اتحاد مخرج حروف ( ر ، ل ، ن ).. دراسة ميسّرة

0

احمد جاسم النجفي

 

عدّ الخليل بن احمد الفراهيدي حروف ( الراء واللام والنون ) أصواتاً ذلقية (1) ، وقد جعلها في مجموعة واحدة ، إذ قال: ( والراء واللام والنون في حيز واحد ) (2) .
وحدد سيبويه مخرج كل منها، وفصل الكلام فيها ولم يجعلها ـ كما يظهر من كلامه من مخرج واحد، فجعل مخرج اللام: (من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام) (3) وجعل مخرج النون: ( من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا مخرج النون ) (4)، اما مخرج الراء: ( ومن مخرج النون غير أنه ادخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام مخرج الراء ) (5) .

 

وسيبويه هنا يتفق مع الخليل في ان طرف اللسان (ذلقه) يعمل في كل من هذه الثلاثة إلا أنه يزيد عليه بتحديد موضع كل منها وبملاحظة حركات اللسان في أثناء إخراج كل منها(6).
ووصف الاخفش (أبو الحسن سعيد بن مسعدة ت 215 هـ) مخرج النون بأنه من طرف اللسان(7)، ومخرج اللام بأنه من طرف اللسان قريب من أصول الثنايا وهي الشق الأيمن أدخل في الفم (8) وهو بهذا يتفق مع سيبويه في وصف انحراف اللام إلى احد شقي الفم(9).
إذن مخرج (اللام والنون والراء متقارب بعضه من بعض، فإذا ارتفعت عن مخرج النون نحو اللام فالراء بينهما، على أنها إلى النون أقرب، واللام تتصل بها بالانحراف الذي فيها)(10).

بيان مخرج اللام:
وانطلاقاً من رأي الخليل وسيبويه معاً يفيد علماء التجويد في شرح مخرج اللام، فقد قال ابو عمرو الداني:(مخرج اللام في الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا؛ لان مخرج النون يلي مخرجها ـ عند الخليل ـ وهي فوق الثنايا، على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفي لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر ، وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا، وإنما ذاك يأتي لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج في ظهر اللسان، فيُُبْسَط الجانبان لذلك عند الضاحك والناب والرباعية والثنية)(11).
ومخرج اللام عند عبد الوهاب القرطبي: ( من حافة اللسان من ادناها إلى مستدق طرفه من بينها وبين ما يحاذيها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام)(12).
ويمكن إخراج اللام من كلتا حافتي اللسان اليمنى واليسرى، إلا أن إخراجها من الحافة اليمنى أمكن(13).

بيان مخرج الراء:
وذكر الداني أن الراء تخرج:(من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا العليا، غير انه ادخل من النون في ظهر اللسان لانحرافه إلى اللام)(14).
وقال محمد بن الجزري عن الراء: ( من مخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا العليا، غير أنه ادخل في ظهر اللسان قليلاً وهذه الثلاثة ـ اللام والراء والنون ـ يقال لها: الذلقية، نسبة إلى موضع مخرجها وهو طرف اللسان، إذ طرف كل شيء ذلقه) (15).
والنون من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا مخرج النون(16)، فطرف اللسان وما فوق الثنايا يلتقيان فتنشأ النون، والمسافة في الراء والنون تضيق طولاً وعرضاً، والاشارة إلى اللثوية والأسنانية واضحة في كلام علماء التجويد.

النون مؤاخية لصوت اللّام:
وادّعى مكي بن ابي طالب- صاحب كتاب الرعاية- أن النون مؤاخية لصوت اللام لقرب المخرجين، ولانحراف اللام إلى مخرج النون، وهذه النون هي النون المتحركة أما النون الساكنة فمخرجها من الخيشوم(17).
والحقيقة أن عبارة مكي تحتاج إلى بيان وتوضيح أكثر لسببين:
السبب الاول: أنَّ مكياً قصد بالنون الساكنة الخفية، وهي أحد الأصوات الفرعية المستحسنة التي ذكر انها كثيرة في كلام العرب وتستحسن في قراءة القرآن الكريم والأشعار(18)، وهذه النون فرع عن النون الأصلية، ويمكن الاكتفاء بمخرج النون الأصلية(19).
السبب الثاني: ان الخيشوم ليس مخرجاً؛ وإنما هو صفة للغنّة، وبذلك التبس عليه الصفة بالمخرج.
والجدير بالذكر أن فكرة إرجاع الأصوات الفرعية إلى الأصوات الأصلية فكرة قديمة، وان أول من اتبع هذا المنهج هو ابن الطحان (ت56هـ (20).
واحسب ان بين هذه الأصوات ـ اللام والراء والنون ـ قرباً شديداً يخفى معه على المتعلم إدراك التمايز بين مخارجها، ولعل جمعها في مخرج واحد والاعتماد في التفريق بينها على صفاتها الصوتية مما ييسر الأمر على المتعلم.

آراء المحدثين:
أما المحدثون فقد عدوا الأصوات الثلاثة من مخرج واحد وهو اللثة.
ووصفوا الراء بأنها تتكون عن طريق ضرب طرف اللسان باللثة ضربات متكررة بشرط ان تكون الراء ساكنة حتى لا ينتقل اللسان إلى الحركة بعدها، وان كان التقاء طرف اللسان باللثة تاماً وامتنع الهواء من المرور وتحول إلى مجرى الأنف ينتج صوت النون، وان سمح له بالانسياب على حافتي اللسان او على إحداهما يحدث صوت اللام(21).
وعدها بعض المحدثين أشباه أصوات اللين، قال الدكتور إبراهيم أنيس: (أما وجه الشبه بين أفراد هذه المجموعة الفرعية كما يراه المحدثون فهو أنها مع قرب مخارجها تشترك في نسبة وضوحها الصوتي، وأنها من أوضح الأصوات الساكنة في السمع، ولهذا أشبهت من هذه الناحية أصوات اللين)(22).
بذلك نجد المحدثين يتفقون مع القدامى وعلماء التجويد في ان طرف اللسان يعمل في هذه الأصوات الثلاثة، إلا ان لكل صوت صيغة لخروجه وانسياب الهواء معه، ولذلك اختلفت تسميات هذه المجموعة، فبعضهم سماها باللثوية(23)، وآخر سماها أدنى حنكية (25)، وآخر اطلق عليها أصوات مائعة(24)، وآخر حذا حذو القدامى فسماها ذلقية(26).

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ظ: العين، 1 / 65.
(2) المصدر نفسه، 1 / 65.
(3) الكتاب، 2 / 405.
(4) المصدر نفسه، 2 / 405.
(5) المصدر نفسه، 2 / 405.
(6) ظ: الخليل بن احمد الفراهيدي أعماله ومنهجه،ص 104.
(7) ظ: معاني القرآن، الاخفش، تحق: فائز فارس، ط: 2(الكويت: 1981، بلا دار نشر) 1 / 23.
(8) ظ: المصدر نفسه، 2 / 533.
(9) ظ: الكتاب، 4 / 433.
(10) الكتاب،1/ 433؛ المقتضب، 1/193؛ سر صناعة الإعراب، 1 / 48.
(11) تجويد القرآن الكريم من منظور علم الأصوات الحديث، ص 42 نقلاً عن الداني.
(12) الموضح في التجويد، ص 78.
(13) ظ: كفاية المستفيد في فن التجويد، محيي عبد القادر الخطيب، ط: 6 (بغداد: بلات، مكتبة النهضة) ص 42.
(14) التحديد، ص 105.
(15) النشر، 1 / 226.
(16) ظ: الموضح في التجويد، ص 79.
(17) ظ: الرعاية، ص 167.
(18) ظ: الكتاب: 4 / 432.
(19) ظ: المدخل إلى علم أصوات العربية، ص 94.
(20) ظ: مرشد القارئ، ص30 ـ 32.
(21) ظ: دراسة الصوت اللغوي، ص 316 ـ 317.
(22) الأصوات اللغوية، ص 63.
(23) ظ: مناهج البحث في اللغة، ص 156؛ دراسة الصوت اللغوي، ص 317.
(24) ظ: دروس في علم أصوات العربية، ص 30.
(25) ظ: أسس علم اللغة، ماريوباي، ترجمة: احمد مختار عمر، ط: الثامنة، (القاهرة: 1419هـ/1998م، عالم الكتب)، ص 86.
(26) ظ: فقه اللغة، محمد المبارك، ص 47.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله