من ذاكرة عاشوراء

IIII_ASHORA_IIII_by_AymanStyle

م.م. زينب الموسوي 

نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) كان لا بدّ لها أن تقع، وهي أمر لا بدّ من حدوثه في الزمان والمكان اللذين خطتهما المشيئة الإلهية.. فمنذ اللحظة الأولى التي قرر فيها التوجه إلى العراق، صمّم(عليه السلام) على أن يقوم بحركة الإصلاح في جميع الأحوال والتقادير مهما كلفه الأمر، ومهما تطلب منه ذلك من عطاء وتضحية.
لذا نستطيع القول بأنّه(عليه السلام) لم يكن يتحرّك نتيجة لردود فعل من المجتمع أو الأُمّة، بل كان يحاول أن يخلق ردود الفعل المناسبة لحركته ونهضته الضرورية.

 

ومما يدل على ذلك أنّه(عليه السلام) كتب بنفسه إلى عدد من زعماء القواعد الشعبية طالباً منهم الالتفاف حول حركته، وهذا ما يؤكد لنا أنّه(عليه السلام) لم يكن في موقفه وحركته يعبّر عن مجرد استجابة لردود فعل عاطفية أو منطقية في الاُمّة، بل هو من بدأ منذ اللحظة الأولى بتحريك الأمة نحو خطّته.
تبريرات توافق اخلاقيات الامة:
إذنّ فالإمام الحسين(عليه السلام) كان يخطّط تخطيطاً ابتدائياً لتحريك الأمّة، وكان(عليه السلام) قد صمّم على أن يتحرّك مهما كانت الظروف والأحوال، فوقف بوجه أعداء الإنسانية، ورفع شعارات وقرر قرارات لتبرير مخططه.
ولكنه(عليه السلام) في البدء حينما ألقى شعاراته الإصلاحية وقرر قراراته لم يكن يطلقها بشكل صريح، وذلك توافقا مع المبادئ الأخلاقية التي عايشتها الاُمّة الإسلامية التي كانت مهزومة في عقر دارها، وهذا الأمر بحدّ ذاته كان جزءً مهما وضروريا في إنجاح هدفه(عليه السلام)، ولو خرج (عليه السلام) عن هذه الأخلاقية لفقد في حركته طابع المشروعية في نظر المجتمع آنذاك، وعندها تكون نهضته غير قادرة على أن تهزّ ضمير ذلك المجتمع كما كان من المفروض أن تهزه وتوقد فيه شعلة التغيير.
تبريره بملاحقة بني امية له:
فمثلا عندما أخذ بعضهم يعترض على الإمام الحسين(عليه السلام) في الخروج، كان يجيبهم بما يتناسب وإدراكهم فيقول ما مضمونه انه يقتل على كلّ حال سواء وأنّ بني اُمية لا يتركونه سالما، وأنه ميّت على أيّ حال سواء بقي في مكة أم خرج منها، والدلائل والأمارات والملابسات كانت تؤكد وتشهد بأنّ بني اُميّة قد صمّموا على قتله حتى لو كان متعلقاً بأستار الكعبة.
فهو(عليه السلام) قد أطلق هذا القرار بطريقة منسجمة مع أخلاقية الاُمّة آنذاك، لذا لم تجد هذه الامة – وهي تعيش حالة الهزيمة- منطقاً تنفذ منه لتنقد تحرك الإمام الحسين(عليه السلام).
تبريره بغيبية التحرك:
أما تبريره الآخر لقراره فهو غيبية التحرك، فمثلا عندما نصحه محمد بن الحنفية بالعدول عن قراره أجابه (عليه السلام) بأنه شاهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المنام وهو يقول له: إنّك مقتول، فتراه(عليه السلام) يجيب بهذه الحجة الغيبية الصادرة من أعلى، وهذا القرار الغيبي لا يمكن لأخلاقية الهزيمة أن تنكره ما دام صاحب هذه الأخلاقية مؤمناً بمنزلة الإمام الحسين(عليه السلام) ومؤمناً بصدق رؤياه.
ومن الطبيعي أنّ الإمام (عليه السلام) لم يكن ليحدث بهذه الرؤيا عبد الله بن الزبير لأنه لا يؤمن بالتبريرات الغيبية.
تبريره باجابة اهل الكوفة:
إلى جانب ذلك كان هناك سبب آخر ذكره(عليه السلام) لنهضته، يتضمن ضرورة إجابة دعوات أهل الكوفة واستنصاراتهم له، وهو تبرير طرحه في مرحلة ثالثة، إذ كان يخبر به الأشخاص الذين يمرّ بهم في طريقه من مكة إلى العراق حينما كانوا ينصحونه بالعدول عن قراره، فيكلم الناس على قدر فهمهم ويبين لهم بأنّ اقدامه على النهوض قائم على أساس استجابة وردّة فعل وإجابة طلب، وأنّ الاُمة أرادت منه التحرك، وأنه(عليه السلام) قد تمّت الحجّة عليه في ذلك.
الخلاصة:
وخلاصة القول أنّ هذه التبريرات التي كشف عنها(عليه السلام) كانت كلّها واقعية ومنسجمة مع أخلاقية الاُمّة المهزومة روحياً وفكرياً ونفسياً وأخلاقيا، ولكن الحسين(عليه السلام) هو من بدأ – في الحقيقة- بتحريك الأمة نحو تلك النهضة المباركة التي ما زالت تضيء بشمعتها طريق الحق، والتي ما زالت تئدُ يزيدَ وأعوانه كلما وُلد، والتي ما زالت تربي فينا روح البذل والعطاء والتضحية من أجل إحقاق حق ودحض باطل، وما ذلك إلا لعظمتها وشموخها في ذاكرة الإنسانية المجبولة على محاربة الظلم الطغيان، والمحبة للسلام.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 75

مقالات ذات صله