السياسة المالية والاقتصادية عند الامام علي(ع)

عملات

المهندس: سلام عادل النصراوي

عندما بويع الإمام علي(عليه السلام) لقيادة الحكم في الأمة الإسلامية سنة 35هـ (656 م) بالمدينة المنورة أعلن معالم سياسته التي تميّزت بتقدّم حضاري ملموس، ولاسيما فيما يتعلّق بالجوانب المالية وواردات الدولة وآلية توزيعها, وأعلن حزمه في أمر الخراج وما تملكه الدولة من العائدات المالية التي هي ملك الشعب. وبيّن(عليه السلام) عدله في سياسته المالية بأن لا يخصّ نفسه وذويه بتلك الأموال, وإنما تنفق لتطوير الحياة العامة وتنميتها من خلال خلق فرص العمل ورفع مستوى المعيشة للفرد والقضاء على الجريمة والفساد.

 

ومن أبرز ملامح برنامجه السياسي الاقتصادي التوزيع العادل للثروة وإشاعة الرخاء والانتعاش الاقتصادي لسكان الدولة الاسلامية دون تمييز أو اعتبار خاص، فقد ساوى بين سكان بلاد المسلمين، وكان لليهود والنصارى فيها من الحقّ كما للمسلمين, بخلاف ما حدث من تمييز وثراء كبير لفئة دون أخرى كثراء بني أمية على حساب الفقراء من أبناء الدولة الاسلامية في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وقد شدد الامام في عهد ولايته على محاسبة المفسدين الذين نهبوا أموال المسلمين بغير حق، فأصدر أوامر بجمع الاموال المسروقة والمختلسة من بيت المال وإعادتها الى خزينة الدولة (بيت المال)، فقد تميزت سياسته (عليه السلام) بالعدالة والصرامة وعدم المداهنة مع أي طرف مهما علا شأنه أو قرب نسبه، فقد كان جُلّ اهتمامه متوجّهاً الى شريحة الفقراء والعاطلين عن العمل, مما جعل منهجه في السياسة الاقتصادية يعتمد مبدأ توزيع الاموال بصورة عادلة وسريعة على مستحقيها, والاهتمام بالجانب الزراعي من خلال تعمير الاراضي وإصلاح الري لاستيعاب العاطلين عن العمل وزيادة الانتاجية الغذائية لسد رمق الفقراء.
الاهتمام بالانتاج الزراعي:
وهذا ما أكّده أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر عندما شدّد على ضرورة إصلاح الأرض قبل أخذِ الخراج منها حيث قال: (وَلْيكُن نَظَرُكَ في عمارةِ الأرْضِ أبْلَغَ من نظرِكَ في اسْتِجْلابِ الخراجِ، لأنَّ ذلكَ لا يُدْركُ الا بالعمارةِ؛ ومن طَلَبَ الخراجَ بغيرِ عمارةٍ أخْرَبَ البلاد، وأهْلَكَ العباد).
فكان معنياً بانشاء المشاريع الزراعية،وتطويرها والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان من أصول الاقتصاد العام في تلك العصور، و قد أكد(عليه السلام) هذا المفهوم في عهده لمالك الأشتر كما ذكرنا آنفاً.
لقد كان أهم ما يهتم به الإمام أمير المؤمنين لزوم الإنفاق على تطوير الاقتصاد العام، حتى لا يبقى أي شبح للفقر والحرمان في البلاد.

السياسة العادلة لتوزيع المال:
إن سياسة الإمام أمير المؤمنين العادلة في توزيع المال كانت امتداداً لسياسة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) الذي عُني بتطوير الحياة الاقتصادية، وإنعاش الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد ومن مظاهر هذه السياسة ما يأتي:
1- المساواة في التوزيع والعطاء، فليس لأحد على أحدّ فضل أو امتياز، وإنما الجميع على حدٍ سواء، فلا فضل للمهاجرين على الأنصار، ولا للعرب على غيرهم.
2- عدم الاستئثار بالمال العام، فإذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك، ويقول: «يا دنيا غري غيري».
إن النظام الاقتصادي الذي اعتمده الامام علي(عليه السلام) يهدف الى إقامة مجتمع عادل ومتوازن لاتقف فيه الاقطاعية أو الرأسمالية موقف التسلط والتَسيُّد على رقاب الناس ولا يوجد فيه فقير ومحروم وبائس، فقد كان الامام شديداً وعادلاً مع أقرب المقربين, وحادثة أخيه عقيل ابن أبي طالب هي دليل قاطع على عدالته, فعندما طلب عقيل مساعدة من بيت المال أكبر مما يستحق حمى الإمام(عليه السلام) له حديدة وقرّبها الى يده، جاعلا من ذلك الموقف عبرةً ودرساً للعدالة والمساواة بين الرعية.

تمرد النفعيين على سياسته المالية:
وعلى أي حال فإن السياسة المالية و الاقتصادية التي تَبنّاها الإمام (عليه السلام) قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الإسلام، فخلق له ذلك مصاعب كثيرة ودفع بسببه ثمنا باهضا تمثل في تخاذل جيشه وتوجّهه صوب معاوية، وتنكّر له الأعيان من البلاد وقاطعته قبائل قريش الإقطاعية التي استأثرت بالمال والهبات في العهد الذي سبق ولايته, مما دعا ابن عباس إلى أن يقترح على الإمام قائلا: يا أمير المؤمنين، فَضِّل العرب على العجم، وفَضِّل قريشاً على سائر العرب، فنظر له الإمام بطرف عينه وقال له: (أتأمرونّي أنْ أطْلُبَ النَّصْرَ بالجوْرِ؟ ولوْ كانَ المَالُ لِي لَسَوَّيْت بينَهُمْ، فكيفَ وإنَّما المَالُ مالُ الله, أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ).
وقد أدت هذه السياسة المشرقة المستمدة من واقع الإسلام وهَدْيهِ إلى إجماع القوى الباغية على الإسلام أن تعمل جاهدة على إشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد، مستهدفة بذلك الإطاحة بحكومة الإمام(عليه السلام).
وكلنا اليوم بحاجة الى ذلك القائد وذلك النظام ليَنتشِل الأمة من المفسدين والسارقين لِقُوتِها بالتزام الاقتصاد الإسلامي والنهوض بواقعنا الحالي.

 

نشرت في الولاية العدد 77

مقالات ذات صله