سوق الحويش عبق الماضي.. وزهو الحاضر


تحقيق: علي الوائلي
مدينة النجف الاشرف القديمة عبارة عن أربع أطراف ، هي :طرف المشراق ، وطرف العمارة ، وطرف البراق ، وطرف الحويش. والحويش هو تصغير لاسم « حوش» وهو البيت الصغير وهذه المحلة تقع الان في الجنوب الى الجنوب الغربي لحرم امير المؤمنين عليه السلام أي في قبالة باب القبلة، حيث يشرف سوق الحويش بعتباته على السوق الذي لا يتجاوز طول ممره الرئيس الثلاثة أمتار، وعلى هذه المقربة من ضريح الإمام علي عليه السلام، يوجد أشهر شارع للكتب في المحافظة , وبالرغم من أن مدينة النجف الأشرف تشتهر ومنذ مئات السنين بمكتباتها الخاصة والعامة، بما تحتويه من مخطوطات وكتب نفيسة ونادرة، إلا أن سوق الحويش للكتب بات يحتل، في السنوات الأخيرة، مكان الصدارة بين أشهر وأضخم المكتبات النجفية ذائعة الصيت كما يضم هذا السوق مدارس دينية عدة ويتميز التخطيط العمراني لمدينة النجف الأشرف منذ نشوئها بكثافة البيوت التي تمركزت بصورة رئيسية حول مرقد الامام علي (عليه السلام)، ويعود ذلك إلى العلاقة الروحية التي تربط الناس بالمرقد الطاهر، وتزداد كثافة البيوت كلما اقتربت منه وتقل كلما ابتعدت عنه. ولذلك نلاحظ ان اكثر البيوت متلاصقة، أما الممرات والازقة المؤدية إلى هذه البيوت فتكون في اكثر الاحيان ملتوية وذات اشكال متعرجة، وقد تنتهي بنهايات مسدودة لا مخارج لها اذ تمتد من هذا السوق وتنتهي بتزاحم هذه الدور.

النجف الاشرف من المدن التي اسست لخطاب علمي واسع
يعد سوق الحويش من الاسواق المليئة بالمكتبات ودور النشر على الجانبين ويبين الباحث والمفكر الاسلامي الشيخ غالب الناصر بان سوق الحويش هو سوق الكتب في النجف الأشرف وهي مدينة سماتها وخصائصها تعكس شخصية ومسار امير المؤمنين، مدينة العلم، فهي مدينة الحوزة العلمية ومركز المذهب الشيعي وتنعكس توجهات المدينة وعلمائها وانفتاحهم على الاخر فهذه المدينة مؤسسة للخطاب العلمي ومن المدن التي اسست لخطاب علمي واسع كالخطاب في الفلسفة والفقه والاصول والادب وجميع المجالات للخطاب المعرفي وقد ذكرت في كتب المستشرقين على انها مدينة العلم المطلة على نهر الفرات اما خصائصها فهي خصائص مولانا امير المؤمنين في التنوع المعرفي وفي الاتصال بالله سبحانه وتعالى، وعندما تتجول في السوق تجد الكتاب آت من كل الدول وفي مختلف الاتجاهات والمعارف في الخطاب التاريخي وكل كتب التاريخ موجودة في الخطاب العلمي واكثر الكتب العلمية التي ممكن توفرها تعد مهمة للجامعات فهي موجودة في هذا السوق كذلك في الخطاب الفلسفي فهي مدينة الفلسفة, والفلسفة الاسلامية منفتحة على كل الفلسفات فتجد الفلسفة الفرنسية والامريكية وهي على اتصال بالمعارض الدولية التي تقام في الشارقة وبيروت والقاهرة وغيرها وهناك عدد من الاخوة يشاركون في هذه المعارض وهي منفتحة على جميع المعارف فالحرية التي توافرت بعد سقوط النظام البعثي أهلت هذا السوق بان يكون مستقبل لكل الثقافات والمعارف وعن وعي ودراية في التعامل مع هذه الثقافات.

سوق الحويش متنوع بالمشارب والثقافات.
ويوضح حسين العباسي وهو صاحب مؤسسة العطار الثقافية في محلة الحويش وفي سوقها التراثي بان المدينة ومنذ ان تاسست فهي مدينة العلم والثقافة وتحوي على مكتبات ومؤسسات عدة ومن خلال هذه المكتبات والمؤسسات اسس هذا السوق وكثير من رواده هم من العراقيين ومن الدول العربية والاجنبية وزائري مرقد امير المؤمنين ويضم عناوين متعددة في التاريخ والادب والدين والقانون والسياسة والثقافة والعلوم الاخرى فهو سوق متنوع بالمشارب والثقافات.
ويكمل الناصر ما اشار اليه العباسي بان اكثر الكتب التي تطبع في العالم الاسلامي تاتي الى هنا من المغرب العربي ومن بيروت ومن الخليج فالنجف الأشرف لها موقع مرموق في متابعة الكتاب الجديد ومتابعة الاصدارات اولا باول.
تاتي من كافة انحاء الدنيا لتتبضع من هذا السوق وتنهل من منهله
كما يرتبط حديث الحاج عمار الدجيلي، صاحب مكتبة في سوق الحويش، بمن سبقه حول هذا السوق قديما وحاضرا بانه من الاسواق التراثية في النجف الأشرف وكان فيه العدد الهائل من البقالين والخبازين وفي بداية السوق كانت قيصرية علي اغا في ذلك الوقت وهذا من بعد العهد التركي وكانت تضم القيصرية اثنتين وثمانين مكتبة وتسمى في ذلك الوقت دور نشر اذ ان صاحب كل مكتبة يظهر كتاب ويحققه ويطبعه بالطباعة الحجرية وينشره بين الزملاء والاحبة فيطبع بكمية قليلة وقد أصدرت هذه المكتبات العديد من الكتب التاريخية والمهمة واللغوية والادبية، وبوجود النظام البعثي كانت هناك مضايقات للفكر العام الذي يتحدث عن الاديان والتاريخ وغيرها فمسح هوية المدينة من خلال هذه المحاربة فسفر من سفر وابعد من ابعد وسجن من سجن فاندثر سوق الكتب في ذلك الوقت، والآن عاد العمران الى هذا السوق على طراز الدولة الاسلامية وافتتحت المكتبات الاسلامية والان تاتي من انحاء الدنيا لتتبضع وتنهل من منهله لان سوق الحويش لم يكن متخصصا في شريحة معينة او مذهب معين انما هو لكل الاسلام والمسلمين.

مساجد وحسينيات
اما الحاج عبد الحسين محبوبه وهو مهتم بشان التراث النجفي فيعطي اكثر تفصيلا عن هذا السوق فيشير الى ان سوق الحويش يبتدا من الصحن الشريف وينتهي الى فضوة الحويش الصغيرة وعلى كلا الجانبين مساجد ومحلات وفيه ثلاث حمامات حمام علي اغا وحمام الهندي وحمام علي اغا للنساء والمنطقة القريبة للصحن كالمنطقة القريبة من باب مسجد الهندي الاصلية التي على سوق الحويش وهذه المنطقة تسمى الجيه وتوسعت وكان فيها دور للبويهيين ومدارس دينية وهي موجودة الى الان على بهائها وجمالها وتصميمها وكثير من العلماء لديهم ذكريات في هذه المدرسة
وكذلك يوجد في هذا السوق جامع الانصاري ويحدثنا عنه الحاج نعمة العبودي بان هذا الجامع اسسه الشيخ الانصاري اذ اهدى له تاجرٌ مالا ليبني له بيتا الا انه قام ببناء هذا الجامع بعد ذهاب التاجر وكان يقام فيه الماتم وقد صلى الكثير من العلماء فيه وتم تجديد عمرانه بعد سقوط النظام المقبور ومنذ تاسيسه والى الان تقام فيه الدروس الحوزوية وتخرج منه الكثير من العلماء .
ومن المساجد في المحلة مسجد الحمالين وحول تسمياته المتعددة يذكر لنا حسين السباك وهو صاحب مكتبة على مقربة منه بان هذا المسجد الى الان مسجد صغير ومعروف من قبل اهالي الحويش وله اسماء عديدة والاسم المسجل في الطابو له باسم مسجد ابن مشكور وبعد العام 2003 كان يسمونه مسجد الحويش على اعتبار انه كان باسم مسجد الحمالين غير محبب وكان في السابق يلتقون امامه اكثر الحمالين وايضا تعازيهم في عاشوراء وهو من المساجد العريقة في النجف الاشرف وبخاصةٍ في هذه المنطقة منطقة الحويش واعيد بناؤه لأكثر من مرة على امتداد عمر سوق الحويش الذي يمتد الى مئتين او مئتين وخمسين سنة.
ومن المساجد ايضا التي عرفت بتخريجها للعلماء واساتذة الحوزة العلمية هو مسجد الهندي ولاتزال تقام فيه الدروس الحوزوية حيث يكتظ ومنذ الصباح الباكر بطلبة الحوزة العلمية.

فسيفساء وأراسي وطراز عمراني فريد
ويشير الحاج عمار الدجيلي صاحب مكتبة في هذه المحلة التي تفرعت منه (العكود) حيث نشات فيها الدور الى طبيعة وبناء هذه الدور فيها بان الحويش التي تحوط بمرقد الامير وقد تكونت حويشات عديدة بعدها تكونت الدور فيها وتقدمت هذه الدور والمباني باتجاه الحرم الشريف وهذه الدور في عمرانها في الزمان السابق كانت تصمم من الخشب بثلاثة طوابق او طابقين من الخشب وهو خشب الاشجار الكبيرة ويلف حولها الحبال وهذه الطريقة كانت سائدة في ذلك الوقت والفصال موجود عندما نسميه اليوم (دبل فاليوم ) والبيت كان مفتوحا من الداخل ومغلق من دائر البيت وتحيطه الشناشيل والاراسي حيث كان يشترك في بناء البيت الى جنب البنائين يشترك النجارون والمصممون والحدادون واليد الطولى كانت للنجار حيث يقيم السقف من جذوع الخشب ويوضع اورسي كفاصل وهو شباك كبير يتخذ من ثمانية ابواب او من عشرة ابواب كل باب لها بابين مرتفعين ترفع الواحدة تلو الاخرى ويرتفع بنفس الوقت الاثنان الى اعلى الشباك ويسمى بالاورسي ويزين الاورسي بالزجاج الجميل الرقيق بالوان الفسيفساء ويكون من مادة الخشب الزان والصلب يجلب في البحار والسفن الخاصة ويقطع تقطيع خاص وله الوان كالوان الفيسفساء وكانك عندما تلاحظ الاورسي مفتوح او فيه شيء من الضياء ترى انك تشاهد الوان قوس قزح والوانه الجميلة ويبعث البهجة بهجة النفس الى الناظر اليها لان ضيق المكان يجعل البناؤون والنجارون ان يتفننوا في المكان لضيقه وكي لايشعر الساكن فيه انها دار ضيقة لابل دار واسعة بعمرانها وفنها الجميل المنتشر والموجود في هذه الازقة والاسواق.

السراديب لدرء الحر الشديد
وحول انشاء السرداب اولا في البيت يحدثنا الدجيلي بانه كانت سابقا ولايزال الطقس حار جدا في الصيف وبارد قارص في الشتاء لان ارضية هذه المدينة رملية وكان ولايزال التخطيط العمراني للنجف الأشرف لبناء السكن في المدينة من طابقين او ثلاثة اولهما يحفر السرداب ويبنى بطريقة الاواوين وتعطي ديكورا جميلا وقوة ايضا فكلها اقواس وهذه الاقواس منحنية وقد وضعت لها تصاميم معمارية جميلة وهذا السرداب كان يعطي البرودة يحفر فيه البئر ويخرج منه الماء والبئر لم يكن مغلقا وانما في نهايته يوضع فيه باب وطريق الى بئر الجيران ومن ثم الى الجار الاخر ومن ثم الى ما تسمى النبعية اي ان نزلة النجف الأشرف مرتبطة بهذه الابار، حتى تصلك الى الحافة النهائية او النزلة في النجف وهذا الاستمرار وهذا السير في عملية تخريج الهواء ياتي بالهواء النقي والهواء يمر بالماء ليعطيه عذوبة اكثر وبرودة اكثر ويجمد السراديب لذلك كان النجفيون في الصيف يحتمون فيه من شدة حرارته ولهبه في السرداب .
وأخذت سوق الحويش تسميتها من المحلة التي تقع فيها، في مدينة النجف القديمة، ولم يمنع ضيق مساحتها الشديد، من أن تتسع لكم هائل من العناوين والموضوعات والمصادر العلمية والثقافية والفنية والروائية والحداثية، إلى جانب الكتاب الديني الذي ظل متفردا بالصدارة منذ سنين طويلة.
وبعد أن كان روادها من المعممين وطلاب الحوزة العلمية فقط، أصبح يرتادها طلاب الجامعات، والسائحون العرب والأجانب الذين تستقبلهم المدينة كل يوم، ويذكر أن سوق الكتب في الحويش، تضم أهم المكتبات وأكثرها عرضا للكتب على اختلافها في محافظة النجف، ولعل أبرزها مكتبة الحكيم، ومكتبة أمير المؤمنين.
نشرت في الولاية العدد 120

مقالات ذات صله