إحياء ميلاد الرسول بين البدعة والشعيرة

عقائد

الشيخ ستار المرشدي

قد يسأل سائل او يستفهم مستفهم: ما خطب أتباع أهل البيت(عليهم السلام) يعيشون أيام المحرم وصفر في عزاء وبكاء، وبعده يعيشون في شهر ربيع موسم أفراح وانشراح.
والجواب هو أن حياتنا أصبحت حياة آل محمد(صلى الله عليه وآله) فأفراحنا أفراحهم وأحزاننا أحزانهم.
ولكن ما نقف عنده ونستغرب منه هو اننا ما إن نبكي الا ويعترض المعترضون وما ان نفرح الا ويعترض المعترضون، ويحاولون حشر افعالنا في زاوية الشرك، وكأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يقل: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون احب الناس إليه…).

 

الاشكالات على احياء ميلاد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله):
عمدة ما أشكل به على احياء الميلاد المبارك اشكالان: أولهما: عدم ورود الاحتفال بميلاد الرسول في الكتاب والسنة، وثانيهما: ان احياء الميلاد والاحتفال به نوع من العبادة لغير الباري عز وجل.
فأما الإشكال الأول فيحاول المشكل إدخاله في البدعة ليرتب آثارها على من يخالفه بالرأي، فكأنه يريد نصا يقول (احيوا مولد النبي) أو (يجوز احياء الميلاد) ولا يوجد كهذا النص حتما لا في القرآن المجيد ولا السنة النبوية، وهم لا يريدون ان ينفتح عقلهم ليصل الى مفاهيم الجُمل وعدم الوقوف على منطوقاتها وظواهرها، فكأنهم لم يقرؤوا في القرآن الكريم قوله: (واذكر في الكتاب ابراهيم) ولم يقرؤوا قوله تعالى: (وذكّرهم بأيام الله) وقوله تعالى حكاية عن النبي عيسى: (السلام عليَّ يوم ولدت).
فيجازفون في اطلاق لفظ البدعة غاضّين النظر عن ان هذا فعل مباح بل راجح عقلا ولنا ان نقول شرعا كما سنبيّن.
وسأكتفي بما ذكره ابن تيمية نصا في كتاب مجموع الفتاوى ( 298/25) إذ قال: (وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال انها ليلة المولد فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها).
وواضح ان محط نظره في التشريع هو السلف والأصحاب، فهم عنده القطب في التشريع، والانكى من ذلك ما يقرّه على نفسه من انه امر لا ينكره عاقل وعدم وجود المانع، اذ قال في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم متحدّثا عن الاحتفال بالمولد: (فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضا او راجحا لكان السلف احق به منا، فانهم كانوا اشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وتعظيما له منا، وهم على الخير احرص).
ولم نعهد عبارات فارغة كهذه، فمن له ان يدعي أن السلف اولى منا بالخير المحض، ومن له علم الغيب والكشف عن مكامن النفس لدى الأولين والآخرين ليقول ان السلف كانوا اشد محبة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وتعظيما له منا، فأمثال مسرة بن جندب خير، ام من ثبت على الصراط المستقيم في عصر لم يرَ فيه ظل النبي الكريم؟
وجواباً عن الاشكال الثاني نقول: ادعاء ان الإحياء والاحتفال بمولد الرسول الأعظم فيه نوع من العبادة لغير الباري واهٍ ومتناقض، فكيف يمكن لمن أقرَّ بصدق الرسول أن لا يقرّ بالمُرسِل، هذا فضلا عن أن للعبادة مقومات وضوابط كالنية وقصد التعبد وغير ذلك، ولكنهم لا يريدون ان يميزوا بين قصد التعظيم والعبادة وجعلوا لهما معنيين مترادفين كما نص عليه بعضهم.

الأدلة القرآنية على مشروعية احياء مولد الرسول:
قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)-الأعراف/157-.
(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ والله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)-التوبة/24-.
كل ما جاء حث وتأكيد على ابقاء جذوة المحبة والذكر الدائم للرسول الأعظم، وهي من قوام الدين لذا نرى ان الله عز وجل يسند لذاته المقدسة رفع ذكر الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وهي من قوام الدين (ورفعنا لك ذكرك) في حال انه يأمر باحياء ذكر الأنبياء ولم يخصهم بما خصه به إذ قال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ).
قال الحافظ السيوطي في الدر المنثور (367/4) في معرض ذكره للآية الكريمة: قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)-يونس/58-.
ذكر الرحمة في الآية بعد الفضل تخصيص بعد العموم المذكور وهو يدل على شدة الاهتمام ومجيء اسم الاشارة (ذلك) لأكبر الأدلة على الحض على الفرح والسرور لأنه اظهار في موضع الإضمار وهو يدل على الاهتمام والعناية.
ولذلك قال الآلوسي في روح المعاني (141/10) عند قوله تعالى (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) للتأكيد والتقرير بعد ان رجح كون الرجعة المذكورة في الآية هي للنبي(صلى الله عليه واله) قال: والمشهور وصف النبي صلى الله عليه واله بالرحمة كما يرشد اليه قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء/107).

الأدلة من سيرة الرسول:
قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية: (ان اول من ارضعته(صلى الله عليه وآله) هي ثويبة مولاة أبي لهب، وكان قد اعتقها حين بشرته بولادة النبي(صلى الله عليه وآله)، ولهذا لما رآه اخوه العباس بعد موته في المنام بعدما رآه بشرّ حيبة (يعني أسوء حالة) سأله: ما لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم خيرا غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي لثويبة ـ واشار الى النقرة التي بين الابهام والتي تليها من الاصابع ـ ).
وعن ابن كثير قائلا: فإذا كان هذا في حق الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى(صلى الله عليه وآله) فما بالك بمن خرج به وهو مؤمن موحد.. وهذا ما ذكره وقرره شيخ القراء ـ والكلام لابي كثير ـ الحافظ شمس الدين الجزري في عرف التعريف بالمولد الشريف في كتابه (مورد الصادي في مولد الهادي)، وهذه القصة ورأي ابن كثير وتقرير الجزري نُقل من كتب العامة ولم نخضعها للميزان الذي نراه في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).
واخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) سئل عن صومه يوم الاثنين فقال: (ذاك يوم ولدت فيه)، واورد السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد: (اصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوب وقربى..) ثم قال: (وظهر لي تخريجه على اصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن انس ان النبي(صلى الله عليه وآله) عقّ عن نفسه بعد النبوة مع انه قد ورد ان عبد المطلب قد عقّ عنه والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل على ان النبي فعله(صلى الله عليه واله) كان اظهاراً للشكر على ايجاد الله تعالى اياه.. فيستحب لنا ايضا اظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان واطعام الصيام ونحو ذلك من وجوه القربات، واظهار المسرات).

 

نشرت في الولاية العدد 77

مقالات ذات صله