الأربعون حزن لا ينقضي

محمد مهدي البدري

يتهيأ المؤمنون من محبي أهل البيت وشيعتهم لإحياء ذكرى أربعينية سيد الشهداء أبي الضيم سبط خاتم الأنبياء الإمام الحسين الذي سطر أروع نهضة شهدتها البشرية منذ نشأتها وحتى انتهاء أيام الدنيا.
نهضة حق صدح بإعلانها ودعا لبدء تفاصيلها وإيقاد شعلتها أكمل إنسان في زمانه عبودية لربه، وقد جمع الخصال الغر ونعوت الخير من جوانب متعددة، فهو ابن من تشرفت بخدمته ملائكة الجليل ومن دنا من ربه مكانا عليًّا يغبطه الأنبياء والمرسلون، ومن مدحه الجليل في كتابه الحكيم قائلاً (وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم) الآية الرابعة ــ سورة القلم.

إمام النهضة وقائدها الإمام الحسين(عليه السلام) ابن خيرة الخلق الذي كان ينادي قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ابن خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) واقربهم منزلة من ربه الذي قال ما أوذي نبي كما أوذيت.
وهو ابن علي(عليه الصلاة والسلام) الذي قصم ظهور الجبابرة وأذل عيون المنافقين، الذي تهاب اسمه صناديد العرب والعجم ولم تأخذه في الله لومة لائم.
حسين(عليه السلام) جامع صفات الكمال وراثة وتربية وعصمة تملكتها ذاته المقدسة واصطفاه ربه واصطنعه لنفسه، فراح يسرع الخطى نحو محبوبه الأزلي عبودية محضة طاهرة نقية، لأداء تكليفه الرسالي في أداء الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض.
نهض الإمام الحسين عليه السلام لإحياء رسالة جده التي راح غير مفاهيمها وبدل أحكامها طواغيت البشر الذين تسلطوا على رقابهم باسم الإسلام، إذ أسسوا لأحكام ما أنزل الله بها من سلطان وبدلوا ببدع الدين الحنيف بسنن الفاسقين وما تملي عليهم أهواؤهم ورغباتهم المنحرفة.
والأبشع من هذه الصورة السوداوية التي رآها سيد الشهداء(عليه السلام) أن داء أتّباع الحاكم الجائر في تبديل الأحكام والسنن له حضور ومقبولية عند عامة الناس الذين أثرت في عقولهم مقولة (الناس على دين ملوكهم) وهي مقولة باطلة والحق والصحيح أن يرجع الناس في دينهم إلى أئمة الدين من الأنبياء وأوصياءهم ومن يأخذ عنهم من العلماء والفقهاء العدول.
ومن مصائب الدنيا وهوانها عامة المسلمين ورضاهم بتولي يزيد الفاسق الفاجر أمورهم.
وأعظم منه الجرأة على الله في طلب البيعة من إمام الحق الحسين بن علي(عليهما السلام) لأمير الفاسقين يزيد بن معاوية(لعنة الله عليهما).
ويأتي موقف السماء وكلمة الحق الأزلية الصادرة من لسان وارث النبيين والمرسلين لتكون منهجا ودرسا خالدا بخلود أيام الدنيا، لمن أراد الحياة بعزة وكرامة وأبى العيش بذلة وهوان فقال (عليه السلام) في كلمته التي صنعت الأبطال والمواقف مع امتداد أيام الدنيا: مثلي لا يبايع مثله. كلمة نطق بها شخص فذ ووتر لم يتكرر ولم تلد الدنيا شبيها له سبط المصطفى (صلى الله عليه وآله) وحبيبه وإمام الحق ومن على الناس وجوب اتباعه.
قالها سيد الأحرار (عليه السلام) فاوضحت الطريق وبينت السبيل على من التبست عليه الأمور وصار لايميز بين الحق واهله وبين أئمة الحق وأمراء الجور والسوء.
المثلية التي قصدها (عليه السلام ) برزخ بين أهل الحق وأهل الباطل لايبغي احدهما على الآخر، فكلمة الإمام دعوة للناس الي بيعته ونبذ بيعة الفاسق الفاجر قاتل النفس المحترمة يزيد بن معاوية.
الحسين(عليه السلام ) ومثله ومن على سبيله في الهدى والصلاح والعلم والاخلاص وخدمة الدين والناس يجب بيعته في كل زمان ومكان والاقتداء بسيرته ونهجه.
ومثل يزيد الضال المنحرف مستعمل الفسق والفجور ومن على شاكلته وشبه سيرته ومثله في كل زمان ومكان يجب الوقوف ضد سلطانه وجوره فضلا عن عدم مبايعته.
عبد (سلام الله عليه) الطريق أمام من يريد الحق وأهله والصلاح والإصلاح.
جاهد أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) بالكلمة أمام طاغية زمانه ورفع سيف الحق بوجه وهو يعلم أنه مقتول مسلوب لقلة الناصر واتمها بدمائه وأعضاء جسده الطاهر المبضع التي صبغت رمضاء كربلاء فجعلتها حمراء عبيطة ما بقيت الدنيا.
ولمقتله وأهل بيته وأصحابه حزن لا ينقضي وألم لا ينتهي وتتمة دماء الشهادة سبي نساء الرسالة ومخدرات بيت النبوة التي أقرحت قلوب المؤمنين وأبكت عيونهم بدل الدموع دما. ولذكرى الأربعين لقتل ابن سيد النبيين المتجددة كل عام برجوع رؤوس آل الرسول وابناء علي والزهراء البتول وأبناء آل أبي طالب وآل عقيل مع مخدرات الرسالة وبنات الوحي محزونات مفجوعات ثاكلات بعد فقد الصفوة مسبيات من بلد الى بلد، عزاء لجدهم الأكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فهو المعزى يقول الشريف الرضي :
لو رسولُ الله يحيا بعدُهُ قعدَ اليومَ عليه للعزا
ولولده صاحب الأمر المدخر لأخذ ثأر الدين وجده الغريب العطشان الشهيد بفقد سادة الأرض من آل طه ويس المواساة وفي قلوب المؤمنين حزن وحرارة لاتبرد أبدا مع تعاقب الأيام ومر السنين.
حزننا عليك أبا عبد الله لاينقضي وإن مضت بنا الأعمار وغيرت بنا السنون لاننسى مصائبك وأهل بيتك وأصحابك والأهوال التي جرت على نساؤكم من بنات الرسالة .
فوالله لاننسى استغاثتك وحيدا فريدا حتى قضيت عطشانا غريبا، وستبقى صرختك المدوية عبر الدهور: هل من ناصر ينصرنا جمرة في قلوبنا ويقظة في ضمائرنا ودمعة في عيوننا، ومشاهد مصارع الأحبة لا تفارقنا ورؤوسهم المعلقة على أطراف الأسنة أدمت عيوننا، وما أحزن قلوبكم من سبي نساؤكم ووقوف بنات الرسالة بين يدي طلقاء الأمةأرق نومنا وأطار عقولنا، سيدي وستبقى ذكرى أربعينك كما أيام المحرم ومابينهما مواساة باقية ودمعة جارية واكفا لاطمة على صدورنا وأقداما ساعية بلهفة المصاب نحو ضريحك المقدس حتى يأذن الله لولدك المهدي بأخذ ثارك لاحرمنا خدمته وتحقيق النصر الموعود بين يديه
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسبن وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين .

نشرت في الولاية العدد 132

مقالات ذات صله