دار الإمارة في الكوفة


رحمة رياض العنزي

تعد هذه الدار من أقدم العمائر الإسلامية التي عثر عليها، وهي ثاني دار إمارة بعد دار الإمارة في البصرة ، بنيت ليكون موقعها في وسط المدينة؛ بناها سعد ابن أبي وقاص في زمن عمر بن الخطاب، وكانت بالقرب من مسجد الكوفة لا يفصلها عن المسجد سوى زقاق تمت إزالته بأمر من عمر بن الخطاب بعد سرقة بيت المال، وكشفت التنقيبات عن باب في جدار القبلة يصل بين المسجد والدار التي جددها الوالي زياد بن أبيه عندما أعاد بناء المسجد.

وقت اهملت المراجع ذكر تخطيط الدار وماجرى عليها من إضافات خلال العصور التالية، إلا أن دائرة الآثار والتراث – ومن خلال مواسم متعددة ابتداء من عام 1938م وحتى الوقت الحاضر- كشفت عن كثير من معالم تخطيطها وزخارفها والإضافات التي جرت عليها ، وظهر أن الدار تتألف من وحدات بنائية متعددة لكل منها فناء واسع، يحيط بهذه الوحدات سوران ضخمان مربعا الشكل، أحدهما داخل الآخر, الخارجي منهما مربع طول ضلعه حوالي 170م، مبني بالآجر والجص وسمكه حوالي 4م، وارتفاعه حوالي 20م، تدعمه أبراج نصف دائرية ستة في كل ضلع، عدا الضلع الشمالي الذي يدعمه برجان فقط ، أما السور الداخلي فيتصل ببناية القصر الرئيسية، وشكله مربع طول ضلعه 110م تقريبا، وسمكه حوالي المترين، ومدعم بأبراج نصف دائرية، أربعة أبراج على كل أضلاعه الأربعة كلها مبنية بالآجر والجص، وقد كشفت التنقيبات عن وحدات بنائية بين السورين.
وفي كل ضلع من أضلاع السور الداخلي مدخل، أو مداخل، بعضها أضيف في مدد لاحقة أما المدخل الرئيس فيقع في منتصف الضلع الشمالي مواجها للمدخل الرئيسي في السور الخارجي.
ويحاط السور الداخلي بوحدات بنائية متعددة من بينها مخازن وحمامات ومرافق أخرى.
وتذكر بعض المصادر أن الدار مكونة من أبنية متعددة وقد أُنشئت الواحدة منها على بقايا الأخرى على شكل ما يقارب أربع طبقات، كل طبقة يختلف هيكلها بشكل بسيط عن الآخر، فكل الطبقات مكونة من سورين داخلي وخارجي وأن الاختلافات التي حصلت نتيجة تغير بعض معالم مرافق الدار الثانوية.
وقد أظهرت التنقيبات في بعض الغرف زخارف مكونة بطريقة اختلاف وضع الآجر وقطع من الزخارف المحفورة على الجص وكذلك زخارف مرسومة بالألوان المائية وكتابات بالخط الكوفي واضافه الى اللقى من الفخار والخزف والزجاج ومسكوكات ومعادن يرجع تاريخها إلى العصرين الأموي والعباسي بصورة خاصة.
يعود عمر دار الإمارة إلى بداية القرن الأول الهجري حيث شيد سنة 17 هجرية، وقد استعملت هذه الدار الى جانب وظيفتها الإدارية كسكن للولاة والخلفاء، وكانت مركز عنايتهم إلى أن انتهى دور الكوفة كمركز للخلافة الإسلامية، لكن استمرت أهميتها كموقع آثاري وبقيت معالمها شاخصة الى يومنا هذا.
وتقوم الآن دائرة الآثار في محافظة النجف بإجراء إصلاحات لهذا الموقع لإعادة تأهيله، باعتباره أحد المواقع المهمة التي تجذب أنظار الزوار إليه لتاريخه العريق والمشرف , وتشمل هذه الأعمال صيانة الجدارين الغربي والجنوبي فضلا عن القضاء على المياه الجوفية فيه والتي كادت أن تمحي بعضا من آثاره.
تبين هذه الأعمال القائمة حتى الوقت الحاضر على المواقع الآثارية القديمة التي كاد الناس أن ينسوا تاريخها وأن تمحو المؤثرات المناخية معالمها، وأنّ هذه الأعمال تبين اعتزاز الدولة بمواقع البلد الآثارية والأهمية التي تمثلها هذه المواقع، حيث تعدّ واجهة للبلد، وتبين عظمة الدولة الإسلامية القديمة التي أسست كمراكز ما تزال معلماً آثاريا قائماً وشامخاً إلى الوقت الحاضر.

نشرت في الولاية العدد 131

مقالات ذات صله