الحوار في القرآن الكريم النبي موسى(عليه السلام) نموذجاً


محمد علي عبد الحسين

حوارات النبي موسى عليه السلام
إن حوارات النبي موسى(عليه السلام) كثيرة منها مع الله سبحانه وتعالى منع ما مع الخضر(عليه السلام) وغيرها, فنذكر منها: حوار فرعون مع السحرة: عندما جمع فرعون ألف ساحر واختار ثمانين، فقال السحرة لفرعون قد علمت أن ليس في الدنيا أسحر منا، فإن غلبنا موسى، فما عندك؟ فكان جواب فرعون للسحرة قوله: أشرككم في ملكي قالوا: فإن غلبنا موسى وأبطل سحرنا وعلمنا أن ما جاء به ليس بسحر آمنا به وصدقناه، فقال فرعون فإن غلبكم موسى صدقته وأنا معكم، نحو قوله تعالى: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) (الأعراف/ 113)، (أإن): همزة الاستفهام محذوفة لطلب التصديق، في هذا الموضع أشبه؛ لأنهم يستفهمون عن الأجر وليس يقطعون أن لهم الأجر، ويقوى ذلك إجماعهم في الشعراء وحذفت همزة الاستفهام، فجواب فرعون كما في قوله تعالى: (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)(الأعراف/ 114)، فجاء السحرة وألقوا ما عندهم من سحر، وجاء موسى(عليه السلام) أيضاً وألقى عصاه، فإذا هي أفعى تلقف ما يأفكون: فما كان منهم إلا أن آمنوا بموسى(عليه السلام)، فوجدوا أن هذا ليس سحراً، بل هو فوق كل شيء، فعرفوا أن هذا من الله سبحانه وتعالى، لا من موسى(عليه السلام), وبدأ فرعون، بالتهديد بالعذاب وغير ذلك؛ ليتراجعوا، فلم يتراجعوا وواجهوه بالإيمان القوي الصامد، والذي لا يزلزل ولا ينهار ولا يتراجع أمام كل أساليب التهويل والتهديد، ووصل الحوار بعد أن آمنوا برب موسى(عليه السلام) إلى فرعون فقال لهم نحو قوله تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْ تُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)( الأعراف/ 123-124)، (آَمَنْتُمْ): الهمزة للاستفهام باللفظ ممدودة، فالوجه فيها يخبرهم على إيمانهم على وجه التقريع والإنكار والتوبيخ. وأعلم أن فرعون لما رأى أن أعلم الناس بالسحر أقر بنبوة موسى(عليه السلام) عند إجماع الخلق، خاف أن يصير ذلك حجة قوية عند قومه…

سياق الحوار في نهاية فرعون:
وهكذا استمر فرعون في تعنته وعجرفته وادعائه الربوبية، وإيذائه الناس بطريقته الخاصة التي ذكرها القرآن. وفرعون ذو الأوتاد وغيرها، ولم يقتنع بما جاء موسى من أدلة وبراهين على وجود الله سبحانه وتعالى إلى أن جاءت نهايته فأغرقه الله هو وأتباعه وجعله آية للناس, وفي آخر لحظات حياته آمن بالله ولم ينفعه إيمانه بعد فوات الأوان نحو قوله تعالى: (…آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ..)(يونس/90-91)، وهذه الآية تحديد لنهاية فرعون، آمن قسرا لا اختياراً، ذليلاً حقيراً بعد أن ملأ الأرض تعالياً وجوراً وظلماً وكان عبرة لجميع الطغاة والظالمين. ذكر الزمخشري (ت538هـ) في (الكاشف) (َآَلْآَنَ): «همزة الاستفهام أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار، حين أدركك الغرق وأيست من نفسك»، لم يصرح الزمخشري بالمراد من الاستفهام، وأن كلامه كان يوحي بأنه للإنكار. ذكر أبو السعود (ت982هـ) في (إرشاد العقل)، أن المراد هو الإنكار التوبيخي على تأخير الإيمان، والتقريع على العصيان والإفساد. وذكر عبد الكريم محمود في (أسلوب الاستفهام)، (َآَلْآَنَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري. (آَلْآَنَ): ظرف زمان متعلق بفعل محذوف (آمنت). وذكر المطعني في (التفسير البلاغي) وهي الخلاصة: إن هذا الاستفهام للإنكار أصالة ومما ينشأ عنه التوبيخ والتيئيس؛ لأنه لم يؤمن تصديقاً بالإبلاغ الإلهي، وإنما أظهر ذلك القول قسراً لا فضل له فيه.

حوار النبي موسى (عليه السلام) مع أخيه هارون(عليه السلام) ثم مع السامري:
بعد أن غرق فرعون ومات، ذهب موسى(عليه السلام) إلى ملاقاة ربه سبحانه وتعالى، وواعد القوم أربعين ليلة وبقي مع القوم هارون(عليه السلام) نحو قوله تعالى: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، قال موسى(عليه السلام) لبني إسرائيل إذا فرَّج الله عنكم وأهلك أعداءكم آتيتكم بكتاب من عند ربكم، يشتمل على أوامره, ويأتي الميعاد وأوحى إليه أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة، فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل، فقال وعدكم موسى أن يرجع إليكم عند أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوماً، تمت أربعين فأخرج لهم السامري عجلاً مجوفاً من الداخل، ووضعه اتجاه الريح بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ويخرج من أنفه، فيحدث صوتاً يشبه خوار العجل الحقيقي, فسألوه: ما هذا يا سامري؟ فأجابهم السامري: قال لهم هذا إلهكم وإله موسى (عليه السلام)، لقد نسي موسى (عليه السلام)، فقد ذهب للقاء ربه هناك بينما ربه هنا, ثم أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى(عليه السلام) إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار…, فعاد إليهم موسى(عليه السلام) فقال لهم نحو قوله تعالى: (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي)(طه/ 86), الاستفهام في هذه الآية يتضمن ثلاث دلالات: الأولى, (أَلَمْ يَعِدْكُمْ …): أشار أبو السعود (ت982هـ) في (إرشاد العقل) إلى أن الاستفهام في هذه الآية تقرير أو إنكار يؤول إلى التقرير، والهمزة للإنكار، عدم الوعد ونفيه، وتقرير وجوده، والثانية, (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ …) أي: الزمان، والفاء للعطف على مقدر والهمزة للإنكار المعطوف ونفيه فقط، أي: أوعدكم ذلك فطال زمان الإنجاز فأخطأتم بسببه, والثالثة, (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ …): التوقيف والإلزام بقطع الأعذار عنهم، وهو للإنكار. ثم رمى موسى(عليه السلام) الألواح في الأرض الذي كان بانتظارها أربعين ليلة وأخذ بلحية أخيه هارون(عليه السلام) ورأسه يجره إليه، نحو قوله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)( الأعراف/150)، (أَعَجِلْتُمْ): الهمزة للاستفهام الإنكاري والتقريعي, إن الاستفهام هنا للإنكار أصالة وتتولد عنه معانٍ أخرى، وهي التوبيخ والتسفيه فقال موسى(عليه السلام) لهارون(عليه السلام) نحو قوله تعالى: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)( طه/ 92-94)، وسؤال موسى(عليه السلام) في هذه الآية يتضمن استفهامين هما: الأول, نقل المطعني في (التفسير البلاغي) عن ابن عاشور (ت1973م) في (التحرير والتنوير) أن الاستفهام في هذه الآية هو للإنكار والتهديد: ويقوي هذا ما رد به هارون في الاعتذار، من حيث قال: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي)، يعني إنكار أن يكون لهارون(عليه السلام) سبب يمنعه من إتباع موسى(عليه السلام) في الغضب لله والتصدي لردة قومه، أو اللحاق بموسى بجبل الطور مفارقاً للمرتدين, وأما الثاني: (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي): أشار أبو السعود (ت982هـ) في (إرشاد العقل)، ذكر الهمزة للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي: ألم تتبعني، أو أخالفتني فعصيت أمري، ثم وجه السؤال إلى السامري الذي كان يتزعم هذه الردة كما قال لهُ قومه. وقد فرغنا من سؤال قومه ما ردوا به عليه. فسأل موسى(عليه السلام) السامري نحو قوله تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ)(طه/ 95): الخطب في اللغة: الشأن والأمر صغراً وكبراً، أي: ما شأنك وما حالك وما أمرك ففعلت ما فعلت. يعني: أنك فعلت أمراً شنيعاً، وقلت قولاً منكراً وما عهدتك بهذا الضلال، فما قصتك التي أنت عليها؟ كيف صدر عنك ما لم يخطر لأحد على البال؟ وأمام رهبة المقام أقر السامري، فقال: نحو قوله تعالى: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)(طه/96). وقد ذكر المطعني في (التفسير البلاغي) عند جمعه لآراء المفسرين أن المفسرين في هذه الآية (فَمَا خَطْبُكَ) قد مسّوا هذا الاستفهام مَسّاً خفيفاً، وأشار بعضهم إلى أن المراد منه التوبيخ ولم يضيفوا إليه شيئاً، وإذا وضعنا في الاعتبار رد موسى(عليه السلام) على السامري، بعد أن سمع منه الجواب؛ فإن هذا التوبيخ يترتب عليه معنى آخر وهو التهديد والوعيد. والسامري قمين بهما؛ لأنه زعيم هذه الإنتكاسة التي سودت تاريخ بني إسرائيل في حياة موسى(عليه السلام), وأشار الزجاج (ت311هـ) في (معاني القرآن) في هذه الآية (فَمَا خَطْبُكَ) الفاء للعطف على مقدر يقتضيه مقام الكلام تقديره قول النبي موسى (عليه السلام) الذي أراده، وإن لم ينطق به هذا شأن بني إسرائيل وشأن هارون مما يتصل بما حدث أي فيما هو شأنك أنت؟…

نشرت في الولاية العدد 131

مقالات ذات صله