التطرف الديني عند الشباب.. جهل و سوء فهم؟


محمد هاشم الباججي

ان جُلَّ المتطرفين والغلاة هم من الشباب صغار السن، الذين لم يحصلوا على العلم الشرعي والمعرفة التي تؤهلهم لمعرفة حقائق الامور، فتراهم ينقادون خلف حماسهم، أو ما تمليه عليه عقولهم، أو ما يفتيهم به بعض من يظنون أنه من أهل العلم، وهو ليس منهم، فيترخصون في أشياء منع منها الشرع، ويتكلمون في أمور أحجم عنها كبار العلماء، فقد تجد أحدهم يتكلم في تكفير المعيَّن لأسباب يراها هو مُكفِّرة، ونسي أو جهل أن هناك عذرا بالجهل، وعذرا بالشبهة، وعذرا بالتأويل، وأنه لا بد من إقامة الحجة على هذا الشخص المعيَّن، والذي يقيم الحجة لا بد أن يكون عنده من الأدلة التي تقابل كل شبهة عند المخالف بما يقضي على هذه الشُّبهة، وليس مجرد إبلاغ الحجة وحده كافيا في كل الأحيان، فهناك فرق بين إقامة الحجة وإبلاغها ، لذا ترى الكثير منهم قد وقع في سوء الفهم او تشابه عليه الامر في الآية او الحديث او حادثة معينة قد وقعت وهو يبني عليها الاحكام جزافا.
فلابد للإنسان أن يكون على دراية واسعة بالقرآن وعلومه، من تفسير ووجوه قراءات، وأسباب نزول، وناسخ ومنسوخ، وغير ذلك ،كما أنه يجب أن يكون ذا باعٍ كبير بالسُّنة وعلومها، وبالفقه واصوله صحيحها وسقيمها، ما تواتر منها، وما لم يتواتر، والمرفوع والموقوف، إلى آخر ما هو معروف لدى أهل هذا الفن، وكذلك لا بد أن يكون متبحرا في علوم العربية، نحوها وصرفها وآدابها، ودلالات الألفاظ، وكيف نفهم النصوص، إلى آخر ما هو معروف، هذا بخلاف معرفة القواعد الفقهية والأصولية، وغير ذلك من أدوات العلم الشرعي ،وهؤلاء الشباب المندفعون وراء حماسهم لم يحققوا شيئا من ذلك.
وقد عزا بعض المفكرين ظاهرة التطرف والتشدد الى أسباب وعوامل عديدة ذات أبعاد مختلفة أكثر تفصيلا، فالمتأمل لظاهرة الغلو والعنف أو ما يعبر عنه (التطرف) يدرك أن هناك عوامل عميقة أدت الى انتشارها تتراوح بين استعداد ذاتي وتدافع خارجي وتمازج بين الاثنين أفرزا اثارا بالغة الاحتقان على الصعد كافة.
ولعل من بين أهم النقاط الحرجة في التطرف للشباب والكبار هو استخدام نصوص فقهية وتفسيرها بشكل خاطئ يتفق ونفسية المتطرف مما يؤدي للقيام بأعمال يعدّها صحيحة من وجهة نظره من خلال تبريرها بهذه النصوص الشرعية التي فهمها من وحي خياله وما يفكر به من احاسيس ومشاعر العزلة والابتعاد عن المجتمع ، لذا وبنظرة سريعة يدرك المرء أسباب هذا الداء العضال، لأن هناك قاسما مشتركا بين كل من وقعوا في هذا الأمر، ألا وهو الجهل وسوء الفهم بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة الغراء التي لا يَزِيغ عنها إلا هالك.
– الجهل:
ان الجهل لهو البلاء العظيم، فترى الشباب ينقادون خلف حماسهم، ويتكلمون في أمور غير قادرين على فهمها، ولو علموا خطورة ما يخوضون فيه لوقفوا ، لكنه الجهل يعمي ويصم ، كيف لا، وقد قال النبي : صلى الله عليه واله: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا).
إن هناك أدوات لا بد للشاب الذي يريد ان يتعلم أن يستحصلها، فلا بد أن يكون على دراية مناسبة بالقرآن وعلومه، كما أنه يجب أن يكون ذا معرفة بالسُّنة الصحيحة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.
ان تلك الدراية وهذه المعرفة تمثل اساسا متينا يرجع اليه الشاب للتخلص من تأثير الدعوات المتطرفة، وقد صرح النبي صلى الله عليه وآله بذلك صراحة في حديث الثقلين المتواتر: اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا.
-سوء الفهم:
إن سوء الفهم آفة ابتُلي بها كثير من الناس سيما الشباب، ويزداد الطين بِلَّة إذا كان الأمر متعلقا بالأمور العظام، كالدِّين والدماء والأعراض ، إن التعامل مع النصوص الشرعية يحتاج إلى إعمال العقل بطريقة صحيحة، عن طريق العلم والتعلم والاجتهاد، وهذا الاجتهاد لا يسوغ لكل أحد، إنما هو للعلماء الذين حصَّلوا أدوات الاجتهاد.
فكثير من الشباب يفتتنون بمن يجيد فن الكلام والحوار، ويجيد فن التلبيس والتدليس والمراوغة في الحوار، فينخدع بكلامه كثير من الشباب، فيلتفون حوله، فيظن الجاهل أنه ما اجتمع حوله هذا الجمع من الناس إلا لفضل علمه وحكمته، بينما هو بسوء فهمه قد اظل الكثير.
ان تقاعس المؤسسات العلمية أو الدينية أو ضعف أدائها الميداني وكذلك الكثير من أهل العلم عن القيام بدورهم عن توضيح الحقائق والمفاهيم، ادى الى انتشار ظاهرة التطرف سيما بين الشباب.
ان اهم علاج لظاهرة التطرف الديني هو رجوع الشباب الى اهل العلم الموثوقين في كل مسألة لا يعرفون لها جوابا، أو كل ما يصعب فهمه من الأمور العقائدية وغيرها وعدم التسليم لكل ما يطرح عليهم من أفكار مهما كانت ثقافة الطرف الآخر.
نشرت في الولاية العدد 131

مقالات ذات صله