سلسلة أمراض النفس (الكِبر)


فاروق أبو العبرة

ذكرنا في العدد السابق صفة (الرياء) كأحد الأمراض الخلقية، أو النفسية، المستهجنة التي يعاب الإنسان عليها ، كونها رذيلة من الرذائل، والآن نتكلم عن صفة سيئة أخرى ألا وهي صفة (الكبر) في السلسلة الأخلاقية موضوعة البحث التي يجب مكافحتها والقضاء عليها.
الكبر: من الأمراض النفسية التي تجعل الإنسان يترفع، ويتعالى على الآخرين، وهذه من ذمائم الصفات وأخبثها، ومن مستلزمات الشيطان، فالشيطان يهتم بها لأنها من صفاته، التي أدت إلى طرده من الجنّة بقوله تعالى: (خلقتني من نار وخلقته من طين)(1)، فاستعظم مقام نفسه، واستصغر مقام آدم(عليه السلام)، فاستحق لعنة الله، بعصيانه أمر الله تعالى، بعدم السجود لآدم(عليه السلام).
فالمتكبر أيضاً عصى أمر الله عز وجل، حين احتقر الناس، واستكبر عليهم. فلا يلومن أحد الشيطان، أو يلعنه، وفينا تجسيدٌ من صفاته، ومظهرٌ من مظاهره.
وسيشمت الشيطان يوم القيامة بالإنسان المتكبر، حين استعظم، وترفع، على أخيه الإنسان، وهو جمع الاثنين معاً، إطاعة الشيطان، وترفعه على الآخرين، فما يمنع أنه سيحشر على صورة شيطانية، والمعيار كما تشير الروايات هي الملكات الحاصلة في النفس.
فالمتكبر أول ما يصاب بصفتين رذيلتين، هما (العجب، والحسد)، فيكونان مدخلاً لصفة (الكبر)، التي تكون أكثر خبثاً منهما، فمثلاً صفة العجب تجعل الإنسان يتوهم بأنه صاحب صفات حسنة، فينتابه الغرور، ويعتقد أن الآخرين لا يمتلكون ما يمتلكه، فيعجب بنفسه، فتكون هذه الصفة طريقاً إلى أن يتكبر، وأما الحسد والحاسد يكون حقوداً وعدائياً نتيجة ابتلائه بالحسد كالفقير حينما يحسد الغني، والجاهل حينما يحسد العالم فيكون من تكبره وسعيه لإذلال المقابل وإهانته، ولا يقولون عنه متملقاً، وإنما حسوداً. ولهذا ورد عن بعض العارفين قولهم؛ إن حالات النفس يصعب التفريق بينها، سواء أكانت سلبية، كالرذائل، والخبائث، أم إيجابية، كالفضائل، وصفات الكمال، وفي الصفات الوجدانية جميعها، ويمكن أن نرى ملامح هذه الصفة وغيرها في الإنسان، الذي هو أقرب تصور له، كالشجرة، جذورها قابعة في باطن النفس، وساقها وأوراقها، حواسه وجوارحه الخارجية، فما يأخذه من الخارج عبر الحواس يبعث به إلى الباطن، وما يكون عليه الباطن، تتشكل منه التصرفات والاعمال الخارجية.
على سبيل المثال المتكبر حينما يتوهم تفوقه، وتقدمه، فإن أفعاله تفضحه، ويظهر غروره، واعجابه بنفسه، من مؤثرات نفسه الخبيثة، التي من خداعها، تجعل المريض يظن أن له مقاماً، وكمالاً، وأن الجميع أدنى منه، فيكون مدعاة للفخر، والاعتزاز، ولهذا يتكبر، ويتعالى ويحصد المفاسد الأخلاقية، والأمراض الروحية، ممّا يسبب ذلك باقترافه الأعمال القبيحة .
وهذه الحالة كحالات أمراض النفس الأخرى، تحول دون وصول الإنسان إلى الكمالات الظاهرية، والباطنية، وتمنع عنه فيوضات حظوظه الدنيوية، والأخروية.
وهذا التوهم ذكره العارفون، وبيّنوا انه من حب الدنيا والشك بها الذي يوجب له الهوان في الدنيا وقد اشار الإمام الصادق(عليه السلام) الى صورة المتكبر في يوم الحساب فقال: (إن المتكبرين يجعلون في صوّر الذل يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب)(2)، وسُئل عليه السلام :(عن أدنى الإلحاد فقال: الكبر أدناه)(3).
إن العز والكبر، لا يليقان بالإنسان الناقص، لأنهما رداء الله عز وجل الكامل، ومن نازع الله رداءه أذله، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله:(العز رداء الله، والكبر إزاره، فمن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم)، وقال أبو عبد الله (عليه السلام): (إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر شكى إلى الله عز وجل شدة حره وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم)(4).
أما الأسباب التي تجعل الإنسان مرتع لهذه الصفة الخسيسة، فهي كثيرة منها الحسب، والنسب، والجاه، والمناصب، والترأس، أو ممن يملك الجمال، أو من بيده الأمر والنهي، فلضعة نفس المتكبر، يرفض مجالسة الفقراء، ولا يسمح لهم بالكلام معه، أو لقلة صبره وصغر عقله، يقدم نفسه في المحافل والمنتديات، فيظهر تعاليه في مشيته، وفي نظراته، وفي أحاديثه فيتفاخر، ويتباهى، ويزكي نفسه، ويطعن في أقوال الآخرين، ويقلل من شأنهم، وما إلى ذلك من حركاته وسكناته المرفوضة.
ويمكن أن نذكر مثالاً فيما يفكر به المتكبر، فلو تمتع مثلاً بالعلم، أحد طلبة العلم، وفيما يقابله من يدعي العلم من المتكبرين، لنظر إلى الناس باحتقار، ووصفهم، وهذا خلاف تعاليمنا الاسلامية وسلوكنا السوي.
والحكمة في الواقع هي نجعل القلب محل تجلي أسماء الله تعالى، وصفاته، في المكارم، والمحامد، والفضائل، ليزيل عن نفسه الاوهام والتلوث، فلا وجود لعلم يدعو إلى التكبر، وما قيمة العلم بلا عمل.
أما طرق معالجة التكبر فهي: أن تكشف للمتكبر حقارة الدنيا، وتفاهتها، وأنه العاجز، الضعيف في هذا العالم، وأنه سائر حتماً إلى الاضمحلال، وأن جميع مراحل حياته مهما بلغت هي إلى زوال، وألا يصدق جمالها، ويكذب أي نعيم فيها، فلِمَ يتكبر إذن!!؟
نعم من له سلطان كسلطان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، في عظمته، وروحه، زعيم الدنيا والآخرة، نراه يكره أن يقوم له أحد، أو يتصدر مجلساً، أو يتميز بجلسة بين أصحابه، وكان يتناول طعامه كالعبيد يجلس على الأرض مع الفقراء، والمساكين، وبيده يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويطحن، ويعجن مع خادمه، ويحمل متاعه بنفسه، وكذا وصيه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، هكذا العظماء الحقيقيون، فلو كان للتكبر محلٌ أو مكانة، لكانا هما الأولى به حاشاهما من ذلك.
نعم إن النفس قابلة للإصلاح، في قلع جذور التكبر، إذا عقدت النية الخالصة، في مكافحة هذا المرض الخطير فلا بد من ان نعارض أنفسنا من بعض ميولاتها غير السوية التي تؤدي الى التكبر بل نجبرها على ذلك فضلاً عن التنزل من أبراج العلو التي وضعها الشيطان لنا لنظمن النجاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأعراف/12 .
2- أصول الكافي: م2/ح11 باب الكبر .
3- أصول الكافي : م2/ح1 باب الكبر .
4- وسائل الشيعة: م11/ح6 باب الكبر .

نشرت في الولاية العدد 124

مقالات ذات صله