معاني الصلاة وشمولها

عمار كاظم عبد الحسين – دولة الكويت

الإنسان خليفة الله في الأرض، وخلافته تؤهله لاستثمار جميع طاقات الكون، ولهذا فالإنسان في حاجة إلى روح متبلورة خالصة، ليعيش بها في رحاب الله ويسبح بصفائها في عظمة ملكوته عز وجل، فتصبح أنفاسه تهليلا، ونظراته تكبيرا، وخفقاته حمدا وشكرا، ولكنه في حاجة أيضا إلى جسم صالح يستجيب لما تمليه الروح، ويساير ما ترسمه له معطياتها في الحياة، ليتمكن من وراء ذلك أن يؤدي واجبه، ويقوم بدور الخلافة في أرض المادة بشكل متكامل، ولهذا فقد كان انسجام الروح والجسد في فرائض العبادات الاسلامية هو من خصائص شمول هذا الدين وصلاحية تطبيقه في شتى المجالات.

يبدو وضوح هذا الانسجام في عملية الصلاة، هذه العبادة التي كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، إنها تحكي بحكمة التوقيت وطريقة الأداء، تحكي قصة الشمول بجميع خصائصها، ففي الوقت الذي كان من الممكن فيه أن يجمع التشريع بين الصلوات الخمس في بداية النهار أو يحصرها في نهايته مثلا فيتحتم على العبد أن يعيش ساعات نهاره من معطيات ساعة جمعت بين الفرائض، نعم مع إمكان هذا وزّع التشريع الإسلامي الصلوات الخمس في أوقاتها رعاية لمتطلبات الروح والجسد ومواكبة منه لما تمليه طبيعة كل منهما.
إن الصلاة مناجاة بين العبد ومولاه، وهي سر الحياة وراحة القلب ونور الوجه، بل نور في كل شؤون الدنيا والآخرة، وتسليم الله تعالى وسلام على عباده الصالحين في الأرض وفي السماء أحياء وأمواتا، وإيمان يستقر في القلوب وعافية للأبدان، وشفاء من كل داء، وكفى بهذا الشفاء تكراره في كل ركعة.. فالمصلي يكرر فاتحة الكتاب في كل ركعة في الفرض وفي النفل على السواء، الصلاة زكاة النفوس، والزكاة معها الزيادة والبركة والنماء.. ألا نرى أن الصلاة للإنسان بركة، فالمصلي مبارك أينما وحيثما وجد، والمصلي كذلك ينمو ويزيد، ينمو علمه ويزيد بره، ويزداد ولده، قال تعالى: «وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا» (مريم/ 31). أي مدة دوامي حيا.
يقف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم ليصف الصلاة للمسلمين، فيقول: «أرأيتم لو أن أمام دار أحدكم نهرا يغتسل فيه في اليوم خمس مرات هل يبقى عليه شيء من الدرن؟!». والدرن يعني الوسخ، إن هذا التشبيه هو تقريب للغاية التي من أجلها وضعت الصلاة: انها (مغتسل).. (حمام).. (مطهرة).. فكما أنك في الحمام تزيح عن بدنك كل ما يعلق به من أوساخ ونجاسات وقاذورات، فكذلك الصلاة، فهي حمام روحي يطهر النفس مما علق بها من ذنوب وآثام.
حديث آخر يصف الصلاة بأنها (معراج) أي سلم، حيث يقول الحديث الشريف: «الصلاة معراج المؤمن»(مستدرك سفينة البحار: 6/343). فكما يمكنك أن تصعد إلى الأعلى بارتقاء سلم، كذلك تفعل الصلاة في السمو بروحك الى الآفاق العالية المتحررة من أسر القيود المادية، إن ارتقاء الروح في الصلاة يعني ارتقاء الشخصية في مدارج الكمال، فترى عقلها مضيئا بمعاني الصلاة، وقلبها شفافا بحب الخير وأعمالها تنحو نحو الصلاح والاستقامة، وتذكر أنه كلما صلى دعا الله تعالى أن يمكن روحه من العروج في طريق الهداية: «اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» (الفاتحة/ 6-7).
للصلاة أثر قوي وفعال في شفافية الروح ونقائها من كدر المعاصي، وشوائب الذنوب، وتفتح طريقا معبدا لمناجاة الله تعالى.. فالصلاة سبب للنجاح في الدنيا والآخرة، فمن نجح في إقامة الصلاة فذلك دليل على حصول النجاح في الدنيا والآخرة، وذلك أن الإنسان لا يمكن أن يحيا بدون دين، ودين المؤمنين هو الإسلام، والإسلام عمود الصلاة، والشيء إذا هدم عموده سقط.. فالصلاة جعلها الله تعالى رابطة بين دنيا المؤمن وآخرته، وعلى ذلك، فمن كان حازما جادا في أمر صلاته، فإن ذلك الجد والعزم سينعكسان إيجابا وفاعلية على حركته في الحياة، وإن التهاون في أمر الصلاة، عزما وفعلا، سيترتب عليه التهاون في شؤون الحياة، إن الصلاة منهل من مناهل البر، وما يؤيد ذلك قول أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «للمصلي ثلاث خصال: يتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وتحف به الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء، وملك يناديه: أيها المصلي، لو تعلم من تناجي ومن ينظر إليك، وما التفت ولازلت عن موضعك أبدا»(الهداية: 126).

نشرت في الولاية العدد 127

مقالات ذات صله