البسملة


رياض الخزرجي

الآية الأولى من سورة الفاتحة و هي أعظم آية في كتاب الله كما روي عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام) وهي جزء من كلّ سورة عدا براءة باتفاق الإمامية على ذلك، ووافقهم ابن عباس و ابن المبارك وأهل مكّة كابن كثير، وأهل الكوفة كعاصم، والكسائي، و غيرهما، عدا حمزة، وذهب إليه غالب أصحاب الشافعي(تفسير الآلوسي 1:39.) و جزم به قرّاء مكّة، و الكوفة(تفسير الشوكاني 1: 7).
حكي هذا القول عن ابن عمر، و ابن الزبير و أبي هريرة، و عطاء، و طاووس، وسعيد بن جبير، و مكحول، و الزهري، و أحمد بن حنبل في رواية عنه و اختاره الرازي في تفسيره و نسبه إلى قرّاء مكّة و الكوفة و أكثر فقهاء الحجاز و اختاره أيضاً جلال الدين السيوطي مدّعياً تواتر الروايات الدالة عليه معنى(الإتقان1:635). و الروايات عن أهل البيت(عليهم السلام) في ذلك كثيرة و فيها ما هو صحيح صريح في الدلالة على جزئيّتها، منها ما ورد عن معاوية بن عمّار قال: قلتُ لأبي عبد الله(عليه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال: نعم(الكافي3:312).
أمّا من طرق العامّة فهناك روايات صحيحة كثيرة دالّة على ذلك منها ما أخرجه الدارقطني بسندٍ صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص): (إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنّها أمّ القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها(الإتقان1:136).
في مصاحف منعت الصحابة أنْ يُدرج في المصحف ما ليس من القرآن حتّى أنّ بعض المتقدّمين منعوا عن تنقيط المصحف و تشكيله فإثبات البسملة في مصاحفهم شهادة منهم بأنّها من القرآن كسائر الآيات المتكرّرة فيه) (البيان/للسيد الخوئي(قدس سره)، تفسير سورة الفاتحة).

لماذا نفتتح بالبسملة؟
إنّ ممّا تعارف عليه البشر منذ القدم و إلى يومنا هذا هو أنْ يفتتحوا كلّ مشروع مهم و عمل ذي بالٍ باسم شخصية فذّة خالدة تيمّناً بها و تشرّفاً و ضماناً ديمومية وبقاء المشروع ببقاء الذكر الخالد لهذه الشخصية، و الإسلام له مشروعه، و مشروعه خالد إلى أبد الآبدين و جديرٌ بمثل هذا المشروع الخالد أنْ يبدأ ببسم الله لضمان خلوده و دوامه و استمراره و قوّته، و هل خلد الأنبياء إلّا لارتباطهم بالله(عزوجل) الدائم الباقي؟ و هل من خالدٍ غير الله؟ و لذا اقتضى هذا الوجه أن يبدأ كلامه(عزوجل) باسمه لضمان بقائه و خلوده، ومن هنا كانت البسملة أوّل آية في كتاب الله الخالد.
هذه حقيقة مهمّة أكّد عليها الإسلام، و دعا إلى التعامل معها بواقعه لا فقط بشكل صوري، و قد حاول أن يربط كلَّ تصرفات المسلم باسم الله تبارك و تعالى ليضمن له اليمن فيها و البركة و الصلاح؛ لذا ورد في الحديث الشريف: (كلُّ أمرٍ ذي بال لم يُذكر فيه اسم الله فهو أبتر)(بحار الأنوار 16: 58).
وعن أمير المؤمنين(عليه السلاك) أنه قال: (إنّ العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملاً فيقول بسم الله الرحمن الرحيم فإنّه يبارك فيه)(بحار الأنوار 92: 242).
وعن الباقر(عليه السلام) أنه قال: (وينبغي الإتيان به عند افتتاح كلّ أمرٍ عظيم أو صغير ليبارك فيه)(الميزان 1: 21).
لذلك نوح (عليه السلام) حين ركب السفينة في ذلك الطوفان العجيب وهو يمخر عباب الأمواج في حركات السفينة و سكناتها، قال: اركبوا فيها بسم الله مجراها و مرساها. و انتهت هذه السفرة المليئة بالأخطار بسلام و بركة كما يذكر القرآن الكريم: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ)(سورة هود، الآية:48). و سليمان(عليه السلام) أيضا يبدأ رسالته إلى ملكة سبأ بالبسملة: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(سورة النمل، الآية: 30).
انطلاقاً من هذا المبدأ تبدأ كلُّ سور القرآن -عدا براءة- بالبسملة كي يتحقّق هدفها الأصل المتمثل بهداية البشرية نحو السعادة و يحالفها التوفيق من البداية إلى ختام المسيرة)(الأمثل 1: 26).

فضلها:
هذه الآية المباركة هي أعظم آية في كتاب الله(عزوجل) وهي أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها كما سنقرأ عن الإمام الرضا(عليه السلام) و لها فضلٌ كبير و خصوصية عظيمة و آثار دنيوية و أُخروية و في الروايات ما يشعر بفضلها و جلالة قدرها و هي كثيرة نذكر منها للفائدة:
1- عن ابن مسعود عن النبي(ص) قال: (من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكلِّ حرفٍ أربعة آلاف حسنة و محا عنه أربعة آلاف سيئة و رفع الله له أربعة آلاف درجة)(تفسير البرهان1 : 43).
2- عن النبي(ص) قال: (لو قرأت بسم الله الرحمن الرحيم تحفظك الملائكة إلى الجنّة وهو شفاء من كلِّ داء، و أوحى الله إلى عيسي(عليه السلام) أنْ أكثر من قول: بسم الله الرحمن الرحيم وافتح أمورك به ومن أوفاني و في صحيفته قبضة بسم الله أعتقه من النار، قال: و ما قبضة بسم الله؟ قال: مائة مرة، و أنّ لقمان رأى رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم فرفعها و أكلها، فأكرمه بالحكمة)(أنوار اليقين: 218).
3- عن النبي(ص) قال: (من أراد أن ينجيه من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فإنّها تسعة عشر حرفاً ليجعل الله كلّ حرفٍ منها عن واحد منهم)(البرهان في تفسير القرآن 1: 43).
4- عن النبي(ص) قال: (لا يُردّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحيم)(خلاصة الأنوار: 66).
5- عن النبي(ص) عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل قال الله تعالى: (يا إسرافيل بعزّتي و جلالي و جودي و كرمي من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متّصلاً بفاتحة الكتاب مرة واحدة فاشهدوا عليّ إنّي قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت له عن السيئات و لا أحرق لسانه بالنار و أجيره من عذاب يوم القيامة و الفزع الأكبر)(تفسير نفحات الرحمن 1: 47).
6- عن النبي(ص) قال: (إذا قال العبد عند منامه بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله(عزوجل): يا ملائكتي اكتبوا نَفَسَه إلى الصباح)(فضائل القرآن: 17).
7- عن الإمام علي(عليه السلام) قال: (لمّا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله(ص): أول ما أنزلت هذه الآية على آدم(عليه اسلام) قال: آمنت ذريتي من العذاب ما داموا على قرائتها، ثمّ رُفعت، فأُنزلت على إبراهيم(عليه السلام) فتلاها وهو في كفّة المنجنيق، فجعل الله عليه النار برداً و سلاماً، ثمّ رُفعت بعده، فما أنزلت إلّا على سليمان، و عندها قالت الملائكة: الآن تمّ والله ملكك، ثمّ رفعت فأنزلها الله تعالى عليّ)(تفسير الأصبهاني: 124).
8- عن الإمام علي(عليه السلام) قال: (كلّ العلوم تندرج في الكتب الأربعة التوراة و الإنجيل الزبور و القرآن و علومها في القرآن و علوم القرآن في الفاتحة و علوم الفاتحة في بسم الله الرحمن الرحيم و علومها في بائها)(مصابيح الأنوار 1: 435).
9- عن الإمام الرضا(عليه السلام) قال: (إنّ بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها)(البرهان 1: 42).
10- عن أبي الحسن الرضا(عليه اسلام) حينما سُئل عن أعظم آية في كتاب الله سبحانه وتعالى قال: (بسم الله الرحمن الرحيم)(البرهان 1: 42).
11- عن الإمام العسكري(عليه السلام) قال: (إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله (عزوجل): بدأ عبدي باسمي، فحقّ عليّ أن أُتمّم أموره و أُبارك له في أحواله)(الشيعة و الشريعة: 221).

نشرت في الولاية العدد 131

مقالات ذات صله