أوجه التشابه بين الإنسان والنبات دراسة مقارنة


أ.م.د ابراهيم علي ديوان

شاءت قدرة الله تعالى أن يجعل تشابه بين الكائنات الحية، إذ ان توحيد نشأة هذه الكائنات تدل على وحدانيته وعظمته تبارك وتعالى أحسن الخالقين .
اشار القران الكريم إلى التشابه بين كل من الانسان والنبات إذ قال تعالى (وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ نَبَاتًا)(سورة نوح الآية17)، كما قال تعالى (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ( (سورة النجم الآية 32)، وفي هذه الآية المباركة إشارة واضحة الى أن نشأة الانسان كنشأة النبات, فالنبات يخرج من البذرة على شكل نبات صغير معتمد في غذائه على أمه البذرة، وبعد اكتمال هذه العملية ينفصل تماما عن أمه، وهذا مشابه لما نعرفه عن الانسان عندما يكون جنينا في بطن امه يتغذى عليها، وبعد خروجه إلى عالم الدنيا واشتداد عوده ينفصل عنها ويعتمد على نفسة في عملية التغذية، والجدير ذكره أن كل من الإنسان والنبات يعتمدان في غذائيهما على الأرض، وكلاهما يتنفسان الأوكسجين ويطرحان ثنائي أوكسيد الكربون، وقد تم تأكيد هذه الحقيقة العلمية في عام 1779م.
وفي هذا الصدد أشارت الدراسات العلمية الى ان عملية امتصاص الماء والغذاء اللازمة لجنين الإنسان تتم بوساطة الشعيرات الموجودة في الامعاء الدقيقة للام، ومن ثم تنتقل للجنين داخل الرحم، كذلك الحال بالنسبة للنبات ينتقل الماء والغذاء بوساطة الشعيرات الموجودة على الجدار الخارجي لبذره النبات.
يمر كل من الانسان والنبات في ثلاث مراحل من مراحل النمو، المرحلة الاولى: للإنسان هي مرحلة الطفولة، ولدى النبات تسمى مرحلة الانبات، وكلاهما يمتازان بالضعف وعدم القدرة على مقاومة ظروف البيئة الطبيعية، إذ تبدا هذه المرحلة بعد ان تتم عملية التلقيح او التخصيب بواسطة الحيوانات المنويةتكون عند الإنسان محاطة بالبويضة، وهذا النمط أو التركيب مطابق لنمو انتصاب الشعيرات على سطح بذرة النبات، والتي تعد بمثابه البويضة للنبات، وتحتوي خلايا الأم في الإنسان والنبات على مركب يظهر على شكل حبل يسمى بالحمض النووي والمسؤول عن تصميم مركبات كل منها, وبعد الاخصاب تبدأ الخلايا بالانقسام والزيادة في العدد على شكل متوالية هندسية فعلى سبيل المثال يكون عدد الخلايا في المرحلة الاولى للانقسام(21 = 2)، وتنقسم الخلية الواحدة على خليتين، وفي المرحلة الثانية يكون عدد هذه المتوالية (22 = 4) وبعدها (23 = 8) وهكذا، وهذا النظام شاءت قدرة الله تعالى أن يكون في كل من الانسان والنبات وهذا مصداق لقوله تعالى (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (سورة النمل الآية 88).
أما المرحلة الثانية للإنسان فتسمى مرحلة الشباب، تقابلها مرحلة النمو الخضري للنبات، وكلاهما يمتازان بالنشاط والحيوية ومقاومة ظروف البيئة كارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة، في حين تسمى المرحلة الثالثة للإنسان بمرحلة الشيخوخة، وللنبات مرحلة النضج والتزهير وجهوزية النبات للحصاد والموت للإنسان إلا ما شاء الله تعالى وقد وصف القران الكريم هذه المراحل للإنسان التي تنطبق تماما على النبات إذ قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (سورة الروم الآية54).
يتخلص الإنسان من المياه الزائدة عن طريق الإدرار، وكذلك التعرق من الثغور الموجودة في مسامات الجلد، كذلك النبات يطرح المياه الزائدة عن عملية النتح من المسامات الموجودة في أوراقه وهذه العملية لكليهما تؤدي إلى أحداث توازن الماء والغذاء في اجسام كل منهما، كما تؤدي إلى تلطيف الأجواء والتكيف مع درجات الحرارة.
إن من أبرز أوجه التشابه بين الإنسان والنبات هو وجود مادة حمراء في جسم الانسان يطلق عليها: (هيموغلوبين الدم)، ووجود مادة خضراء في جسم النبات يطلق عليها مادة (الكلوروفيل)، وكلتا المادتان لهما دور أساسي في صنع الغذاء والتنفس لانتقالهما بأوعية وشرايين تنقلها إلى جميع أجزاء الجسم.
قسّم الله تبارك وتعالى البشر إلى شعوب وقبائل للتمييز والتعارف إذ قال تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم} سورة الحجرات الآية13، وهذا ما ينطبق على تقسيم النباتات إلى عوائل وأنماط كنمط المحاصيل الحقلية، مثل: القمح والرز والشعير، ونمط محاصيل الخضروات وأشجار الفاكهة، ومثلما الإنسان يختلف عن إنسان آخر باللون والطول والوزن وغيرها من الصفات الجسمانية والحسية، كذلك النبات يختلف عن الآخر بنفس هذه الصفات.
فضلا عن أن الانسان يملك مشاعر وأحاسيس، ويشعر بالسعادة والغضب، كذلك النبات يمتلك المشاعر نفسها، إذ يشعر بالسعادة والخوف والقلق: وهذا ما أكدته الابحاث العلمية فقد استعمل جهاز يسمى (بوليجراف): تم تثبيت قطبيه على سطحي ورقة سميكة من أوراق نبات الظل بوساطة رباط مطاط، وبعد سقي النبات ومتابعة حركة مؤشر الجهاز فقد تم التوصل إلى أن ذبذبة المؤشر تتطابق تماما مع رسم الذبذبات في قلب الانسان، وهذا ما يؤكد استجابة النبات للماء وشعوره بالسعادة.
فضلا عن ذلك فإن الإنسان أخذ يتكيف مع مظاهر البيئة الطبيعية باستعمال التكنلوجيا، وبناء المساكن، واستخدام أجهزة التكييف، فإن النبات كذلك يستعمل بعض الأساليب للتكيف مع ظروف البيئة الطبيعية، فبعض النباتات تختزن الماء في جذوعها وأوراقها كأشجار النخيل، وبعض النباتات لها أوراق صغيرة أبرية تقلل من استهلاك الماء، وبعض النباتات لها أشواك تحميها من بعض الحيوانات، وبعضها الآخر مغطاة بطلاء شمعي تقلل من تأثير درجات الحرارة وفقدان الماء، وهذا دليل القدرة الالهية لاستمرار التنوع أو التوازن البيئي.
يتعرض الإنسان للإصابة بأمراض متعددة كمرض (التيفوئيد) الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، أو التعرض للإشعاع الشمسي، إذ أن الإنسان يمكن أن يتعرض الى هذا النوع من الأمراض بارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من (48م)، وهذا ما يؤكد أن هناك حداً معين لتحمل درجات الحرارة، الأمر الذي ينطبق تماما على النبات الذي يتحمل حدود حرارية معينة، يطلق عليها درجات الحرارة الصغرى، والمثلى، والعظمى، فإذا تجاوزت درجات الحرارة الحدود الحرارية العظمى يصاب النبات بمرض التسمم الحراري.
ويصاب الإنسان ببعض الأمراض الجلدية كمرض البهاق، والذي يصاب به النبات، كذلك ويطلق على هذا النوع من الأمراض بمرض البياض الدقيقي، ومن أبرز نقاط التشابه فيما يتعلق بالأمراض هو مرض ارتفاع ضغط الدم الذي يتعرض له الإنسان، خاصة في ظل تناول كميات من الأملاح مع الطعام تفوق الحاجة الفعلية، فالحدود الطبيعية للضغط المرتفع عند الانسان تقل عن (120ملمتر زئبقي)، وبتجاوز هذا المعدل يتعرض الإنسان لحالة صحية قد تكون خطرة على حياته، وهذا ما ينطبق تماماً على النبات الذي يتعرض للضغط الآزموزي، نتيجة لارتفاع معدلات الأملاح في التربة التي يزرع فيها، فعلى سبيل المثال إن أقصى تحمل للأملاح لمحصول القمح (8 ديسيمنز/م) بضغط أزموزي يبلغ (2,88 بار)، في حين إذا ارتفعت الأملاح في التربة الى (10 ديسيمنز/ م)، فإنه يصاب بضغط أزموزي يبلغ (3,6 بار) وبهذه الحالة يكون غير قادر على امتصاص الماء والمواد الغذائية في التربة.

نشرت في الولاية العدد 123

مقالات ذات صله