م.م حيدر عماد الرماحي
لُقّب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بألقاب كثيرة منها: (أمير المؤمنين، الوصي، الولي، المرتضى، سيد العرب، سيد المسلمين، أعلم الأمة، أقضى الأمة، يعسوب الدين، يعسوب المؤمنين، قائد الغر المحجلين، إمام المتقين، عمود الدين، راية الهدى، باب الهدى)، وغيرها من الأسماء والألقاب، وتشير كلها إلى رفعة هذه الشخصية وعلو مقامها، لما لها من شأن ومكانة معظمة ومقدسة عند الله تعالى وعند رسوله الكريم، فكان له (عليه السلام) من الصفات والملكات الفذة ما فقدها جل الناس.
إلا أن لقب (أمير المؤمنين)، كان الأكثر شهرةً، وسبب تسميته بهذا اللقب أنه روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (لما أسري بي إلى السماء ثم من السماء إلى سدرة المنتهى، قال الله تعالى:(قد اخترت لك علياً فاتخذه لنفسك خليفةً ووصياً ونحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقاً لم ينلها أحد قبله وليست لأحد بعده))(1).
ولقب أمير المؤمنين خاص بعلي (عليه السلام) بما استحقه من المناقب سالفة الذكر، وهو منة منَّ الله تعالى بها على المؤمنين، فاختصهم بأمير مثل علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (والله ما سمي المؤمن مومناً إلا كرامةً لأمير المؤمنين (عليه السـلام)(2)، إن من المسلَّم به في مأثور أحاديثنا أنه لا يصح شرعاً لأحدٍ أن يتسمّى أو يُدعى بأمير المؤمنين مهما بلغت رتبته ومقامه لخصوصية اللقب بالإمام علي (عليه السلام)، بل حتى سائر الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) لا يحق لهم أن يتسموا به، وروي أن الإمام الصادق (عليه السلام) سُئل عن القائم: يُسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا، ذلك اسم سُمّى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يسم به أحد قبله ولا يَتَسمَّى به بعده إلا كـــافر)(3).
وبهذا الحديث قطع وجزم، بأن هذا اللقب خُصص للإمام (عليه السلام)، ولا يحق لأحد غيره حتى من ولده، وإن كانوا يستحقونه لأنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله).
من معاني هذا اللقب أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أمير هذه الأمة، وسيدها بعد الرسول (صلى الله عليه واله)، ومن منطلق قول الإمام الصادق (عليه السلام): (سمي أمير المؤمنين، إنما هو من ميرة العلم، وذلك أن العلماء من علمه امتاروا، ومن ميرته استعملوا)(4)، فإليه يعود المؤمنون والعلماء لينهلوا من علمه ومعرفته (عليه السلام).
إن علياً (عليه السلام) باب مدينة علم النبي(صلى الله عليه وآله)، وأنه أعلم الأمة، ونوره ونور النبي (صلى الله عليه وآله) متحدان ومشتقان من نور الله عز وجل، وأنه نفس النبي وروحه، وإنهما نهلا من منهل واحد، فمن هذا كل ما ثبت من الفضائل والكمالات لرسول الله (صلى الله عليه واله) ثابتٌ لعلي (عليه السلام)(5)، وأنه كما خص الله عز وجل رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) بكراماتٍ عدة، خص علي بن أبي طالب (عليه السلام) بكراماتٍ عدة منها لقب أمير المؤمنين .
وفيه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا علي أنت أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المتقين)(6).
إن ألقاب الإمام علي (عليه السلام) المتعددة إنما تعود إلى عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وكان (صلى الله عليه واله) يناديه بها، كان النبي (صلى الله عليه وآله) يمهد بها لقيادته وزعامته، والتعريف بمنزلته، وموقعه المتميز، من القيادة مع تبيين أبعاد هذه الشخصية الإلهية، وذلك من منطلق اهتمامه بمستقبل الأمة الإسلامية(7)، وبالفعل هذا التبجيل والتقديس استحقه الإمام (عليه السلام)، لتقواه وورعه وفضله وعلمه ولكل ما يمتلكه من خصال حميدة، جعلته الرجل الثاني في الإسلام بعد رسول الله (صلى الله عليه واله)، ليكون الخليفة في الأمة من بعده ولا سيما هو أول القوم إسلاماً، وأقدمهم إيماناً، وأشدهم عزيمةً وأقواهم شكيمةً.
إن لإمامنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) شأناً ومقاماً وفضائل فوق مستوى العقول والإدراك، روي عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه قال: (ليس من آية في القرآن فيها (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها…)(8).
فأحقية الإمام (عليه السلام) بلقب أمير المؤمنين، إنما هي من الله عز وجل لذا طغى على بقية الألقاب واشتهر به وأنه الأكثر وقعاً في النفوس، وأنه أصبح ملازماً لشخصه الشريف (عليه السلام).
ونتساءل إذا كان هذا اللقب لا يحق للأئمة من ذرية الإمام (عليه السلام) فالأولى أنه لا يحق لغيرهم.
ولهذا فلا يحق للحكام والملوك أن يتصفوا بهذا اللقب، ويتسموا به لأنه من حق الإمام (عليه السلام) فقط، وليس بالإمكان أن يطلقه أحد جزافاً، وأنه من الغصب والجحود لمقامه الشريف فعل ذلك، وفيه مخالفة لأمر الله تعالى ورسوله الكريم.
إن من الظلامات التي جرت على الإمام (عليه السلام)، هي انتحال هذا اللقب من قبل غيره من الشخصيات سواء أكانت في العصر الإسلامي، بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله) من قبل بعض الصحابة، أم في زمن بني أمية وبني العباس و في غير ذلك من الأزمنة إلى يومنا هذا، فكل من تسمى بلقب أمير المؤمنين، قد أخذ وانتحل صفةً خص الله تعالى بها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون الناس، السلام على إمام المتقين وأمير المؤمنين حقا، يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اليقين، ابن طاووس:24 .
2- المصدر نفسه:1/23 .
3- الكافي، الكليني: 1/411 .
4- الإمام علي بن أبي طالب، أحمد الهمداني:57.
5- المصدر نفسه: 59.
6- الأمالي، الصدوق:450 .
7- موسوعة الإمام علي (ع)، محمد الريشهري:84.
8- مطالب السؤول:126-127 .
نشرت في الولاية العدد 125