لماذا… ذِكرُ عليّ وحبّه عِبادة؟


م.م. هاشم محمد الباججي

العبادة هي الخضوع لله تبارك وتعالى، والخضوع له، هو الخضوع التذللي له عزّ وجلّ وهو أعلى الأعمال وأسماها، فالاعمال تتفاوت من حيث ثوابها، و من حيث قربها من الله عز وجل، فإذا كان العمل عبادة كان أقرب إليه، وأكثر ثواباً من غيره، والعبادة هي العمل الذي يكون خضوعاً وتذللاً للباري تبارك وتعالى.
والعبادة إقامة لذكر الله قال الله عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ فذكر الله هو العبادة، ومن أستحضر الله في ذهنه، فهو يتصور الله، يتصور قدرة الله، يتصور حكمة الله، فيخترع لهذه المعاني التجريدية الغيبية صورة في ذهنه، وتكون بصورة نور، او بصورة جمال، او بصورة رحمة، او بصورة عطف، أوبأية صورة كانت – استحضار صورة الله هو ذكر لله، وذكر الله عبادة، فالمراد بالعبادة ذكر الله، ومن هذه المقدمة نأتي عن ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) (ذِكْرُ عليّ عبادة)، وهنا يريد أن يقول النبي المصطفى (صلى الله عليه واله) بأن ذكر علي(عليه السلام) يوصلنا إلى ذكر لله، فالعبادة ذكر الله، وعندما نستحضر فضائل علي (عليه السلام) وخضوعه لله وتفانيه في ذات الله وإخلاصه وسائر صفاته وحياته التي كانت وقفا لله، تعالى فهو بالتأكيد يذكّرنا بالله، ومن هنا كان ذكر علي (عليه السلام) عبادة.
ومن ناحية ثانية أن ذكر علي (عليه السلام) وحبه هو إحياء لسنة رسول الله (صلى الله عليه واله)، لأن علياً (عليه السلام) على الحق دائما وأبدا، وهو على الصراط المستقيم، والذي لا يخالف سنة رسول الله (صلى الله عليه واله) ومنهاجه قيد أنملة ، فقد جاء عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله): (علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار) والحق هو الله وسنة نبيه، إذن ذكر علي إحياء لسنة رسول الله (صلى الله عليه واله)، ولأن علياً (عليه السلام) هو الممثل لسنة رسول الله (صلى الله عليه واله)، وبنهجه العلوي الذي امتد في أبنائه (عليهم السلام) من بعده إلى الامام الحجة (عجل الله فرجه)، هو إحياء لسنة النبي الأعظم (صلى الله عليه واله)، وإحياء لذكر عليّ (عليه السلام)، وإحياء لمنهج علي (عليه السلام)، و من هنا جاء هذا الحديث الشريف (ذكر علي عبادة)، و لأن ذكر علي إصرار على إحياء منهج رسول الله (صلى الله عليه واله)، إذن فذكر علي (عليه السلام) هو إحياء لسنة رسول الله (صلى الله عليه واله) وإحياء لذكر لله، فذكر علي عبادة.
إن هذا الرصيد الوجداني الذي أقره النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) لعلي (عليه السلام)في سنته ومنهاجه للمسلمين، في قلوبهم وعقولهم بوساطة النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضل علي (عليه السلام) وإمامته، ثم دعمها بالواقع العملي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم بوساطة مشاهداتهم، ووقوفهم على ما حباه الله به من ألطاف إلهية، وإحساسهم بعمق وجدانهم أنه من صفوة خلق الله، ومن عباده المخلصين، وأنه (عليه السلام) لا يريد بما بذله من جهد وجهاد في مسيرة الإسلام إلا رضا الله سبحانه، وحفظ سنة النبي الأكرم (صلى الله عليه واله)، ومسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس أمام صراع مع النفس والوجدان والضمير، وسيرون أنهم في ذكرهم لعلي(عليه السلام) ووقوفهم بجانبه إنما هو وقوف مع ما يريده الله تعالى ونبيه الكريم (صلى الله عليه واله)، على عكس الذين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم من بنيان..
فالقضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد من إدراكها على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر قد يكون سبباً في التساهل عند رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
إنّ المضامين التي أشرنا إليها آنفاً تمثل خلاصة النصوص الاِسلامية المعبّرة عن فضل حب علي (عليه السلام) وذكره وخصائصه وعلاماته، التي تتجسّد أيضاً في الأحاديث الواردة في حب أمير المؤمنين (عليه السلام) باعتباره علامة لحبّ الله تعالى ورسوله الكريم.
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (عنوان صحيفة المؤمن حبُّ علي)(1)
وقال (صلى الله عليه وآله): (براءة من النار حبُّ علي)(2)
وقال صلى الله عليه وآله 🙁 يا علي، طوبى لمن أحبك وصدّق فيك، وويل لمن أبغضك، وكذب فيك)(3)
إنّ حبّنا لاَمير المؤمنين وذكره (عليه السلام) لم يكن اعتباطاً، بل هو من صميم العقيدة الاِسلامية ومن أهم مسلماتها، وقد وردت نصوص الحديث وهي تحمل دلالات هذا المبدأ وأبعاده وأسبابه، ولو تأملنا هذه النصوص لتبين لنا صدق هذه المحبّة وعمق أساسها لأنها أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه الأكرم (صلى الله عليه واله)، فقد ورد عنه (إنّ الله أمرني أن أحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: عليّ منهم، عليّ منهم، يكررها ثلاثاً، وأبو ذرّ، والمقداد، وسلمان أمرني بحبّهم)(4)
وتكرار النبي(صلى الله عليه وآله) لاسم أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاث مرات يعرب عن مدى اهتمامه بهذا الأمر، والأمر بمحبة أبي ذر والمقداد وسلمان هو فرع من محبة أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ ذلك لاَنّ هؤلاء الصحابة (رضي الله عنهم) كانوا المصداق الحقيقي لشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومحبيه والسائرين على منهجه، وسيرتهم تكشف عمق إخلاصهم وولائهم له.
وكذلك حديث الطائر الذي يثبت أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أحبُّ الخلق إلى الله، فقد روي بالإسناد عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) طير أُهدي إليه، فقال: (اللهمَّ ائتني بأحبّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير) فجاء علي فرددته، ثم جاء فرددته، فدخل في الثالثة، أو في الرابعة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): (ما حبسك عني؟، قال: والذي بعثك بالحق نبياً، إني لأضرب الباب ثلاث مرات ويردني أنس).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لِمَ رددته؟ قلت: كنت أحبُّ معه رجلاً من الاَنصار، فتبسّم النبي (صلى الله عليه وآله)(5).
وحديث الراية دليل آخر على محبة الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين(عليه السلام) التي توجب علينا محبته والتمسك بولايته والسير على هديه ، والراية هي راية خيبر، إذ بعث بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر، فعاد ولم يصنع شيئاً، فأرسل بعده عمر، فعاد ولم يفتح(6)، وفي رواية الطبري: فعاد يجبّن أصحابه ويجبّنونه(7)، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم، فقال: ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله ، كرار غير فرار) وفي رواية: ( لا يخزيه الله أبداً، ولا يرجع حتى يفتح عليه)(8) وقال (صلى الله عليه وآله): (من أحبني فليحبّ علياً، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزَّ وجلّ، ومن أبغض الله أدخله النار)(9)
وغيرها الكثير من الأحاديث التي تثبت ارتباط حبّ علي(عليه السلام) وذكره بحب الله تعالى وحب نبيه (صلى الله عليه واله)، وممّا تقدم تبين أن محبة أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكره تفضي إلى محبة الرسول (صلى الله عليه وآله) ومحبة الله سبحانه وذكره، وذلك غاية ما يصبو إليه المؤمنون بالله ، ومنتهى أمل الآملين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ بغداد ج4 :ص 410 . والجامع الصغير، السيوطي 2 : 182 | 5633 ، دار الفكر ـ بيروت ط1 .
2- (المستدرك على الصحيحين 2 : 241 ).
3- (المستدرك على الصحيحين 3 : 135 . وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وتاريخ بغداد 9 : 71 . والبداية والنهاية 7 : 355 .
4- (سنن الترمذي 5 : 636 | 3718 . وسنن ابن ماجة 1 : 53 | 149 . والمستدرك على الصحيحين 3 : 130 . ومسند أحمد 5 : 351 .
5- (سنن الترمذي 5 : 636 | 3721 . والخصائص | النسائي: 5 . وفضائل الصحابة | أحمد بن حنبل 2 : 560 | 945 .
6- (الكامل في التاريخ 2 : 219 . وأُسد الغابة 4 : 104 و 108 . والخصائص | النسائي : 5 . والبداية والنهاية 7 : 336 .
7- (تاريخ الطبري 3 : 93 . وصححه الحاكم في المستدرك 3 : 37 ووافقه الذهبي ).
8- (صحيح البخاري 5 : 87 | 197 ـ 198 و279| 231 باب فضائل الصحابة . وصحيح مسلم 4: 1871| 32 ـ34.
9- (تاريخ بغداد 13 : 32).

نشرت في الولاية العدد 127

مقالات ذات صله