الكتابة والخط عند الامام علي(ع)

 

fff

رسول كاظم عبد السادة

ان اول ظهور للكتابة في الجزيرة العربية -بحسب ما حققه المؤرخون – كان في منتصف القرن الثالث الهجري ونهاية القرن السادس الميلادي، وقد جاء من خلال طريقين، الأول: يبدأ بحوران في جنوب الشام مرورا بوادي الفرات الاوسط حيث الحيرة والانبار، وبدومة الجندل وينتهي إلى المدينة فمكة فالطائف.
والثاني: وهو الأقصر يبدأ بحوران فالبتراء ثم العلا ومدائن صالح فشمال الحجاز ثم المدينة ومكة، وكان اشهر طرق الكتابة طريق الحيرة.

 

الكتابة في بني هاشم من قريش
كان في قريش- كما يذكر البلاذري في فتوح البلدان- اربعة وعشرون شخصا من مكة يعرفون الكتابة والقراءة في تلك الفترة، وهؤلاء كان جلهم من بني هاشم، فقد ذكر ابن النديم في الفهرست ان وثيقة بخط عبد المطلب بن هاشم جد النبي(صلى الله عليه وآله) كانت محفوظة في خزانة كتب المأمون.
ونجد في روضة الكافي خبرا عن الامام الصادق(عليه السلام) يذكر فيه: ان لديه كتابا كتبه الزبير بن عبد المطلب، وكتابا اخر بخط العاص بن امية وبعض وجوه قريش احتج به على داود بن علي العباسي بحضور الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك (الكافي 8/722).

اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) بالكتابة
كان اهل البيت(عليهم السلام) يحثون شيعتهم على الكتابة لانها من وسائل الحفظ بكلا شقيه: الحفظ من النسيان والحفظ من الضياع والدثور، لعلمهم بما سيمر به شيعتهم من النكبات:
قال الامام الصادق(عليه السلام): الْقَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ، اكْتُبُوا فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا، احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، اكْتُبْ وبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ فَإِنَّه يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لَا يَأْنَسُونَ فِيه إِلَّا بِكُتُبِهِمْ(الكافي 1/52).
بل انهم(عليهم السلام) أمروا أصحابهم بأن يكتبوا الأحاديث في الأديم ليكون أدوم لبقائها بخلاف القراطيس التي قد تتعرض للتلف، وقد روي عن حمزة بن عبد الله الجعفري قال: كتبت في ظهر قرطاس أن الدنيا ممثلة للإمام كفلقة الجوزة، فدفعته إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) فقلت له: إن أصحابنا رووا حديثا ما أنكرته غير أني أحب أن أسمعه منك، قال: فنظر فيه ثم طواه حتى ظننت انه قد شق عليه، ثم قال(عليه السلام): هو حق فحوله في أديم(الاختصاص ص217).
بل ابعد من ذلك انهم(عليهم السلام) امروا شيعتهم ان يكتبوا بعض الاخبار بالذهب حثا منهم على الاعتناء بها وبمضامينها :
وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) انه ذكر أمير المؤمنين(عليه السلام) لابن مارد فقال: يا ابن مارد من زار جدي عارفاً بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة، يا ابن مارد والله ما يطعم الله النار قدماً تغبرت في زيارة امير المؤمنين(عليه السلام) ماشياً او راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب (فرحة الغري ص 75).

اهتمام امير المؤمنين(عليه السلام) بالكتابة والخط
كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يبين لأصحابه أهمية الكتابة في حياة المسلم وأثرها في بناء العقيدة، فان الخط -كما اثر عنه(عليه السلام)- لسان اليد، وهو(عليه السلام) من كتّاب الوحي وكتّاب رسائل النبي(صلى الله عليه وآله) وقد كتب بيده الشريفة القرآن الكريم وجمعه بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) كما انه كتب عدة مصاحف ما زال بعضها موجودا في المتاحف العالمية والمكتبات الإسلامية ومنها مصحف في خزانة مخطوطات الحضرة العلوية المطهرة وآخر في خزانة مخطوطات مكتبة امير المؤمنين(عليه السلام) في النجف الاشرف وثالث في مكتبة الاستانة الرضوية المشرفة في مشهد بإيران وغيرها من مكتبات العالم.
وكان(عليه السلام) يوجه أصحابه وقواد جيشه وولاة الامصار بالاقتصاد في الكتابة مبينا لهم القواعد الاساسية في ذلك، وقد روي عن الامام جعفر بن محمد(عليه السلام) ان امير المؤمنين(عليه السلام) كتب الى عماله: أدقوا اقلامكم وقاربوا بين سطوركم واحذفوا عني فضولكم واقصدوا قصد المعاني واياكم والاكثار فان اموال المسلمين لا تحتمل الاضرار(الخصال ص310).
واثر عنه قول يتداوله الخطاطون ويتبارون في كتابته في لوحاتهم وهو قوله(عليه السلام): (ان حسن الخط مخفي في تعليم الاستاذ، وقوامه في كثرة المشق وتركيب المركبات … وان الخط الحسن يزيد الحق وضوحا).
وبيّن لكاتبه عبد الله بن ابي رافع الاصول الصحيحة لتعلم الخط واتقانه قائلا: ألقِ دواتك، وأطل جلفة قلمك، وفرج بين السطور وقرمط بين الحروف فإن ذلك أجدر بصباحة الخط(عدة الخطاطين ص67)، وقال ابن أبي الإصبع: ما رأيت ولا رويت مثل وصية لعلي بن أبي طالب وصّى بها كاتباً لهُ يقول فيها: (ألقِ دواتك، واجمع أدواتك، وأرهف حدّي قلمك إرهافاً، واحترس عند شقّه احتراسا، فإنك إن لم تتائم لسانه كدّرت بيانه، واستصلب المقط، وحرّف القط فإن لم تسمع لقطتك طنيناً غير خفي وتنظر لها حرفاً كذُباب المشرفي وإلاّ أعد القطة، فالقلم حفّ… وقرّب بين الحروف وباعد بين الصفوف وتصفّح ما كتبتهُ وكرّر النظر فيما حبرته ليظهر لك رأيُك قبل أن يخرُج عنك كتابك).
وذكر طاش كبري زاده في كتابه مفتاح السعادة(ج1 ص 123) عن السيوطي أنه سُئل عن قول علي(عليه السلام) لكاتبه: الصق روانقك بالجبوب، وخذ المزبر بشناترك، واجعل جندورتيك الى قيهلي حتى لا انغى نغية الا اودعتها حماطة جلجلانك، ما معناه؟ فقال: (معناه الزق غطرطك بالصلة، وخذ المسطر باحاحل، واجعل حجمتيك الى تعباني حتى لا انبس نبسة الا وعيتها في عظة رياحك). فتعجب الحاضرون من سرعة الجواب مع هذا الابداع والاغراب.
وتفسيره: الروانق: المقعدة، الجبوب: الارض، المزبر: القلم، الشناتر: الاصابع، وقيهلي: اي وجهي، وانغى: اي انطق، والحماطة: الحسبة، الجلجلان: القلب.

الكتاب في كلمات الإمام(عليه السلام)
اما الكتاب فقد اهتم الامام علي(عليه السلام) في وصفه وبيان فوائده ونبه المسلمين عليه، فمن ذلك قوله(عليه السلام): الكتاب ترجمان النية، ونعم المحدث الكتاب، الكتب بساتين العلماء، ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة، وعليك بالحفظ دون الجمع من الكتب، وثلاثة تدل على عقول اربابها : الرسل والكتاب والهدية، وعقول العقلاء في اطراف اقلامها، والكتاب أحد المحدثين، وحذر (سلام الله عليه) من القاء الكتب التي تحمل الاسماء المقدسة في الاماكن التي لا تليق بقدسيتها، قال(عليه السلام): ما من كتاب يلقى بمضيعة من الارض فيه اسم من اسماء الله تعالى إلا بعث الله تعالى اليه سبعين الف ملك يحفونه بأجنحتهم ويقدسونه حتى يبعث الله اليه ولياً من أوليائه فيرفعه من الارض، ومن رفع كتاباً من الأرض فيه اسم من أسماء الله عز وجل رفع الله تعالى اسمه في عليين وخفف عن والديه وان كانا كافرين(مجموعة ورام 2/ 78).

 

نشرت في الولاية العدد77

مقالات ذات صله