بحر النجف التاريخ والسياحة

تحقيق/ علي الوائلي

من المعالم الطبيعية لمدينة النجف الأشرف هو بحر النجف حيث تحيطه المناطق الزراعية وكذلك الاثرية فيحكي قصص دول قامت وأخرى سقطت والدور الذي لعبه في تنشيط حركة الملاحة والحركة التجارية بين الشرق والغرب وقد ذكر بحر النجف في مؤلفات المؤرخين العرب القدامى والمحدثين وقد اطلقت عليه تسميات كثيرة منذ بداية نشوئه, فضلا عن ذلك أنه واجهة سياحية اذا ما استثمرت بشكل صحيح فهو من المعالم السياحية التي تجذب السياح بشكل دائم.

يؤكد المؤرخ العراقي والباحث الدكتور حسن الحكيم بأن النصوص التاريخية تشير الى قدم بحر النجف وكان له ثلاث مسميات الأول هو بحر الحيرة والثاني بحر بانيقيا والثالث بحر النجف وأن دولة المناذرة كدولة قائمة في حينها لها بعدٌ تجاري وإداري كبير فكانت السفن تأتي بالبضائع من الهند والصين لكن لا تأتي مباشرة وانما تأتي عبر الخليج ثم تدخل إلى منافذ الفرات وعبر منفذ كبير في مدينة السماوة الحالية إلى بحر النجف، وكانت هذه المنطقة مملوءة بالماء في عهد المناذرة والنص يقول إن النعمان بن المنذر يجلس على شرفة قصر الخورنق ويرى حركة الملاحة في البحر وينظر إلى الجانب الآخر فيجد الأرض كلها مغطاة بالزهور الصفراء والحمراء والبيضاء وحينها قال القول المشهور (حافظوا على هذه الزهور لأقطعن كتف من يقطع زهرة واحدة من هذه الزهور) وسميت تلك الأرض باسم خد العذراء وخد العذراء من أسماء النجف الأشرف وكانت تحديدا تقع خلف الخندق الذي يقع اليوم في الحي الصناعي وجامعة الكوفة حيث ان الخندق هو نهاية الحي الصناعي والجامعة, فهذه الأرض حينما يكون وقت الربيع وتكون قد أشبعت بمياه الأمطار، تخرج هذه الزهور الجميلة فتغطي المنطقة, فبقي بحر النجف بالتوالي زمنيا بعد سقوط دولة المناذرة ثم الدول الأخرى، ويضيف الحكيم أيضا بأن هناك نصا جميلا يقول كان سكان البندقية وروما وجنوا وهذه مدن ايطالية يأتي تجارها عبر البحر الابيض المتوسط ثم يدخلون العراق ويصلون إلى بحر النجف فيأخذون بضائع الهند من توابل وعطور وأشياء تنتج في الهند ويستبدلونها ببضائع أوربية، فكان بحر النجف منطقة تجارية ومنطقة تبادل بضائع وهي نقطة مهمة جداً ولدينا نصوص تبين أثر غرق سفن وصناعة سفن فهي منطقة مائية, ويبين الحكيم أن هذا المنخفض الكبير تصب فيه كثير من مجاري الحجاز الجوفية وكثير من مجاري الفرات أيضا ولدينا أقدم نص نذكره هو قضية سفينة النبي نوح عليه السلام وابن نوح حينما طلبوا منه الركوب قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء أي جبل؟ وهو أرض النجف هذا المرتفع العالي آنذاك.
أما أسباب جفاف البحر فيشير الحكيم إلى أن «الحاكم في العهد العثماني أراد أن يفتح نهرا من الفرات من منطقة الحيرة الى النجف، وقد فتح النهر, وسمي فيما بعد باسم الامير غازي وهو الجدول الحالي لكن المفاجأة كانت بأن الأرض تأخذ بالارتفاع وبذلك فإن الماء سيقف عند المنطقة المرتفعة، فالبحر يبتعد ومن الممكن أن نقول من بعد (مغتسل بير عليوي خمسة كيلو مترات ويقف الماء) لأن المنطقة تأخذ بالارتفاع، فاستطاعت الدولة العثمانية أن تجرف جانبا من البحر وهو الجدول في الوقت الحاضر وتقوم بالزراعة، وتمكنت من تحقيق هذا المشروع, أما المنطقة المائية المنخفضة جدا فبقيت على وضعها إلى يومنا هذا فتحول جزء من بحر النجف الى منطقة زراعية وفقد بذلك كمية كبيرة من مساحته. وللبحر أهمية أخرى تأريخية فلو توغلنا عمقا في البادية سنجد من اثار الحيرة أديرة وكنائس وبعض القضايا قائمة هناك وبخاصة بمنطقة مظلوم والرحبة والحياضية ومنطقة تسمى الرهبان وهي مازالت موجودة إلى وقتنا الحاضر وهي كلها بعد المنطقة المائية، فلو امتلكنا وعيا سياحيا لحولنا هذه المنطقة الى سياحة من الجانب المائي والأثري.
أما الدكتور محمد عبد الامير عنوز المتابع للشأن السياحي والمستشار القانوني لوزير السياحة، فيبين أن النجف الأشرف مقصد سياحي حيوي فهي ذات أبعاد تاريخية مهمة في حياة الإنسانية اذ تضم أرضها مواقع ووقائع لها علاقة بالديانات السماوية الإسلامية والمسيحية واليهودية وما قبلها فضلا عن المواقع الطبيعية ومنها بحر النجف اذ يقصد النجف الاشرف ملايين السياح في المناسبات الدينية على مدار السنة بسبب وجود مراقد ومقامات الأنبياء والأولياء والصالحين من الملوك والوجهاء وفي مقدمة تلك الرموز التأريخية ضريح الامام علي بن أبي طالب وبيته في عاصمة الخلافة الكوفة, ويضيف عنوز أنه من المعروف أن النجف يقع في جانبها الغربي منخفض يصل عمقه خمسين مترا يضم الاراضي الزراعية الخصبة القريبة من البحر، والمعالم التاريخية في بحر النجف التي يتطلب جعلها مقاصد سياحية جاذبة للسياح من مختلف انحاء المعمورة لها علاقة بحياة الانسانية بشكل عام وعقائدهم الدينية بشكل خاص, ومن تلك المعالم واقعة الطوفان ومكان صناعة سفينة نوح والجودي الذي رست فيه والجبل الذي أوى إليه ابن نوح وكذلك قبور الباليين اذ كانوا يدفنون موتاهم فيما يسمونها جبال بابل وهي الطارات, لقد كانت منطقة بحر النجف متنفسا كبيراَ لأبناء المدينة وهي كمقصد سياحي مهم في إطار السياحة الداخلية في فصل الصيف وفي المناسبات والأعياد.
إن الاحصاءات السياحية تشير إلى ما يقرب من 25 دولة من دول العالم يقصد سكانها محافظة النجف الأشرف المناسبات الدينية وهذه الأعداد تتزايد وتطول مدة مكوث السياح، اذا ما تم وضع خطة استراتيجية تتساوق مع المعايير الدولية في صناعة السياحة من طرق ومرافق سياحية توفر عناصر جذب للسياح وتوسع من شمولية الصناعية السياحية لتكون سياحة دينية اثرية وطبيعية وتعيد للمواقع التاريخية وجودها وتعرف بالوقائع التي حصلت عبر التاريخ كالجودي مثلا.

فيما يحث أيضا الدكتور عنوز على إعادة بحر النجف إلى ما كان عليه ولو بقدر معين عبر الاستفادة من السيول والأمطار وفتح القنوات من الأنهر القريبة وبناء بحيرة اصطناعية وتوفير الخدمات السياحية كالفنادق والمطاعم والمتنزهات تجعل بحر النجف مقصداً كبيرا لمختلف شعوب العالم وأن صناعة السياحة بامكانها أن تصبح عامل تغيير فعال لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والنهوض باقتصاد المحافظة فلا يجوز اهمال هذه الامكانات الموضوعية والمواقع التأريخية وجعلها عرضة للاندثار أو التجريف بحجة الاستثمار لأن المواقع والوقائع الأثرية هي ممتلكات ثقافية تهم الإنسانية جمعاء يتوجب على أبناء المحافظة حمايتها ورعايتها لتكون شاخصا حيا أمام الأجيال بوساطة تطوير التعليم السياحي ودعم القطاع الخاص وتنشيط المؤسسات والجهات المعنية بهذه الصناعة
فيما توضح أسيل الطالقاني رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة النجف الأشرف أسباب عدم التوجه لجعله مرفقا سياحيا بقولها «إن بحر النجف توقفت نشاطاته بسبب وزارة النفط لوجود عيون للنفط هناك وقد طالبنا مرات متعددة بأن نجعل من هذه المنطقة (بحر النجف) منتجعا سياحيا وهي من الموارد الطبيعية الموجودة الغنية بها المحافظة, وفي السنوات الماضية لم نجد اي اهتمام من قبل الدولة وقدمنا مقترحا ليكون البحر منتجعا ومكانا سياحيا للعوائل النجفية لكن لم يحصل وحاليا طلبنا من هيأة الاستثمار أن تعرض الأماكن التي تستفيد منها العوائل إلى الاستثمار وياتي المستثمرون من اية دولة لاستثمارها افضل مما عليه الآن وكهيأة لديهم اجراءات طويلة للسير بها يعلم الجميع أن الأماكن المحيطة بالبحر غير تابعة لدائرة البلدية وهي تابعة أغلبها لعقارات الدولة والزراعة والموارد المائية أي دوائر ذات سيادة وزارية فهي ليست قضية محلية حتى نأخذ موافقاتها»
مضيفة الطالقاني «كان العائق الوحيد أمامنا هو الأموال وعدم توافرها وبحر النجف لا يمكن العمل به من جهة وترك الأخرى فيحتاج إلى أموال طائلة لذلك أردنا ان تشمل المنطقة الموجودة الآن بالترصيف والأماكن السياحية المرافقة لها فعلى الاقل حين تأتي العوائل تجد أماكن مؤهلة وقد قدمنا مع بداية الدورة للمجلس أن يشمل بحر النجف بالخدمات وأن يكون من المناطق السياحية وحين خرجنا واجرينا كشفا ميدانيا عليه ظهر لنا أن الأموال جدا كبيرة فنتأمل من وزير الموارد المائية القادم أن يعرض هذا الموضوع على رئيس الوزراء» .
زيادة على دعوة الدكتور محمد عنوز وما أوضحته رئيسة لجنة السياحة فإن الدكتور الحكيم هو الأخر طالب بأهمية الحفاظ على الآثار التي تضمها المنطقة بقوله» نحن اليوم نطالب المحافظ والمجلس بأن البقية من بحر النجف يجب الحفاظ عليها لأن الطارات بدأت تسقط وتتهدم وعلى المسؤولين أن يهتموا بهذه الأماكن وأن تسيج وأن ترمم حتى نحافظ عليها ونمنع المتجاوزين كي نعيد الجانب التأريخي للمدينة».
ويشير اليعقوبي الى عديد من الدراسات النفسية منها للمقارنة بين أشخاص في مدينتين مختلفتين منهم يزاولون السياحة المائية وبين آخرين يرتادونها بين حين وآخر. بينت هذه الدراسة أن الأشخاص من النوع الأول لديهم قدرة على ممارسة الحياة من جديد وبقوة وفاعلية أكثر من الآخرين الذين يذهبون اليها في أوقات بعيدة, في وقت آخر أن الزائرين الكرام إلى مدينة النجف الأشرف سيضعون في تقديراتهم الخاصة لزيارة هذه المدينة العريقة ثلاث من التوجهات التي تتعلق بين (الروحية والعلائقية والتجارية والترفيهية), وتنشأ الأجيال عليها بعدما كانت مدينة منحصرة بين الروحية في زيارة حرم الإمام علي (ع) والوفاء العلائقي بوساطة زيارة موتاهم. والعمل التجاري.
وأكد الدكتور اليعقوبي بأن رسم أيدولوجية نفسية اجتماعية معمارية لعلاقة الزائرين من خارج مدينة النجف بهذا الشكل الرباعي التوجه. يصنع منها أيقونة حضارية تدمج بين الدين والرابط الوفائي والتجاري والترفيه النفسي. لتكن مدينة حضارية جامعة بين الدين والدنيا معا.

نشرت في الولاية العدد 124

مقالات ذات صله