الوحي في القرآن الكريم (دراسة موجزة)

صفحة قرآن

الشيخ أحمد إسماعيل

 

من المعلوم أن وراء شخصية الإنسان الظاهرة شخصية أخرى باطنة هي التي تؤهله أحيانا للارتباط مع عالم روحاني أسمى وأرفع من العالم الذي يعيش فيه ويتعايش معه, هذا واقع الإنسان الحقيقي ذي التركيب المزدوج من جسم وروح.
فهو بمثابة البرزخ الفاصل بين عالمي المادة وما وراءها، فمن جهة نجد أن هذا الإنسان مرتبط بعالم الملكوت والسماء، ومن جهة أخرى نجده مستوثقا حد الثمالة بعالم الأرض والمحسوسات، قال تعالى: ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين… فكسونا العظام لحما).

 

إلى هنا تنتهي خلقة الإنسان المادي, ثم يقول سبحانه وتعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)، وهذا الخلق الآخر هو وجود الإنسان الروحي, أي وجوده الواقعي الذي من خلاله يمكنه الوصول إلى الملاكات الكمالية الربانية ومن ثم الاتصال بعالم الملأ الأعلى , ومن هنا تبدأ ظاهرة الوحي الروحي الإلهي التي هي أهم مرحلة من مراحل النبوة.

معنى الوحي:
والوحي في معناه اللغوي هو الإلقاء في خفاء, أو تعليم الآخر بخفاء, وعلى الرغم من اختلاف العبارات وتباينها في تعريفه إلا أنها تدور حول هذا المعنى، إذاً فالوحي هو ظاهرة روحية قد توجد في آحاد من الناس يمتازون بخصائص روحية تؤهلهم للاتصال بالملأ الأعلى، وهذا الاتصال تارة يكون عن طريق الإلهام إلى القلب، وتارة أخرى بسماع عبارات وكلمات وراء حجاب، وتارة ثالثة عن طريق كشف الحقائق في عالم الرؤيا، والآيات تشير إلى هذه المعاني الثلاثة كما في قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا).
وقد استعمل الوحي في القرآن الكريم في موارد مختلفة لهذا المعنى الجامع ( المعنى اللغوي ) الذي ذكرناه آنفا، وإن شئت فقل من باب تطبيق الكلي على مصاديقه، منها:
1- تقدير الخلقة بالسنن والقوانين، أي إن الله تعالى قد أودع في كل سماء السنن والأنظمة الكونية، قال تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان.. وأوحى في كل سماء أمرها).
ولأن السماوات قد تلقت هذه السنن والنظم فإن التعبير بلفظ (الوحي) إنما هو من باب الاستعارة على حد قول بعض المفسرين.
3- الإلهام والإلقاء في القلوب، ومنه قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) وغيرها.
4- الإشارة: بمعنى استخدام الإشارة في تفهيم المراد، فأشبه فعله إلقاء الكلام، قال تعالى (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا).
5- الإلقاء الشيطاني: قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون).
6- كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه، قال تعالى: (كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم).
وهذا النوع من الوحي هو تعليم الله من اصطفاه من عباده كلما أراد إطلاعه على ألوان الهداية وأشكال العلم، ولكن بطريقة خفية وغير معتادة.

وحصيلة الكلام:
1- أن للإنسان جانبين، مادياً ومعنوياً.
2- الوحي من نتائج الملاكات الروحية المتصلة بالملأ الأعلى، وحقيقته هي أنه تعليم غيبي لمن اصطفاه الله من عباده.
3- استخدام القرآن الكريم الوحي بمعان مختلفة منها: تقدير الخلقة بالسنن والقوانين، والإدراك بالغريزة، والإلهام والإلقاء في القلب، والإشارة والإلقاءات الشيطانية، وكلام الله المنزل على نبي من أنبيائه.
4- يتضمن الوحي الإلهي النكت في القلب ومخاطبة الملك إما بالمشاهدة أو بالاستماع فقط.

 

نشرت في الولاية العدد 76

مقالات ذات صله