السيرة النبوية الشريفة منهاج الحياة.. ورقي في القيم

رقية السماك

نصت الرسالة الاسلامية منذ بزوغ نورها المبارك على رقي الإنسان، فقد شملت قوانين الحياة جميعها وغدت مناهج للبشرية وفتحت آفاق العقل والتفكر وأوصت بالعلم ونادت بالتكافل الاجتماعي وصلة الرحم وطيب المعاشرة والقول الحسن وأوصت بالجار واكرام الضيف ثم بالإحسان إلى الأجير والعامل. ولم تترك أوامره ونواهيه مرفقاً من مرافق الدنيا إلا وكانت له سراجاً ينير درب أتباعه.
نحن أمام هبة الله إلى العالم كلّه وهو الحبيب المصطفى الذي قال: (إنما أنا رحمةٌ مهداة).

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال…. بعثه (صلى الله عليه وآله)، والناس ضُلاّل في حيرة، وحاطبون في فتنةٍ، قد استهوتهم الاَهواءُ، واستزلّتهم الكبرياءُ، واستخفّتهم الجاهلية الجهلاءُ، حَيارى في زلزالٍ من الاَمر، وبلاءٍ من الجَهل، فبالَغَ (صلى الله عليه وآله) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحَسَنة».
سيرته منهاجاً وعبرة:
عند قراءة ودراسة السيرة النبوية الشريفة منذ ولادته (صلى الله عليه وآله) في شهر ربيع الأول من عام الفيل (570م) نجدها مليئة بالحكم والمواقف والمواعظ والدروس التي ينبغي أن نقف في كل مرحلة للتزود منها، كونها تسهم في تأسيس دولة الإنسان بما تحويه من الخُلق العظيم، والعلم والحكمة والحلم والتربية الحسنة والتعامل مع الآخرين والكلمة الطيبة وأداء الواجبات وخدمة المجتمع… ولم يترك لنا اتجاهاً، ولا مسلكاً إلا وعبدهُ لنا بكل التعاليم والمبادئ الحكيمة ولم يبق علينا نحن كمسلمين إلا أن نخطو بخطاه المباركة وأن نستلهم من شخصيته العظيمة ما يعيننا على التقدم والتطور نحو واحة الخلود وطاعة الله تعالى وتقواه
ماذا بعد:
لنا الحق في أن نباهي الأمم بنبينا الكريم وبسيرته المعطاء ونجهر في العلن بالتمسك بمبادئه وأخلاقه والالتزام بما جاء به، ولكن هل أعطينا لهذه السيرة المباركة المساحة الكافية في حياتنا اليومية؟ وهل أسهمنا لتعليمها لأجيالنا الذين ملئت أفكارهم وأذهانهم بما تحويه المناهج الدراسية من مغالطات تاريخية بحق سيرة النبي والأئمة من بعده؟ وهل عّرفنا شبابنا من خلال وسائل الاتصال المختلفة بمواقف العصر النبوي الشريف مما تملكه من مواقف وحكم وأحاديث…هناك الكثير من الجهات التي لا بد من أن تأخذ دورها في توعية المجتمع وتنبيهه وتتحمل المسؤولية الكاملة كونها أخذت الوقت الكافي والحظ الأوفر لقيادة المجتمع، نضيف إلى ذلك علينا أن نتحمل شيئاً من هذه الامانة ونأخذ دورنا في إرشاد الرعية ومن هم ضمن حدود مسؤوليتنا…
ماذا لو عملنا بسيرته:
بعد أن قدمنا الدور المهم لإنشاء جيل تترسخ في أذهانه قيم ومبادئ السيرة المحمدية المباركة وأكدنا لهذه الشريحة بأن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) يسمع كلامنا ويشاهد مقامنا ،ويراقبنا في حياتنا اليومية ويطلع بأم عينه على تعاملاتنا اليومية، الموظف مع المراجع، والمعلم مع الطالب، ورب الأسرة مع أفراد أسرته، ويراقب تصرفات الحاكم ، والقاضي ،والمسئول ،والعامل…ومدى تطبيقهم للتعاليم الإسلامية. من صدق وأخلاق وأمانة لصنعنا مجتمعاً متكاملاً بكل اتجاهاته وتعاليمه كوننا أعطينا مساحة الاخلاق المتبعة في تعاملاتنا الشيء الكبير لأنها السمة التي تتعلق فيها جميع الصفات الحميدة التي تكتمل فيها مراتب النفس البشرية وهذا ما انطلق منه الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) عند دعوته الإسلامية حينما قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق…
كل هذ السلوكيات وغيرها لو شاهدها واطلع عليها وكانت مطابقة ولو بنسبة مقبولة لما أمرنا به ومتوافقة لما نص عليه القرآن الكريم من أحكام وتعاليم وتوصيات مستمدة من سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكنا قد سلكنا ذلك الطريق الذي خطه نبي الرحمة لأمته حتما هذه الاجراءات ستثلج صدر الرسول الأكرم وتنزل الفرح والسرور على قلبه.
لذلك حرياً بنا أن نراقب خطواتنا وتحركاتنا مهما كانت صغيرة في داخل الأسرة وفي العمل والشارع جاعلين منه (صلى الله عليه وآله) عيناً يشاهد كل تصرفاتنا فقضاء حاجة المؤمن، وتربية ابنائنا ضمن الإطار الإسلامي وحسن معاملة الناس والكلمة الطيبة والحرص على الممتلاكات العامة وعدم هدر المال العام وخدمة المجتمع… كل هذا من أولويات المشروع الإسلامي أداؤها لا محالة يقربنا من الله سبحانه وتعالى ومنه (صلى الله عليه وآله).
لا غنى عن الإعلام:
يمثل الإعلام والمنبر أقوى وسائل الاتصال في الوقت الراهن بما يمتلكانه من قوة التأثير في الرأي وذهن المقابل ، وقد منّ الله علينا سبحانه وتعالى بفسحة كبيرة جدا بعد عام 2003استطاع الاعلام الديني ان يأخذ المساحة الواسعة من الفضائيات العربية والاسلامية ولكنه لم يعط للسيرة النبوية حقها في عشرات بل المئات من البرامج التي تبث يومياً.
كما ننتظر من شركات الإنتاج الدرامي والسينمائي والمنتجين والمؤسسات الثقافية والدينية بما تملكه من أدوات أن يكافحوا من أجل سيرة نبينا واعطاؤها الأولوية في مشاريعهم ونتاجاتهم السنوية خيراً من أن تنفق الأموال وإعطائها على مشاريع لا تستحق هذا المجهود
كما نعّول بالمجال التربوي – خاصة المعلم والمدرس – والاسرة أن يخصصوا وقتاً من حصصهم اليومية للتعريف بتاريخهم الإسلامي ونضال النبي الأكرم والاطلاع على سيرة الأئمة الكرام والصحابة العظام وترسيخها في نفسوهم وأذهانهم لتكون صورة تلك الوجوه العظيمة مصاحبة لحياتهم يستمدون من عطائهم وصفاتهم الشيء الكثير والحمد لله أولاً وآخر

مقالات ذات صله