دلائل عدالة الله


رياض الخزرجي

1 – الحسن والقبح العقليان:
لابد لنا مبدئياً أن نعرف أن عقلنا يدرك إلى حد كبير (حسن) الأشياء و (قبحها) وهذا هو ما يطلق عليه العلماء اسم الحسن والقبح العقليين.
فمثلاً، نحن نعلم أن العدل والإحسان أمران حسنان، وإن الظلم والبخل أمران فبيحان، وحتى قبل أن يتحدث الدين عن هذه الأمور فاننا نعرفها، على الرغم من وجود أمور أخرى لا تكفي معلوماتنا لادراكها، بل لابد لنا أن نستعين بارشاد الأنبياء والقادة الإلهيين.
ولذلك إذا ما أنكر فريق الأشاعرة المسلمون الحسن والقبح العقليين، وقالوا بأن طريق معرفتهما، حتى في حالات واضحة مثل العدل والظلم، هو حكم الشرع والدين، فانما هم على خطأ مبين.
وذلك لأن عقلنا إذا لم يكن قادراً على أدراك الحسن والقبح فكيف يكون لنا أن نعلم بأنّ الله لا يمنح الكاذب القدرة على الإتيان بمعجزة؟ لكننا إذا أدركنا أن الكذب قبح، ويستحيل صدوره عن الله، أدركنا أيضاً أن وعد الله حق، وقوله صدق، فلا يمكن أن يؤيد الكذب بأن يمنح الكاذب القدرة على القيام بمعجزة.
هنا يمكن الاعتماد على ما ورد في الشرع والدين ونستنتج من هذا أن الاعتقاد بالحسن والقبح العقليين أمر ديني.

2 – ماهو مصدر الظلم؟
مصدر الظلم يمكن أن يكون أحد الأمور التالية:
أ – الجهل: قد نجد ظالماً لايدري أنه يظلم فعلاً، لايعلم أنه يدوس بقدمه حقوق الآخرين، أنه جاهل بما يفعل.
ب – الحاجة: قد يطمع المرء في ما يملكه الآخرون، فيوسوس له الشيطان أن يستحوذ عليها، ولولا الحاجة لما كان هناك ما يحمله على الظلم.
ج – الأنانية والحقد والإنتقام: يحدث أحياناً أن لاتكون الأسباب المذكورة سابقاً هي الدافع على الظلم، بل يكون السبب هو الأنانية أو الحقد أو حب الانتقام، فيعتدي على حقوق الآخرين، أو قد يكون السبب هو حب الإحتكار.
د – العجز والضعف: يحدث أحياناً أن لا يكون المرء راغباً في التقصير بحق الآخرين، ولكنه لا قدرة له على الاتمتناع عن ذلك فيرتكب الظلم.
غير أن هذه الصفات القبيحة والنقائص لاوجود لها في ذات الله المقدسة، لأنه عالم بكل شيء، وغني عن كل شيء، وقادر على كل شيء ورحيم بالعالمين رؤوف، فلا حاجة له بالظلم.
أن الله لا متناهي الوجود، ولا تحد كماله حدود، ولا يصدر عنه سوى الخير والعدل والرأفة والرحمة، ولكنه إذ يعاقب المسيئين فذلك بسبب أعمالهم، كالذين يستعملون المواد المخدرة أو يشربون المشروبات الكحولية، فيصابون بمختلف الأمراض القاتلة نتيجة لذلك.
يقول الله عزوجل: {هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون}(سورة النمل 90)

3 – القرآن وعدالة الله:
يولي القرآن الكريم هذه المسألة اهتماماً كبيراً، إنه في واحدٍ من المواضع يقول: {إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون}(يونس44)، وفي موضع آخر يقول: {إنَّ اللهَ لا يظلم مثقال ذرة}(النساء40)، وفي موضع الحساب والجزاء يوم القيامة يقول: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً}(الأنبياء، 47).
بدهي أن القصد من الموازين هنا هو وسائل القياس، لا الموازين الاعتيادية.

4 – الدعوة إلى العدل:
إن صفات الإنسان ينبغي أن تكون انعكاساً عن صفات الله، بحيث تنعكس صفات الله على المجتمع الإنساني برمته، وبناءً على ذلك فإن القرآن، بقدر توكيده العدالة الإلهية، يؤكد أيضاً سيادة العدل في المجتمع وفي كل فرد فيه، كثيراً ما يشير القرآن إلى الظلم باعتباره سبب فناء المجتمعات البشرية، ويرى عاقبة الظالمين من أفظع العواقب.
في معرض بيان مصائر الأقوام السالفة يطلب القرآن من الناس أن يعتبروا بتلك الأقوام وكيف أنها بسبب ظلمها وفسادها نزل عليها العذاب الإلهي وقضي عليها، فيدعوهم إلى أن يتجنبوا مصيراً كمصائر تلك الأقوام.
يصرح القرآن بأحد مبادئه الرئيسة فيقول: {أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}(النحل،90).
من اللافت للنظر أنه مثلما أن الظلم عمل قبيح، فإن تقبل الظلم والخضوع له عمل خطأ أيضاً في نظر الإسلام، كما جاء في الآية 279 من سورة البقرة: {لاتظلمون ولاتظلمون}.
أن الاستسلام للظالمين يعني القبول بالظلم ونشره وإعانة الظالم عليه.
(سلسلة أصول الدين/ناصر مكارم الدين الشيرازي/ج3/ص17)

نشرت في الولاية العدد 120

مقالات ذات صله