أصالة المنهج الرسالي للإمام علي عليه السلام


الشيخ كاظم النصيري
يستلهم الامام علي (عليه السلام) اطروحته وخطوطه الفكرية العريضة من منهج القرآن الكريم والسّنة النبوية الشريفة لحفظ كيان الامة ووحدتها وصونها من الوقوع في الانحراف ووضع حدَّ للبدع الجاهلية.
وقد حاول معاوية حرف المسيرة الاسلامية عن المنهج الصحيح من خلال ما كان يقدمه من أطروحات مخالفة للقرآن والسنة النبوية ومنهج الامام علي (عليه السلام)، فمعاوية أراد أن يسلب خصائص علي (عليه السلام) لصالحه ولمن يحب من أسلافه، علماً بان هذا العمل تقف أمامه عقبة كبيرة وهي وجود الإمام الحسن (عليه السلام) ولم يكن شيء أثقل عليه من الحسن بن علي (عليهما السلام).
كما ان هناك عقبة اخرى تتمثل (بالجامعة العلمية) والوجود الشعبي الموالي للإمامين علي والحسن (عليهما السلام).

أسلوب معاوية في المواجهة:
لقد اعلن معاوية عن منهجه وخطه المنحرف المعادي للإسلام والقائم على عدم ذكر الامام علي (عليه السلام) بخير والأمر بلعنه والبراءة منه بصفته ملحداً في الدين! وتتبّع شيعته وسجنهم وقتلهم وتهجيرهم ونفيهم(1).
ومن هنا فقد قام بلعن الامام علياً (عليه السلام) على المنابر، ولكن حجر بن عدي (رضوان الله عليه) تصدى لأولئك الذين باعوا ضمائرهم لمعاوية (كالمغيرة وزياد) وقد أشار (زياد) لمعاوية بقتل حجر بن عدي.
والجدير بالذكر أن معاوية لا يمكنه قتل (حجر) بهذه السهولة، لأن حجر (رحمه الله) ابن الثمانين ومن صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) ويتمتع بشخصية معروفة لدى المسلمين، كما انه من خواص اصحاب الامام علي (عليه السلام)، لكن معاوية رغم ذلك أمر بقتله (رحمه الله) مع أنصاره، بدعوى أنه خرج على إتفاق الامة سنة (53هـ)(2) وهكذا ظل معاوية يواصل أعماله الإجرامية في تصفية وجوه المجتمع الكوفي من أصحاب الامام علي (عليه السلام).
لقد بقي معاوية بأسلوبه الغادر يواجه الموالين للاسلام ومنهج أمير المؤمنين، وتنشئة الجيل الجديد على ثقافة قائمة على ابراز فضائل معاوية، علماً بأن معاوية لم يترك فضيلة لعلي (عليه السلام) إلا ووضع مثلها لنفسه حتى أصبح معاوية (أمين الله)(3) ولكن من دون جدوى.

المدائني وظاهرة تحريف الحديث:
والمرجح أن معاوية هو الذي فضل تسمية بدعة لعن علي (عليه السلام) بالسنّة الى ان الغاها (عمر بن عبد العزيز) ولم يقتصر معاوية على سياسة القتل واللعن والسجن والتشريد التي مورست بحق اتباع اهل البيت (عليهم السلام) بل قام بتحريف أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) والأحاديث الصحيحة الواردة عن علي وأهل البيت (عليهم السلام) أو بوضع الأحاديث التي تشير الى فضائله من قبل مجموعة من الرواة الذين اشترى ذممهم.
وينقل المدائني صورة واقعية عن عصر معاوية قائلاً ((ظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنُسُك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم…)) (4).
وقال ابن أبي الحديد: ((… ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في الامام علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير))(5) وقد استمرت هذه السياسة، حيث مات العلم بموت حامليه وبقي الدين الذي شيده معاوية، فهو قد فرّغ الدين عن محتواه عندما غّير الكثير من المسائل والمعالم المتعلقة بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نجد أن (ابن عباس) كان يقول: ((ما لي لا اسمع التلبية في عرفة؟ قالوا معاوية منعها، قال: قاتلهم الله حرّفوا الدين لبغضهم لعلي (عليه السلام)(6).
النتيجة: هناك خطان واطروحتان متعارضتان فالخط الذي يمثله معاوية يسعى الى تشويه الصورة الواقعية للإسلام وتحريف الدين وبمختلف الوسائل المتاحة ومن دون التورع في ارتكاب أبشع الجرائم.
غير انّ هذا الخط لم يُكتب له النجاح لمخالفته كل الاعراف والقوانين فضلاً عن قانون الله وسننه تعالى التي لا تقبل التغيير والتبديل أما خط ومنهج أمير المؤمنين(عليه السلام) فقد شق طريقه بتحقيق جميع الأهداف المرسومة رغْم التضحيات الكبيرة لأنه امتداد لخط الأنبياء (عليهم السلام) والرسالات الإلهية لإقامة العدل وتوحيد الكلمة ونشر الخير والفضيلة في ربوع الأرض.
ولا يخفى أنّ الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) كان قد تنبأ بخصوص عبث بني أمية بالقيم والمبادئ الرسالية والاخلاقية وأنهم سينزون على منبره – لكنها مسألة امتحان وفتنة– وسيغيرون الدين من خلال لعنهم لعلي (عليه السلام) وتحريفهم أحاديث الرسول وان الحسين (عليه السلام) مدّخر لمواجهتهم وإفشال مخططهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- تاريخ ابن عساكر، ج4، ص 336، بحار الانوار للمجلسي، ج10، ص132.
2- مروج الذهب للمسعودي ج2، ص71.
3- المعروف ان الامام علي (ع) كان يُعرف بأمين الله.
4- شرح النهج: لابن ابي الحديد المعتزلي: ج3/ص16.
5- المصدر نفسه ج1، ص358.
6- الغدير: العلامة الاميني النجفي، ج5، ص185.

نشرت في الولاية العدد 120

مقالات ذات صله