الإمام علي (عليه السلام) والإعلام الأموي المعادي

أ.د. نـجم عبدالله الموسوي

يوصف الإعلام (The media) واحدة من أهم الوسائل التي استعملت قديما وحديثا في التأثير على الفرد والمجتمع إما تأثيرا سلبيا أو تأثيرا إيجابيا، فكان الإعلام والدعاية المضادة أهم أداة للمتخاصمين في الانتقاص من الطرف الآخر، وبيان مدى ضعفه وهوانه للنيل منه وتضعيفه، وكان العرب قبل مجيء الإسلام يلجؤون إلى الشعر والشعراء بوصفهما أهم وسائل الإعلام، وإشاعة الإخبار فتصاغ ما لدى كل طرف من أفكار وآراء على شكل أبيات شعرية وتذاع على ألسنة الشعراء، ويتداولها الناس فيما بينهم.

ومن أهم وظائف الإعلام الهادف والحقيقي هو إيصال الحقيقة المطلقة إلى الآخرين من غير تلاعب أو تشويه أو التباس، إما الإعلام اللاهادف واللامنصف فمهمته قلب الحقائق وإعادة صياغتها وتضليلها وتشويهها وإيصالها بصورة معكوسة ومقلوبة.
وسائل الإعلام لها السطوة الكبيرة على سلوك المجتمعات فقد يتأثر الفرد أو مجموعة أفراد بما تعرضه هذه الوسائل من أفكار وآراء وأحداث ومواضيع عرضت بوسائل وأساليب جديدة مقنعة ظاهريا أو بأطر سيكولوجية تؤثر على فكر الفرد والمجتمع وجعلهم يتفاعلون مع هذه المادة المعروضة، ثم خلق القناعات لديهم مع علم الأفراد والمجتمع بان ما يعرض لا يتلاءم مع منظومته الفكرية والأخلاقية والتربوية.
تجدر الإشارة إلى أن الدول الحاكمة ولاسيما المتجبّرة تسخّر كل الامكانات الإعلامية وتستنفر طاقاتها كافة لبيان أفكارها وإعطائها صفة شرعية وكأنها ذات منهج حق، فيكون الإعلام وسيلتها الخالصة لتحقيق هذه المآرب وهذه الأهداف.
نظرة سريعة للدولة الأموي منذ تأسيسها استنفرت طاقاتها الإعلامية كافة في إعطاء الصفة والسمة الشرعية لها وخلق تبرير شرعي ومناسب ومعقول في ذهنية المتلقي لأفعال هذه الدولة وتصرفاتها وكونها تصرفات رشيدة وحكيمة ومناسبة ولا يجوز الاعتراض عليها، وهنا نود بيان بعض الأساليب المتبعة في الإعلام الأموي، منها:
1. تهويل وتضخيم شخصية معاوية بن أبي سفيان، وجعله ذاك الإنسان المؤمن الورع والخليفة المتزن، إذ ألصق به الإعلام الأموي صفة خال المؤمنين، وبذلك ألبسه الإعلام الأموي ثوبا غير ثوبه، وعمل على تجميل صورته وتأريخه الأسري المعروف.
2. إقران اسمه باسم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وتسخير أقلام الكتّاب والمؤرخين والمحدّثين، كون الإمام علي (عليه السلام) خليفة لشطر ومعاوية خليفة للشطر الآخر، لذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينزعج من اقتران اسمه الشريف باسم معاوية إذ يقول (عليه السلام): ( أنزلني الدهر.. ثم أنزلني.. فقيل علي ومعاوية) والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة. نهج البلاغة ص 381.
3. إن وسائل الإعلام المختلفة أصبحت اليوم قائمة على أسس نفسية وعلمية وفكرية وليست عفوية أو اعتباطية، بل مدروسة ومخططاً لها، ويقف وراء عدد منها صنّاع وذوو غايات، بل إنها مسيرة باتجاه من ورائه من يروم شيئاً معيناً، فكل مجتمع له خطاب خاص به على وفق رؤية الإعلام الجديد، ولكل مجتمع ثغرات خاصة يتخذها أولوا الإعلام منفذا لهم لنفذ رؤاهم ومفاهيمهم وأفكارهم وتحقيق أهدافهم وغاياتهم.
4. إن وسائل الإعلام جعلت الفرد في المجتمع الإسلامي على سبيل المثال – والذي يعيش في ضمن نسق ديني وأخلاقي وعرفي معين – جعلت منه مطّلعا على كم هائل من الأنساق والنظم الأخرى التي قد تعرض له بطريقة مشوقة ومحببة وجذابة، وبذلك تتزاحم في ذهنه الأضداد، وربما تولد لديه ميول واتجاهات نحو المعروض الجديد الذي يسلبه ما لديه من تراث أخلاقي وتربوي، ويأخذه من الأصالة والرصانة الأخلاقية والفكرية والتربوية إلى العبثية، واللانظام، واللاقيم، واللااخلاق.
5. توجيه الإعلام بصورة مخططة ومدروسة وذات غايات وأبعاد متعددة الاتجاهات، لغرض تحريك الفرد أو المجتمع نحو موضوع معين أو تثبيط عزيمتهم، وبذلك يشن الإعلام هجوما غير مسلح على عقلية وذات ونفسية وروحية الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، ثم يحقق الأجندة المرسومة في تسهيل انقياد وانصياع المستهدف، وتحويل إلى كائن مسلوب الإرادة والسيطرة على عقله وجعله يعيش في ضمن دائرة اللاشعور.
6. اعتماد الحروب النفسية كمبدأ مهم من مبادئ الإعلام بوسائله ومؤسّساته الحديثة، ولاسيما بين الدول والمجتمعات التي تعيش حالة الحرب الباردة، فكل مؤسسة إعلامية تحاول أن تجعل الحرب النفسية والدعاية نقطة انطلاق في مواجهة الآخر والنيل منه على الأصعدة كافة، السياسية أو الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية وغيرها.
7. العمل على زعزعة الأفكار المترسخة في ذهنية الفرد والمجتمع بالأمور المسلّمة لديه، ولاسيما الأمور العقائدية، وهذا مانراه واضحا هذه الأيام من شن هجمة شرسة على الدين الإسلامي الحنيف، والترويج للإلحاد، أو شن هجمة على أتباع أهل البيت (عليه السلام)، بوساطة إثارة مواضيع قد تبدو لعامة الناس أنها مثار الجدل، أو خلق حالة تشكيك لدى العامة بما لديهم من أطروحات عقائدية ودينية.
8. عمل وسائل الإعلام المعادية على إبعاد المجتمع المسلم عن المنظومة الدينية وعن القيم التربوية الأصيلة والأعراف الاجتماعية الجيدة، ومحاولة إيجاد بدائل لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات الإسلامية المؤمنة بحجة وذريعة أن الجديد عصري وحضاري وهادف، وتسويقه بصورة إعلامية دعائية محببة.
9. إشعار المجتمعات الإسلامية أن سبب تدهورها وما آلت إليه الأوضاع فيها هو تصدي أصحاب الدين للمناصب القيادية، أو إعطاء صورة مشوهة عن الدين الإسلامي، بحيث يحاولون إيصال الفرد إلى رؤية وقناعة جديدة هي: إن كل مشكلات البلدان الإسلامية، بسببها الدين، وكأنما الدين هو السبب في الأوضاع التي تعيشها البلدان الإسلامية ويملون على ذهنية الفرد والمجتمع بضرورة الابتعاد عن الدين للتخلص من كل هذه المتاعب والمصاعب، وللأسف قد ينصاع وراء هذه الأفكار بعض الضعفاء في بنيتهم الفكرية والذهنية والعقدية.
10. حرف الحقائق عن مجراها السليم وتحويلها إلى وجهة أخرى غير وجهتها الحقيقية، ومن ثم تضليل الرأي العام للمجتمع عن المفاهيم والمعطيات الحقيقية، وقيادة تفكير الفرد والمجتمع إلى مناطق قد تكون معاكسة للحقائق تماماً، ومثال على ذلك: عندما استشهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وصل الخبر إلى أهل الشام أن علياً استشهد في محراب صلاته في صلاة الفجر، تسائل الكثير منهم أكان علي يصلي؟، هذا ما فعله الإعلام الأموي في إعطاء صورة مشوهة عن الأمام علي (عليه السلام).
11. تشويه الصورة الحقيقية للواقع أو إعطاء تبريرات تبدو في الظاهر مقنعة لبعض الأخطاء السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية واكسائها بثوب التسويغ لإعطائها صفة شرعية، ومثال على ذلك ما حدث عندما جعل معاوية بن أبي سفيان سبَّ عليٍّ(عليه السلام) على المنابر سمة أساس بعد الصلاة واستمرت هذه الحال ما يقارب 70 عاما إلى أن منعها عمر بن عبد العزيز فكان المصلون يعترضون على من لم يسب علياّ بعد الصلاة ويقولون له: أيها الإمام لا تنسى السنة، فكأن سبَّ عليٍّ (عليه السلام) سنة حسنة على رأي أهل الشام آنذاك وهذا بسبب الماكنة الإعلامية الأموية.
12. جعل الفرد أو المجتمع يعيشان في مأزق الاضطراب الانفعالي والقلق حيال بعض الأمور وزعزعة شخصيتيهما ونفسيتيهما وربما الاختراق النفسي والذي يؤدي إلى الانهيار والضعف والاستسلام والشعور بعدم القدرة والاستطاعة على مواجهة الأمور الصعبة، وهذا ما وجدناه فعلا هذه الأيام بوساطة الحرب الواقعية الداعشية والحرب الإعلامية العالمية الداعشية التي شنت على العراق، لكن الله سبحانه وتعالى وفيوضات أهل البيت (عليه السلام) على هذه البلاد المقدسة وحكمة سماحة الإمام السيستاني(دام ظله) وتضحيات الأبطال من رجالات العراق أحبطت كل هذه المحاولات وأعادت العزة للعراق أرضا وشعبا.
13. زرع حالة الكراهية والعدوان والحقد بين الأفراد أو المجتمعات أو الأديان أو الطوائف أو القوميات (إثارة النعرات) لأجل إدامة الصراعات وتضعيف المقابل وإشغالهم فيما بينهم وتمرير المخططات والأهداف المرسومة أي استغفال الأطراف المتنازعة وتحقيق المآرب المقصودة.
14. محاولة نقل تقاليد وصفات وسمات غريبة عن فكر الفرد والمجتمع الإسلامي، بل العمل على تجميلها وإظهار القيم الجديدة بمسميات وعناوين برّاقة تجذب الفرد، مثلا الترويج لمبدأ الانحلال الأخلاقي والاختلاط الجنسي تحت مسمّى حرية الفرد، أو محاربة الكبت النفسي والجنسي للفرد، أو تبرّج المرأة تحت مسمّى إظهار الجمال والأنوثة وحرية المرأة وهكذا.
15. خلق رموز اجتماعية جديدة لكن من منطلقات مختلفة تماماً عن الواقع الإسلامي الهادف، وجعل الفرد يتأثر بهذه الرموز المصطنعة وما تحمله من أفكار وتصرفات ونسق أخلاقي، مثلا خلق رمز للغناء والتمثيل أو الفن أو الرياضة وإعطاؤهم أكبر من حجمهم الطبيعي، وإظهارهم بالمظهر المؤثر، وكأن سلوكهم هو الصحيح، الأمر الذي يؤدّي إلى تأثر الفرد أو المجتمع بهم وبتصرفاتهم وسلوكهم مع كونهم أنموذجا سلبيا يغاير تفكير الفرد المسلم أو المجتمع المسلم.
16. تقليص الفجوة بين الرجل والمرأة، ومحاولة خلق نقاط التقاء ليست شرعية بعنوان الزمالة أو الصداقة، وهذا عكس الواقع الإسلامي الذي نشأ وترعرع عليه الفرد والمجتمع المسلم، بوصفه نظام الهي يحترم الرجل والمرأة، ويقدس العلاقة الشرعية بينهما.
17. تحريك الغرائز الجنسية لدى الآخرين عن طريق ما يعرض من صور وأفلام إباحية، لجذب الفرد أو المجتمع من حالته الروحية المستقرة إلى حالة البهيمية والحيوانية ورذيلة الشهوات غير المقيدة، واستعمال أسس علم النفس الإعلامي والدعائي في هذا المجال.
18. اعتماد مبدأ شراء الذمم من الآخرين، وتسليط الضوء على بعض الشخصيات المحسوبة على الدين (وعرضهم بزيهم الديني) كما في الترويج لأفكار ليست متدينة، أو للانتقاص من الدين أو المذهب، أو تشويه بعض الأفكار الإيجابية الراسخة في ذهنية الفرد والمجتمع.
وختاما نرى من اللازم على الفرد وأبناء المجتمع عموماً أن يكونا حذرين تجاه ما يعرض لهم، ومن الواجب التعامل بوعي وانتباه وشعور وتحليل المواقف مع كل ما يعرض ولاسيما من الجهات المعادية والمغرضة والكارهة، وعدم الانسياق وراء التضليل والكذب والتهويل الإعلامي، وأذكر قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ((لا تنظر إلى من قال ولكن انظر إلى ما قال))
جواهر المطالب :ج1-ص5.

نشرت في الولاية العدد 126

مقالات ذات صله