث عديدة وردت عن أئمة اهل البيت عليهم السلام في فضل حسن الخلق وتدعوا الإنسان ليروض نفسه ويكافح لأجل الوصل الى الدرجات العليا من مكارم الأخلاق لينقل بذلك ميزان اعماله كما في قوله صلى الله عليه واله: ما من شيء اثقل في الميزان من خلق حسن، وقوله ايضا (ما يوضع في ميزان امرء يوم القيامة افضل من حسن الخلق) (ميزان الحكمة: 1/799).

امكانية تغير الأخلاق:
من الأمور التي ادت الى النقاش والبحث هي ان الأخلاق الإنسانية قابلة للتغير ام لا ولأجل هذا كان هناك محورين مهمين في عملية تغير الطباع وامكانية ازالة الخلق السيء ونمو الأخلاق الحسنة.
الرأي الأول فمن يؤيد صعوبة تغير الأخلاق وعدمها مستندا بذلك على ان الخلق هو صورة الباطن كما ان الخلق هو صورة الظاهر فكما لا يقدر التقصير ان يجعل نفسه طويلا والقبيح جميلا فكذلك الخلق الباطن.
ان الرأي الآخر فهو يقصد الرأي السابق ويعطي امكانية ازالة الخلق السيء من صاحبة كما ان النفس تقبل الاتصاف بالكذب فإنها تقبل الاتصاف بالصدق ايضا وبذلك ليس بمستحيل والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا){الشمس/9 -10}، الفلاح هو الظفر بالمطلوب وإدراك البغية والخيبة خلافة الزكاة نمو النبات نموا صالحا ذا بركة، والتزكية انماؤه كذلك ــ والتدسي وهو من الدس بقلب احدى السينين ياء ــادخال الشيء في الشيء بضرب من الاخفاء والمراد بها بقرينة مقابلة التزكية: الانتماء على غير ما يقتضيه طبعها وركبت عليه نفسها (الميزان: 20/299).
تؤكد هاتان الآيتان حقيقة مهمة وهي ان بإمكان الإنسان ان ينّمي نفسه ويكملها من خلال طلبه للأخلاق الحسنة والا لو لم يكن لك مقدور له كما اشارت الآيتان الى فلاح من يزكي نفسه وخيبة من يدسها.
إما الروايات فقد تقدمت الإشارة جملة منها كقوله صلى الله عليه واله: (بعث لأتمم مكارم الأخلاق) وغيرها فهي خير شاهد على امكان الإزالة والتغيير.

مسالك تهذيب الأخلاق:
الطريق الوحيد الذي ينبغي ان يسلكه الإنسان لتجنب مساوئ الأخلاق ورذائلها ويتحلى بمحاسنها وفضائلها ليصل الى تلك الغايات الحميدة التي بعث من اجلها النبي الخاتم صلى الله عليه واله والتي لخصها بقوله (بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها) (الأمالي: 596)، هي تحقيق الغايات الدنيوية عن طريق قناعة الإنسان بما عنده تؤدي الى اكتساب العزة والعظمة في اعين الآخرين والاستغناء عما في ايديهم بخلاف الطمع والشر فإنه يوجب الفقر والذلة.. وعن طريق مدح العقلاء ايضا فإنه مكسب لتطوير الخلق عند الإنسان لأنهم يميزون بين الفعل السيء والفعل الحسن فلأجل ان يثني العقلاء على هذا الفرد ويصير محبوبا في قلوبهم فإنه يقوم بالأعمال الحسنة ويتصف بالصفات المحمودة كالعفة وذلك لكونها سببا للذكر الجميل بين الناس في الحياة والممات، وكذلك تصنع الكرم والجود الذي يوجب ثناء الآخرين ايضا وهكذا في سائر الصفات المحمودة وفي نفس الوقت يتجنب عن رذائل الصفات لكونها سببا في الذم والاستنكار من جانب العقلاء.
وهناك طريق اخر لتهذيب الأخلاق هو الطريق المتبع لدى الأنبياء عليهم السلام والبارز من خلال الكتب السماوية والدعوات الدينية او يعتمد هذا المسلك على الغايات الاخروية فهو يبين المنافع الاخروية والسعادة الأبدية التي تحصل بسبب التحلي بالفضائل والأخلاق الحسنة كما يبين المضار والمفاسد الاخروية والشقاوة الأبدية التي تحصل بسبب ممارسة الرذائل والأخلاق السيئة والقرآن الكريم مليء بذكر الغايات الاخروية كقوله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ){آل عمران/133} وقوله تعالى (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدً){آل عمران/30} وكما ان القرآن ذكر هذه الطرق التي تنمو من خلالها الأخلاق وهناك أحاديث عدة عن النبي صلى الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام اشارت الى هذا المسلك كثير منها قول الإمام الصادق عليه السلام في ثواب صلة الرحم: (ان صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب فصلوا ارحامكم وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام)(الكافي: 2/157).
فالآيات المقدمة والحديث الشريف تصب في مصب واحد وهو تحديد الثواب الجزيل المترتب على الفضائل كما وان القرآن والسنة النبوية مليئة بالتشجع على كل عمل حسن والتحذير من كل عمل قبيح لأن سبب للسعادة ودخول الجنة وقد جمعت الآية ترغيب الناس لفعل الخيرات بقوله تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ){المطففين/26}.
أما المسلك الأخير فهو من فضليات الطرق لتهذيب الأخلاق واكملها لتربية النفس وهو كما يقول السيد الطباطبائي قدس سره عن مختصات القرآن الكريم… ويعتمد هذا المسلك على حب الله والفناء في ذاته المقدسة والانشغال به تعالى عمن سواه بحيث لا يرى هدفا له في حياته الا خالقه والا اصل يريد تحقيقه الا رضاه بصرف النظر عن وجود جنة للثواب ونار للعقاب فهذا القسم من الناس يعتبرون القرب من الله هو الجنة والنعيم والبعد عنه هو العذاب والجحيم كما يقول الإمام السجاد في مناجاته: (يا نعيمي وجنتي ويا دنياي وآخرتي) ويقول: (الهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا ومن ذا الذي انس بقربك فابتغى عنك حولاً) فالمحبون لله حبا حقيقيا يذبون في عبادته وما يقربهم منه ويستلذون بما يرضيه ويستعيذون به من هجرانه والغفلة عنه انهم لا يفكرون في مخالفته فضلا عن الوقوع فيما يسخطه ويعتبرون مجرد التفكير في معصية ذنبا عظيما وجرما كبيراً.
ان هذا القسم من الناس عاشوا حالة العشق لربهم فلا يرون في قلوبهم الا الله والا امل لهم سواه لقد وصل بهم هذا الحب الى عدم الاستقرار منهم مثلا يتمنون حلول الليل عليهم كي يخلون بمحبوبهم ويناجونه ويسهرون في لقائه هؤلاء هم الذين وصفهم امير المؤمنين عليه السلام بقوله: (ينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ويقول لقد خولطوا ولقد خالطهم امر عظيم).
وروي ان عيسى عليه السلام مر على ثلاثة نفر قد نحلت ابدانهم وتغيرت الوانهم فقال لهم: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا: الخوف من النار، فقال: حق على الله ن يؤمن الخائف، ثم تجاوزهم الى ثلاثة اخرين فأذاهم اشد نحولاً وتغيراً فقال لهم ما الذي بلغ بكم ما أرى؟
فقالوا الشوق الى الجنة، فقال حق على الله يعطيكم ما ترجون، ثم جاوزهم الى ثلاثة اخرين فإذا هم اشد نحولا وتغيرا كأن على وجوههم المرايا من النور، فقال ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا حب الله عز وجل: فقال انتم المقربون، وفي رواية قال لهم: (انتم اولياء الله حقا معكم امرت ان اقيم).
نشرت في الولاية العدد 119

مقالات ذات صله