الشباب بين الازدواجية الدينية والسلوكية …

م.م.هاشم محمد

الازدواجية تعني الظُّهُورُ بِمَظْهَرَيْنِ ، أي بشخصيتين إحدهما ظاهرة للناس والأخرى تكون مضمرة، أو ما يحرمه الفرد على الناس يحلله لنفسه، وهذا أبسط تعريف للازدواجية

وهي تعكس حالة من الانفصام الحاد في شخصية الفرد ولاسيما بعض الشباب المصابين بهذا الداء الاجتماعي، وتظهر هذه الحالة بوضوح أكبر بين الإطار النظري الذي نزعم بأننا نؤمن به، والسلوك الواقعي، فكثير من الشباب حينما تجلس معه، وتناقشه في معتقده الديني أو الاجتماعي أو غير ذلك، سوف يقدم لك صورة رائعة تكاد تكون صورة مثالية للمواطن الصالح الذي يتمسك بأعلى درجات الفضيلة، لكن إذا ما انفكت عرى النقاش، وخرج الشاب للحياة الواقعية، وجدت أن سلوكه يخالف معتقده بصورة كبيرة !.
فمثلًا الصدق في التعامل والحديث، والمواعيد والاتفاقات، هي من الفضائل التي يحث عليها الإسلام، بل هي فريضة إسلامية يجب أن يلتزم بها المسلمون، في حين نجد أن الكذب، والغيبة، ونقض العهود والمواعيد، صفات منتشرة في المجتمعات الإسلامية انتشارا كبيرا بين الصغار والكبار!
وكذلك النظافة في الملبس، والمسكن، والحدائق والمناطق العامة ولاسيما الأحياء السكنية، وهو مظهر إسلامي حث الاسلام عليه في الكثير من الآيات والأحاديث، لكن الواقع يظهر لنا العكس فنجد تراكم القمامة في الأحياء السكنية ، والمناطق العامة والشوارع غير نظيفة ، فضلا عن عدم اهتمام الكثير من الناس بنظافة وترتيب مظهرهم الخارجي .
وكذلك نجد أن مخالفة قواعد السير ولاسيما من قبل الشباب في المجتمعات الإسلامية ظاهرة كبيرة ومنتشرة ، على الرغم من الحديث بين أغلب الناس عن النظام وضرورة الالتزام به ، لكن الواقع شيء والتطبيق شيء آخر.
وأيضا في مجال العمل فبالرغم من كونه فريضة إسلامية، لكن للأسف تجد أن كثيرًا من أصناف المجتمع القادرين على العمل، يعتمدون على المساعدات الاجتماعية بدلًا من البحث عن العمل الشريف! وهناك الكثير من الأمثلة التي تمثل الازدواجية داخل المجتمع ، لذلك نرى أن بعض الشباب قد يقع بهذه الحالة بصورة مبكرة وينمو عليها ويكبر فتصبح صفة ملازمة له وقد تصبح ظاهرة بين الشباب تنخر في جسم المجتمع، يعود إلى وجود حالة الانفصام في الشخصية، بين الإطار النظري والسلوك الواقعي.
وهذا الأمر ينطبق كذلك على الكثير من القضايا المهمة، كالقضايا التي تخص معاملة المرأة وحقوقها -التي ضمنتها لها الشريعة الإسلامية- في مسائل الإرث، والزواج، والطلاق، والتربية، ومختلف أشكال السلوك الاجتماعي.
وقد يصطدم الشاب وهو يبدأ مسيرة حياته عندما يشاهد هذه الحالات الاجتماعية الفاسدة داخل الأسرة والمجتمع ، وهنا يبدأ التساؤل بين الشباب : كيف أن مجتمعًا أغلب سكانه من المسلمين الذين يؤمنون أن الرشوة محرمة، وعلى الرغم من ذلك فإن الرشوة تنتشر بنسبة تتجاوز تسعين بالمئة في المعاملات التي تجري في هذا المجتمع؟!
فأغلب دوائر الدولة لا تنجز معاملتك إلا بدفع هدية (المصطلح المغلف للرشوة)، وهذا التناقض في سلوك المجتمع، يجعل ما يتعلمه الفرد منذ طفولته وحتى شبابه في مسيرة دراسته التربوية في المدارس والجامعات فضلا عن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي أتيحت لها حرية مفرطة ، قد أحدث حالة من التشوه في نفسية الفرد المسلم ولاسيما الشباب، وفقد القدرة على التوفيق بين ما يجب عليه تعلمه وممارسته، وبين ما يأمره به دينه وقيمه ، ومع الزمن نمت عملية الازدواجية في نفسية الشاب المتعلم، حتى أصبح يطبقها في مختلف جوانب حياته بصور لا شعورية، فقد تمرن عليها في طفولته وكبر ونشأ وهو يشاهد من حواليه يمارسون تطبيقها من دون وجل أو حياء، فمثلا يشاهد إنساناً ملتزماً بصلاة الجماعة ويحرص على أدائها في الصف الأول لكنه لا يأبه لرائحة فمه الكريهة ، أو أنه حريص على تربية أولاده وتوفير كل ما يحتاجونه لهم لكنه غير مبال بوالديه ، أو أنه يداري والديه ولكنه قاطع لرحمه ، أو أنه يحاول تقديم النصح والإرشاد للمجتمع لكنه لا يأبه بما يفعل أولاده من تصرفات سيئة وغيرها الكثير ..
وهذا بالتأكيد سيولد ردة فعل كبيرة ولاسيما عند الشباب وهم يتعايشون مع هذا التناقض وهذه الازدواجية في الواقع ، فتسبب له حالة من انفصام الشخصية والازدواجية في التعامل والتعايش مع المجتمع.
ومن هنا فلابد من أن يتم العمل على إعادة النظر في المناهج والطرائق التربوية، والتبليغ الديني على وفق أسس صحيحة من دون إفراط أو تفريط ، وليس على مستوى الحياة الدينية فحسب، بل مجالات الحياة كافة، ولا سيما الجانب العلمي منها؛ لأن تفشي جملة من الأمراض الاجتماعية مثل الرشوة، والغش، وعدم إتقان العمل، والفشل العلمي، وتدني مستوى الجودة التعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات… إلخ إنما يكون في مجمله ناتجا عن فشل الأساليب التربوية في المجتمع، التي من أهمها إهمال دور المعلم وإهانة شخصيته وكرامته، ولا نبالغ إذا قلنا إن المعلم هو أحد أهم أركان أي مشروع إصلاحي للنهوض بمجتمعاتنا، والحمد لله فمجتمعنا يملك الكثير من القامات العلمية والتربوية وهو قادر على النهوض بمسؤولياته التربوية التصحيحية ولاسيما إذا قيّضت له إدارة حكيمة قادرة على تحديد الخلل وتشخيصه وإيجاد الحلول الناجعة لذلك، فلابد من نظم الأمر وتحديد الأولويات وتشخيص الأخطاء والمعتقدات والعادات التي تربى عليها المجتمع من تفشي حالات عدم الانضباط بالقيم الدينية والالتزام بالأنظمة والقوانين وعدم اللامبالاة التي أضرت كثيرا بقيم المجتمع وبيئته .

نشرت في الولاية العدد 130

مقالات ذات صله