ولادة النور الاعظم

gggg

رياض الخزرجي

نورٌ ليس كباقي الأنوار.. أشرق به الكون لينير السماوات والأرض..
ما هو هذا النور وما هو مصدره؟ ولماذا كان هذا النور متميزاً؟
تميّز لكونه مشتقاً من نور الواحد الأحد، قذف به الله تعالى نحو الأرض ليكون المكمّل للرسالات السابقة، وخلاصة جهود الأنبياء والرسل، ومناراً لهداية العالم إلى يوم القيامة.

 

المولود المبارك
كانت عادة الأشراف من العرب أن يرسلوا أولادهم إلى البادية للارتضاع، حتى يشب الولد وفيه طهارة الجو الطلق وفصاحة اللغة التي لم تشبها رطانة الحضر المختلط، وشجاعة القبائل التي لا تعرف جبناً من أسوار المدينة، وصفاء النفس التي تشمل انطلاق الصحراء.
وهكذا ارتأى جد الرسول (عبد المطلب)، فأمر أن يؤتى بالمرضعات ليختار منهن واحدة لحفيده الميمون.
فأتت النساء يسعين إلى (عبد المطلب) لينلن هذا الشرف الذي فيه مفخرة إرضاع هاشمي والنيل من رفد زعيم مكة.
ولم يقبل الوليد ثدي أية امرأة منهنّ، فكن يرجعن بالخيبة، وكأن الله سبحانه لم يشأ إلا أن ترضع النبي امرأة طاهرة نقية.
حتى انتهى الدور إلى امرأة شريفة تسمى (حليمة السعدية)، فلما مثلت بين يدي (عبد المطلب) سألها عن اسمها، ولما أُخبر باسمها تفاءل وقال: (حلم وسعد).
فأعطوها الوليد المبارك، فقبل بها مرضعة له، وهناك عادت إلى قومها بخير الدنيا وسعادة الآخرة، فقد شاءت الأقدار أن يدرّ على قبيلة (حليمة) الخير والبركة بيمن هذا المولود الرضيع.
فكانت السماء تهطل عليهم بركة وسعة وفضلاً.
والوليد الرضيع ينمو على غير عادة أمثاله ويوماً بعد يوم تظهر في سماته آثار العز والجلال، مما يُنبئ بمستقبل نير.
هذه هي الولادة وهذه هي بركاتها التي مازلنا ننعم بها، ويالها من ولادة عمت بركتها الخافقين.

هدى الله للبشرية جمعاء
مرّة يولد الإنسان ليكون نقمة على البشرية، ومرّة يولد فلا يضرّ وجوده ولا ينفع، ومرة يولد فتولد معه الهداية والخير والبركة التي تعم بلداً من بلاد العالم، فتكون هذه الولادة منبع خيرٍ لأهل المولود ولقومه ومجتمعه وبلده.
ولكن عندما تولد معه الهداية للبشرية بأجمعها فستكون بالتأكيد ولادة لا ترقى إليها أو تضاهيها أي ولادة.
وهكذا كانت ولادة خاتم النبيين محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله)، وقد أبلى الشعراء على مرّ التاريخ بلاءً حسناً عندما وصفوها بولادة الهدى والحق والنور، ومن ذلك قول قائلهم:
ولد الهــــــــدى فالكــــون اصــــبح موكبا     للــــحـــق والـــــــرحمـــات والاكـــــرام
الحق لمـــــــــا اشـــــــرقت انــــــــــواره   بمحمد عـــــــزت بـــــــــه ايـــــــــــامي
اشرق علينــــا يــــــــــــا سناء محمـــد   فالليل طـــــــــال بغربتي ومقــــامـــــي
انا لا ارى مـن غير نـــــــــور محــــــــمد   كـــــيف الــعيــــون ترى بمــــحض ظلام
انا لست اســـــمع دون ذكــــر محمـــــدفــــالاذن لا تصـــغــــي بــــــلا إلــــهـــامِ
يــا سيدي لـــــــو كان نورك بيـــنــنا      لتهــتكـــت حـــجب الظلـــام امــــــامي
يـــا سيدي لـــو كان حبــــك بيننـــــا      مــا عاشت الاحقـــاد بـــيـــن عــظامـي
في يــــــــوم مولدك العظيـم تحيتي     ثــــم الـــصلاة علـــيك ثــــم سلامـــــي

نور الله في ظلمات الارض:
من مميزات هذه الولادة أنّها جاءت في بلاد كانت الجاهلية الجهلاء قد أطبقت فيها على الاجيال، التي باتت تغوص في أوحال الجهل، لا يعرفون إلا الشر والفحشاء، ويعاشر بعضهم بعضا بالظلم والعدوان، يكذبون في الكلام ويشعلون نار الفتن ويخلفون الوعد، تسود بينهم الفوضى والهمجية، فلا نظام ولا دستور ولا قانون، يريق بعضهم دماء بعض من دون مسوّغ ويأكلون أموالهم بينهم بالباطل، يسرقون وينهبون ويسلبون، وتسود بينهم الطبقات المنحرفة، يهتكون الأعراض، ولا يحترمون النواميس، يئدون البنات ويقولون: (نعم الصهر القبر)، وقد أُصيبوا بأبشع أنواع الفقر والجهل والمرض والتشتت: فالنعرات الإقليمية والعرقية والتفرقات القبلية كانت تكويهم كل يوم بنارها.
في تلك البيئة أشرقت شمس الرسول لينزوي ذلك الظلام ويعم العلم وينبغ العاملون المخلصون.

بركة تعم كل الازمان والأماكن:
هل كان هذا النور البهي خاصّاً بمرحلة من مراحل حياة الجزيرة العربية، أو لفئة بعينها، وهل اكتفينا نحن وتشبعنا بهذا النور؟ أم هناك استمرارية لأشعة هذا النور وما زلنا بحاجة ماسة للتزود منه؟
الإجابة عن هذه الاسئلة واضحة، فهذه الولادة أرادها الله تعالى أن تكون مصدراً لجميع البشرية إلى يوم القيامة، ومهما وصل الإنسان إلى مراحل متقدمة في طريق التكامل يبقى بحاجة إلى فيوضات هذا النور ليبقى ثابتاً على طريق التكامل أولاً، وليستمر في الرقي الذي ليس له نهاية ثانياً.

مقالات ذات صله