منشأ النصب ومعادات الشيعة

An Afghan villager holds up a blood stained hand to US military soldiers from the 3rd platoon, C-company, 1-23 infantry, before they use a ballistics kit to test for explosive residue on his hands after he was shot because he was suspected of being an insurgent and planting a roadside bomb, in Genrandai village  at Panjwai district, Kandahar on September 24, 2012. The wounded man denied being Taliban, an association with which consequently leads to incarceration for the suspect and his family, saying he had been working at a grapevine when he was shot. The Afghan Taliban dismissed NATO figures showing a decrease in insurgent attacks, saying the statistics reflect troop withdrawals and a "cowardly" avoidance of contact.   AFP PHOTO/Tony KARUMBATONY KARUMBA/AFP/GettyImages ORG XMIT:

فاروق محسن ابو العبرة

لا نغالي إذا ما قلنا إن الأفكار المتعددة التي اخترقت نسيج الأمة الإسلامية في معتقداتهم على إثر انهيار الشرعية في أول الدعوة هي التي أحدثت توسعا في الجرح، وأضحى الإسلام ضعيفا مرتعا للتجزئة والتفرقة بعد أن كان قويا في شرعه على عهد النبي صل الله عليه واله، اذ ان الجميع طوع كلمته، وبعد ان ارتحل سرعان ما دب الانهيار في الصرح الاسلامي وانقلب الناس على أعقابهم وصدق فيهم قوله تعالى: (أفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).

لقد مرت على العالم الإسلامي سنون عجاف التبس فيها الحق على المسلمين، واتسعت رقعة الباطل وأخذ يتسع كلما بعدت الشقة عن عهد النبي صلى الله عليه وآله، وأمور الأمة من سيء الى اسوء من خلال الضبابية التي اخترعها الذين حكموا الأمة، من خلفاء وأمراء وملوك ورؤساء بما يلائم سياسة المحافظة على الملك.
وأخذت الأفكار المنحرفة تتجذر يوما بعد آخر في الأذهان، والواقع بدأ يعكس نظرته باتجاه معاداة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، فالمسلمون في وعيهم الديني على مدى العصور تشربوا هذا النهج واعتادوا عليه وفق الرؤى الجديدة المقدمة لهم في عقولهم، فساعد هذا الواقع الذي ارتكز في فكر عوام المسلمين فاصبح عقيدة تترسخ وتسير معهم فيما يقولون ويفعلون.
فكانت الصعوبات تتعاظم وتتزايد في وجوه أتباع أهل البيت عليهم السلام، وزاد في مشقتهم ما قاموا بأعبائه لأجل الدفاع عن حق أهل البيت عليهم السلام ولأجل البرامج المعدة للمسلمين في القرآن.
فالشيعة دفعوا الثمن في الماضي والحاضر وهم مستمرون الى ما شاء الله في البذل في اعادة النقاء والسناء الى الأمة، ولكن بلا جدوى نتيجة للسياسة المقابلة الظالمة التي كانت تضغط باتجاه تهيئة وضع جديد، ولم يترددوا في مواجهة أي شيء من شأنه ان يطيح بالاتجاه الإسلامي.
فالطرائق الانفعالية التي استعملوها تشبه الإعصار في مضادّة أهل البيت(عليهم السلام) ومنهجهم ومضادّة من يفكر أن يقف الى صفهم، فاكتسحت الساحة الإسلامية حزمة من الأفكار تروج الى تحييد هذا المنهج الذي لولاه ما قام للإسلام قائم، وهم (عليهم السلام) برغم العزلة ووضعهم الحرج حافظوا عليه، فكان تصديهم بدافع المسؤولية ونقاء الشريعة والدين.
ان مكانة أهل البيت عليهم السلام عندما لا توضع في محلها الطبيعي أو لا ينظر اليهم النظرة المقدسة التي اولاهم الله ورسوله اياها ورتبهم فيها، فذلك ظلم عظيم ليس فيه امتثال لمصدر التشريع.
والشيعة لو لم يزهد المسلمون بآل بيت محمد صلى الله عليه وآله لم يمتازوا عن غيرهم من الامة وإنما امتاز شيعة علي بن ابي طالب عليه السلام وأولاده بسبب الإهمال الذي صدر من الأمة بحقهم.
ان الأطراف المقابلة لكثرتهم يعتقدون انهم يمثلون الحق، والشيعة في نظرهم اقلية عليهم الانضمام الى الجماعة والا يكونوا عنصر فرقة، وهذا الشعور نتاج متمخض عن سياسات الحكام من فجر الدعوة الى اليوم، ونتاج ما تبشر به برامج تناضل من أجل اعطاء شرعية لمن خرج عن الشرعية إبان رحيل رسول الله صلى الله عليه واله عن الدنيا.
وهذا التوتر يعود مداه الى أكثر من ألف وأربعمائة عام حول الخلافة والإمامة، فمن حق الشيعة في مواقفهم ان تكون لهم آراء في هذه المسألة وأن يكون لهم تحليلهم التاريخي العقدي في إظهار حق وإيضاح مظلومية أئمة أهل البيت عليهم السلام.
لهذا لا ينبغي للسلفية تكفير الشيعة والاستمرار في حالة النزاع، فالمسلم أخو المسلم والمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص.
وعليهم أن يكونوا أكثر حرصاً في فهم وجهة نظر الآخر والبحث عن الثوابت ليتعاطفوا ويكتشفوا ما هو مشترك من الأصول ونبذ الخلاف في الجزئيات والفروع.
وعلينا نحن أيضاً أن نقنعهم بهذه المسائل ونتقارب معهم بعرض جديد للحق في تفسيره، فإننا نطلب حوارا ولا نلتمس صراعا، لأن الاختلاف مظهره سوء الفهم فالحق بيّن يراه كل من يبحث عنه ويريد احقاقه، فلو صدقوا لرأوا أهل البيت(عليهم السلام) بعين البصيرة من أول مبادرة عندما يجدون التربية والوعي والعلم والمعرفة ويجدون المحتوى الإسلامي برمته في منهج اهل البيت النظري والسلوكي، أو عندما يرون تأثير فكرهم في عملية التغيير والإصلاح والبناء على المستويين العام والخاص أفرادا وجماعات، فتلك نقطة فاصلة يجب الالتفات اليها في اختيار المذهب الحق الذي ينبغي أن يتبع.
ان الإسلام يرفض من يقود المسلمين بالقوة أو يريد أن يغير شرطاً من شروطه، فمن شروط الدولة الإسلامية أهل البيت عليهم السلام الذين يقبل الاسلام منهم الحكم (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ){الحج/41} .
وليس من الدين أن تؤيد الأمة الحاكم إذا أصاب أو أخطأ وتتبعه في الحق والباطل وليس منه ان يتسلط الجبابرة الطغاة، وليس من الإسلام أيضاً ألّا يندد المسلمون بهؤلاء المتسلطين ويمنعوهم عن باطلهم، كما ليس منه أن يمشوا معهم في ركابهم ويتّبعوا أوامرهم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ){الزخرف/54}.
وفي الحقيقة إنّ سياسة إقصاء الأئمة عليهم السلام لم تُعطَّل في جانبها العلمي كأعلمية الإمام علي عليه السلام، الذي استمر الاحتياج إليه بعد أن انكمش تيار الناس الذي لم يعد لديه ما يقدمه من حلول لبعض المسائل وأصبح عاجزا تماما.
وهذا يفسر أن الصدمات التي عاشها أهل البيت عليهم السلام لم تحل دون تواصلهم مع قواعدهم الشعبية، وما كانت يوما لتفصل الأمور الروحية والمدد المعنوي والمادي عن الأمة.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله